أعلنت اللجنة المستقلة للانتخابات الأفغانية الجدول الزمني الكامل للانتخابات الرئاسية المقبلة الأسبوع الماضي (۲۸ نوفمبر ۲۰۱۸م). وفقا لهذا الجدول، فإن تسجيل أسماء المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية سيبدأ في اليوم الأول من شهر جدي من العام الهجري الحالي ويستمر لمدة ۱۲ يوما. كما أن القائمة الابتدائية للمرشحين ستعلن بتاريخ ۱۸ جدي، والقائمة النهائية ستعلن في الخامس من شهر حوت من العام الهجري الحالي.
تقول اللجنة المستقلة للانتخابات الأفغانية أن مدة الدعايات الانتخابية للمرشحين ستكون من ۲۸ دلو ۱۳۹۷هـ ش حتى ۲۸ حمل ۱۳۹۸هـ ش. وفقا لهذا الجدول الزمني؛ من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في اليوم ۳۱ حمل ۱۳۹۸م، ويتم إعلان النتيجة النهائية في ۲٥ من شهر جوزاء من العام المقبل.
إعلان اللجنة المستقلة للانتخابات عن الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية يأتي في وقت لم توفق اللجنة لإعلان نتائج الانتخابات البرلمانية حتى الآن من جهة، ومن جهة أخرى ونظرا للجهود الأمريكية الأخيرة للتوصل إلى سلام مع طالبان؛ فإن الآمال تعززت في إنهاء الحرب والتوصل إلى سلام معهم، ما لا ينكر تأثيره على مصير الانتخابات القادمة.
ما هو تأثير الضعف الموجود في اللجان الانتخابية، ومفاوضات السلام المستمرة حاليا بين طالبان وأمريكا على مصير الانتخابات القادمة؟ وهل سيتم إجراء هذه الانتخابات في موعدها المحدد في ظل الوضع الأمني والسياسي الحالي؟ أسئلة نتطرق إليها في هذا التحليل.
لجنة الانتخابات الأفغانية
بعد انتخابات عام ۲۰۱٤م الرئاسية الأكثر إثارة للجدل في أفغانستان عندما تشكلت حكومة الوحدة الوطنية باتفاق كلا الفريقين الانتخابيين؛ كان إصلاح النظام الانتخابي أحد أهم المواد في الاتفاقية السياسية لتشكيل الحكومة والتي حصلت بسبب التأخير في تنفيذه اختلافات بين رئيس الجمهورية والرئيس التنفيذي لحكومة الوحدة الوطنية، إلا أن لجنة لإصلاح النظام الانتخابي تشكلت بعد إصدار مرسوم من قبل الرئيس الأفغاني وبعد التأخير مدة طويلة حتى تقوم بحل المشكلات الموجودة في هذه القضية، لكن هذه الإجراءات لم تؤد إلى إصلاح النظام الانتخابي كما تشكلت في النهاية لجنة ضعيفة وغير مؤثرة.
هذه اللجنة أجرت الانتخابات البرلمانية المقرر إجراءها عام ۱۳۹٤هـ ش؛ أجرتها الشهر الماضي، ولم تعلن نتائجها في جميع المحافظات حتى الآن بعد مضي شهر ونصف شهر.
من جهة أخرى، اللجنة المستقلة للانتخابات تواجه انتقادات واعتراضات شديدة من قبل الأحزاب والتحالفات السياسية في البلاد والتي أدت إلى ضعف ثقة الشعب والأحزاب السياسية في اللجنة المستقلة للانتخابات نظرا لكيفية إجراء انتخابات مجلس النواب. كانت اللجنة المستقلة للانتخابات ضعيفة في إجراء الانتخابات البرلمانية إلى حد أعلنت لجنة الشكاوي الانتخابية إبطالها لنتائج الانتخابات في محافظة كابل وطالبت بإعادتها فيها.
مع كل ذلك؛ فإن وجود الاختلافات الداخلية بين أعضاء اللجان الانتخابية، وعدم وجود التنسيق بين اللجنة المستقلة للانتخابات ولجنة الشكاوي الانتخابية وأيضا وجود الفساد الإداري داخل هذه اللجان؛ من الأمور التي أدت إلى ضعف الثقة الشديد في هذه المؤسسات.
