المؤسسة الأمريكية المهتمة بالجو (آير فيسوال) تعد تقارير عن تلوث الجو في مدن العالم المهمة كل يوم. في التقرير الأخير لهذه المؤسسة قبل أيام (۱٥ ديسمبر ۲۰۱۸م) اعتبرت كابل أكثر المدن تلوثا في العالم. طبقا لجدولة هذا التقرير فإن درجة التلوث في كابل ۳٥۳، وهي الأعلى في العالم، وتأتي مدينة لاهور الباكستانية، وآلنباتور المنغولية، ودكا البنغلاديشية لتحوز بالترتيب الدرجة الثانية والثالثة والرابعة في هذا الجدول.
فإن تلوث الجو في بلد مثل أفغانستان الذي يقتل فيه ويجرح العشرات يوميا بسبب الحروب؛ هو الآخر خطر يهدد حياة الشعب، ويسبب لهم أمراضا خطيرة.
ازدياد تلوث الجو في مدينة كابل وقدجعل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والمؤسسة الوطنية لحفظ الصحة في أفغانستان، تغير ساعات العمل للدوائر الحكومية بنشر بيان بهدف تقليل تلوث الجو والتخفيف من الزحام المروري في مدينة كابل. طبقا لبيان هاتين المؤسستين الحكوميتين فإن ساعات العمل لأربع عشرة وزارة وثماني إدارات مستقلة ستنظم من الساعة الثامنة والنصف صباحا إلى الرابعة والنصف عصرا، وساعات العمل لبقية الوزارات والدوائر الحكومية ستنظم من الساعة السابعة والنصف صباحا إلى الساعة الثالثة عصرا.
مشكلة تلوث الجو في العالم، وازدياد تلوث الجو وعلله في كابل، و الطرق والخطط الضرورية لمكافحته؛ موضوعات نتطرق إليها في هذا التحليل.
تلوث الجو؛ مشكلة عالمية
وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية (WHO) والذي نشر في بداية شهر فبراير ۲۰۱۸م؛ فإن تسعة أشخاص من كل عشرة من سكان العالم يستنشقون الهواء الملوث، والدول المتخلفة في إفريقيا وآسيا هي أكثر الدول التي تتحمل أضرار هذا التحدي.
وفقا لتقارير هذه المنظمة، فإن حوالي سبعة ملايين شخص يصابون بأمراض مختلفة كالجلطة الدماغية وأمراض القلب وسرطان الرئة وأمراض مزمنة ومشكلات في التنفس بفعل الجو الملوث ودخول ذرات التراب الصغيرة إلى رئتهم ونظام التنفس لهم، ويخسرون حياتهم بسبب ذلك. كما جاء في هذا التقرير أيضا أن تلوث الجو فقط أدى إلى موت حوالي ۲،٤ ملايين شخص عام ۲۰۱٦م، وفي مثل هذه الفترة فإن تلوث الجو بسبب الطبخ واستخدام التكنولوجيا وأنواع مختلفة من الوقود في البيوت أدى إلى موت حوالي ۳،۸ ملايين شخص تقريبا.
لذا؛ فإن تلوث الجو أحد أكبر التحديات المهددة لحياة الموجودات الحية في العالم والذي يؤدي إلى موت الملايين سنويا، وإن لم يكن هناك اهتمام فيما يتعلق بتحسين كيفية الجو وتحسين شبكة وسائل النقل، وتحسين الوقود المستخدم والاستفادة من وسائل النقل الكهربائية على مستوى العالم؛ فإن التلوث سيؤدي إلى موت الملايين من الأشخاص الآخرين.
كابل، إحدى أكثر المدن تلوثا في العالم
أفغانستان كبلد فيها جبال مرتفعة جدا وأنهار مترفقة فيها المياه، وله طبيعة جميلة ومتنوعة؛ لكن شعب هذا البلد حُرِم من الحياة في كثير من مناطق هذه الطبيعة الجميلة والنظيفة من التلوث بسبب الحروب وعدم الاستقرار، ونزح أكثرهم إلى المدن سيما العاصمة كابل للحفاظ على حياتهم.
وفقا للأبحاث، فإن كابل مدينة تمکنها أن تحتفن نصف مليون شخص فقط، ولكن يسكن فيها الآن حوالي ستة ملايين شخص. تمركز السكان في هذه المدينة أدى إلى تلوث الجو فيها والذي عَرَّضَ حياة المواطنين إلى الخطر، ويتم نقل المئات من المواطنين إلى المستشفى يوميا، ويأخذ التلوث منهم الضحايا بشكل من الأشكال.
أكثر المتضررين من تلوث الجو هم الفقراء الذين يعانون منه حتى داخل بيوتهم وغرفهم، ويصابون بأمراض التنفس المختلفة بفعل الجو الملوث بسبب استخدام الوقود ذي كيفية منخفضة وفقد الوسائل التي يحتاجونها في فصل الشتاء، ولكن ما هي العوامل الأساسية لتلوث الجو في كابل؟
هناك نقاط يجب أن نأخذها بعين الاعتبار:
الأولى: ازدياد عدد السكان: مدينة كابل أكثر المدن اكتظاظا بالسكان والتي یسكن فيها حوالي ستة ملايين شخص. ازدياد السكان هذا هو أحد العوامل الأساسية الذي أدى إلى تلوث الجو في مدينة كابل. لأن بازدياد عدد السكان يرتفع عدد السيارات كما يزداد استخدام أنواع مختلفة من الوقود؛ وهذا يلعب دورا هاما في تلوث الجو.