الانتخابات الرئاسية وجهود المصالحة مع طالبان
بعد أن تم تعيين زلمي خليلزاد مندوبا خاصا لوزارة الخارجية الأمريكية لإجراء مفاوضات السلام مع طالبان؛ تكثفت الجهود لبدء مفاوضات السلام معهم. خليلزاد بذل جهوده حتى الآن لإيجاد التنسيق وتوحيد الآراء بين بعض الدول وأيضا بين الأحزاب والحلقات السياسية داخل أفغانستان فيما يتعلق بالمصالحة مع طالبان، كما حاول تشجيع دول عدة للتعاون في هذه القضية.
مع أن هذه الجهود مستمرة حتى الآن، وبدأ خليلزاد جولته الثالثة في المنطقة بعد لقاءات عدة مع مندوبي طالبان في قطر؛ إلا أن هذه المفاوضات تقع في هالة من الإبهام مع كل الآمال المعقودة بها.
في هذه الأثناء، مع أن الحكومة الأفغانية تؤكد دائما أنها هي المرجع الوحيد ذات صلاحية التي تستطيع أن تتخذ القرار النهائي بشأن المصالحة مع طالبان في مفاوضات السلام معهم، ولهذا أعلن بعد بدء الحوار بين طالبان وأمريكا عن تشكيل هيئة من اثني عشر عضوا للحوار مع الحركة والتي واجهت انتقادات من قبل بعض أعضاء البرلمان والسياسيين في البلاد؛ ولكن يبدو أن الحكومة الأفغانية تمت تنحيتها في مفاوضات المصالحة مع طالبان، وجهود الحكومة الأخيرة (تشكيل هيئة للحوار، والإعلان عن الجدول الزمني الكامل للانتخابات والتأكيد على عقدها) يدل على أنها تريد بذلك الضغط على أمريكا بشكل من الأشكال.
مع أن اختلاف وجهتي نظر الأفغاني والأمريكي حول مفاوضات السلام لم يؤثر على العلاقات بين كابل و واشنطن؛ إلا أن احتمال التأخير في إجراء الانتخابات الرئاسية قَوِيَ بعد بدء الحوارات بين المندوب الأمريكي الخاص وبین طالبان، لأن خليلزاد أبدى أمله في التوصل إلى اتفاق مصالحة مع طالبان قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، وذلك في مؤتمر صحفي له في كابل.
من جهة أخرى، هناك آراء تقول أن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الولايات المتحدة بجهودها الأخيرة فيما يتعلق بالمصالحة مع طالبان تريد مرة أخرى هندسة الانتخابات الرئاسية الأفغانية ونصب شخص تثق به على رأس السلطة في أفغانستان، لأن وزير الدفاع الأمريكي وفي حديث جديد له قال أنهم يريدون إنهاء الحرب في أفغانستان ولا يريدون الخروج منها.
مصير الانتخابات الرئاسية القادمة
حول ما إذا كانت انتخابات الرئاسة الجمهورية ستجرى في الموعد الذي حددته اللجنة المستقلة للانتخابات في أفغانستان أم لا؟ هناك نقاط يجب ذكرها:
الأولى: الخلافات الموجودة داخل حكومة الوحدة الوطنية، والاختلاف بين الأحزاب السياسية والحكومة فيما يتعلق بقابلية لجنة الانتخابات الأفغانية وضعف عملها ككل؛ هي من الأمور التي تقلل من احتمال إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد.
الثانية: النقطة الثانية فيما يتعلق بمصير الانتخابات الرئاسية في أفغانستان، هو وضع البلاد عموما سيما الوضع الأمني. أكثر من نصف مناطق البلاد الآن تحت سيطرة المعارضة المسلحة، والحرب مستمرة في أكثر المناطق في البلاد. لذا؛ فإن احتمال إجراء الانتخابات الرئاسية في مثل هذا الوضع يبدو ضعيفا.
الثالثة: النقطة الأخرى والأهم هي نتيجة مفاوضات السلام مع طالبان والتي سوف تحدد مصير الانتخابات الرئاسية. إذا تقدمت المفاوضات مع طالبان وحصل اتفاق بين أمريكا والحركة؛ فإنه من المحتمل تأخير الانتخابات الرئاسية لفترة من الزمن، ولكن إذا فشلت هذه المفاوضات ولم يحصل أي تقدم بشأنها؛ من المحتمل إجراء الانتخابات، إلا أنها ستكون مواجهة للمشكلات وسوء الإدارة ونقائص أخرى، شأنها شأن الانتخابات البرلمانية الماضية. وفي هذه الحالة؛ إجراء مثل هذه الانتخابات الغير النزيهة والمزورة؛ ستواجه البلاد إلى خطر عدم الاستقرار السياسي، كما ستعقبها الصراعات السياسية أيضا.
انتهى