الثانية: استخدام الوقود ذي كيفية نازلة: استخدام الفحم الحجري، ومواد نفطية المستخدمة، وأنواع أخرى من الوقود في المصانع أو مواقد طبخ الآجر والاستفادة من هذه المواد لتسخين البيوت سيما في فصل الشتاء؛ هي من العوامل المهمة لتلوث الجو في مدينة كابل. والفقر أيضا يجبر المواطنين على الاستفادة من المواد الرخيصة وغير النظيفة التي تؤدي إلى تلوث الجو إذ لايجدون تكاليف المواد النظيفة وذات القيمة العالية.
الثالثة: عدم وجود شوارع وفقا للمقاييس العالمية: كون شوارع كابل وأزقتها غير مطابقة لمقاييس عالمية أيضا جزء آخر كبير لتلوث الجو فيها. مع أن مليارات الدولارات من المساعدات الدولية جاءت إلى أفغانستان بعد عام ۲۰۰۱م؛ إلا أن هذه الأموال لم يتم صرفها في مكانها المناسب بسبب الفساد والضعف في الدوائر الحكومية، وبعد مضي سبعة عشر عاما هناك شوارع وطرق في كابل لم يتم إعمارها بشكل معيار، وهذا بدوره يؤدي إلى تلوث الجو في المدينة.
الرابعة: الجفاف: قلة الأمطار في السنوات الأخيرة في أفغانستان سيما في مدينة كابل قعد من العوامل التي أدت إلى ازدياد التلوث. فقد سبب فقدان الأمطار جفاف المناطق الخضراء وازدياد الأتربة والغبار.
الخامسة: ضعف الإدارة في الدوائر الحكومية المسؤولة: عدم وجود خطط عمل منظمة لتنظيم مدينة كابل، وكذلك عدم وجود خطط مؤثرة وعملية لمكافحة التلوث جعل المسؤولين عن حفظ الصحة لايستطيعون أداء عملهم في جمع الزبائل وتنظيف المناطق التي توجد فيها الأوساخ، وهذا أدى إلى ازدياد التلوث في المدينة أكثر فأكثر.
طرق مكافحة تلوث الجو
الطرق المناسبة للوقاية من مشكلة ما، أو إمحاء ظاهرة مضرة في بيئة ما؛ تحتاج إلى متخصصين، وقوة اقتصادية، واتخاذ قرارات من قبل المسؤولين، واتخاذ الاجراءات في أوتات مختلفة. ومن هنا نستطيع أن نذكر بعض الطرق للوقاية من تلوث الجو:
الأول: نشر المعلومات بين العامة عن الضارّ الناشئة من تلوث الجو، وتشجيعهم للإسهام في الوقاية من حدوث مشكلة التلوث؛ إذ يكون أحد الطرق المؤثرة لمكافحة التلوث.
الثاني: إجراء وتنفيذ خطط تجعل المدينة أكثر تنظيما، وتصمیما يجب أن تكون هناك إجراءات من قبل الإدارات المهتمة بهذالأمر لتكون مؤثرة في مكافحة التلوث على المدى البعيد.
الحكومة الأفغانية الآن أعلنت يومي الخميس والجمعة عطلة رسمية لجميع الدوائر الحكومية في مدينة كابل للوقاية من تلوث الجو، وغيرت ساعات العمل للدوائر الحكومية بهذا الهدف. هذه الخطوة مع أنها مهمة، ولكن يجب على الحكومة أن تعمل على اتخاذ اجراءات يمكن بها الوقاية من ازدياد تلوث الجو، كما يجب عليها اتخاذ اجراءات تكون مؤثرة على المدى البعيد. مثلا: إبعاد المصانع عن المناطق السكنية، والتحكم في الوقود المستخدم في هذه المصانع، ومصادرة السيارات التي انقضت عشرات السنين علی استخدامها ولكن يتم استخدامها حتى الآن، والعمل على إيجاد خطة منظمة ومؤثرة لجمع الزبائل والأوساخ من المدينة.
الثالث: إيصال الكهرباء إلى جميع المواطنين حتى لايستخدموا الوقود ذا كيفية نازلة في تسخين بيوتهم وإنارتها وفي الطبخ، والذي يسبب تلوث الجو.
وبشكل عام؛ تلوث الجو مشكلة عالمية ولا شك، وكيفية التلوث ومقداره في بيئة ما يدلان على مدی نموالمستوی الثقافي ورقي نظام الخدمة الحضریة في مجتمع ماه كما تعقبها الأحكام تجاه الإدارات المسؤولة لذلك المجتمع وأعضاءه.
ليست مشكلة تلوث الجو في بيئة ما تخص فردا معينا أو مؤسسة معينة، لأن ضرر هذه المشكلة تعم الجميع. ومن هنا يجب على الجميع العمل للوقاية من هذه المشكلة؛ كل حسب طاقته دون أن نلقي المسؤولية على عاتق الآخرين، ويحسن أن يرشح كل منا نفسه لحل هذه المشكلة ونبذل جهودنا للحفاظ على سلامتنا وسلامة أسرنا ومجتمعنا.
انتهى