عندما وصل الرئيس غني إلى السلطة في سبتامبر عام ۲۰۱٤م؛ كانت المسؤوليات الأمنية والعسكرية قد انتقلت من القوات الدولية إلى القوات الأفغانية، كما أن القسم الأكبر من القوات الأجنبية المتمركزة في أفغانستان قد خرجت وانخفض عددهم من ۱۳۰۰۰۰ عنصر إلى ۱٥۰۰۰ عنصرا.
عندما انتقلت السلطة إلى أشرف غني، وأصبحت مسؤولية القوات الأجنبية المشورة والتدريب، وتولت القوات العسكرية الأفغانية مهمة الحرب؛ ارتفعت الخسائر في صفوف القوات الأفغانية من جهة، واشتدت نيران الحرب من جهة أخرى.
الأوضاع في ميادين الحرب خلال السنوات الأربعة الماضية، والخسائر في صفوف المدنيين، ووخامة الوضع الأمني في عهد الرئيس غني؛ هي مسائل نحاول التطرق إليها في هذا التحليل.
وضع الحرب خلال هذه الفترة
مع أن الوضع الأمني كان سيئا عند تشكيل حكومة الوحدة الوطنية؛ إلا أن هذا الوضع ازداد سوءا مع بدء عمل الحكومة الجديدة. اتسعت رقعة الحرب لتشمل شمال البلاد أيضا بعدما كانت تنحصر في الجنوب تقريبا، وقد اشتدت الحرب في محافظات عديدة شمال البلاد.
أصبحت حركة طالبان قوية في عهد الرئيس غني، حيث استطاعوا توسيع نطاق الحرب إلى مراكز المدن الكبيرة، وركزوا في استراتيجيتهم الحربية على الحروب التهاجمية. بعد هذه الحروب التهاجمية كانت مدينة كندز أول مدينة تسقط في يد طالبان منذ سقوط حكمهم مرتين أيام حكومة الوحدة الوطنية. كما أن مدينتي فراه وغزني سقطتا في يد طالبان لبضعة أيام.
كما ظهر “جناح خراسان” التابع لـ (الدولة الإسلامية) أو داعش أيام حكومة الوحدة الوطنية، واتسعت رقعة فعالياتها أيام حكومة الوحدة الوطنية حيث وصلت هجماتها الدموية إلى العاصمة والمدن الكبيرة للبلاد، وتعتبر الآن تهديدا كبيرا على الأمن في أفغانستان.
وفقا للتقرير الأخير لمؤسسة (سيجار) الأمريكية المهتمة بإعادة إعمار أفغانستان، فإن سيطرة الحكومة الأفغانية على البلاد في انكماش مستمر. كتب هذا التقرير الذي قدِّم إلى الكونغرس الأمريكي فی التاسع من شهر عقرب من العام الشمسي الحالي یقول: انخفضت سيطرة الحكومة الأفغانية على تراب البلاد إلى ٥٦ في المائة، في حين كان هذا الرقم في شهر عقرب من عام ۱۳۹٤ش ۷۲ في المائة.
الهجمات الجوية وخسائر العسكريين والمدنيين الأفغان
عدم اهتمام طرفي الحرب إلى حياة وممتلكات المدنيين، هو أحد وأشنع أبعاد الحرب في أفغانستان. أصبح استهداف المدنيين وقتل النساء والأطفال من قبل طرفي الحرب خلال سبعة عشر عاما الماضية أمرا عاديا، حيث أن وفقاً لإحصائيات المؤسسات الدولية؛ منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية عام ۲۰۱٤م وحتى الآن قتل وجرح أكثر من ۱۰۰۰۰ من المدنيين في أفغانستان سنویا.
وفقا لتقارير مؤسسة (يوناما) التي تُعِد التقارير عن خسائر المدنين في أفغانستان كل سنة؛ وصلت الخسائر في صفوف المدنيين عام ۲۰۱٤م إلى ۱۰٥۳٤ شخصا، و وصلت عام ۲۰۱٥م إلى ۱۱۰۰۲ شخصا، وعام ۲۰۱٦م إلى ۱۱٥۰۰ شخصا، وعام ۲۰۱۷م إلى ۱۰٤٥۳ شخصا. وحسب تقرير يوناما الأخير قتل وجرح ٥۱۲۲ مدنيا في ستة أشهر الأولى من عام ۲۰۱۸م. وفقا لهذا التقرير فإن نسبة الخسائر بين المدنيين في ستة أشهر الأولى من عام ۲۰۱۸م ازدادت واحدا في المائة بالنسبة للعالم الماضي.
بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الخسائر بين المدنيين، فإنها ارتفعت أيضا بين القوات الأمنية بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. حيث أن خلال عام ۲۰۱٥م وفقا لتقرير (سيجار) فإن ٥۰۰۰ شخص من القوات الأمنية قتلوا وجرح ۱٥۰۰۰ في الحرب ضد المعارضة المسلحة للدولة. ولكن وفقا لتقارير أخرى من سيجار؛ فإن ٦۷۸٥ من قوات الأفغان قتلوا وجرح ۱۱۷۷۷ آخرون منذ بداية شهر يناير إلى ۱۲ نوفمبر من عام ۲۰۱٦م، إلا أن هذا الرقم ارتفع كثيرا عام ۲۰۱۷م. كما جاء في التقرير الأخير لسيجار: قتل ۲٥۳۱ من الجنود الأفغان وجرح ٤۲۳۸ مند بداية شهر يناير إلى الثامن من مايو من عام ۲۰۱۷م.
خلال سنوات حكومة أشرف غني قتل مئات من المدنيين الأفغان والقوات العسكرية الأفغانية أحيانا إثر الهجمات الأعمى والدموية للقوات الأجنبية والأفغان. وازدادت هذه الهجمات بعد توقيع الاتفاقية الأمنية بين كابل وواشنطن وبعد إعلان الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لأفغانستان؛ ازدادت أضعاف ما كانت عليه من قبل، واستهدفت هذه الهجمات المدنيين في كثير من المرات. وفقا للتقارير فإن القوات الأمريكية أجرت ۲٦۱۱ عملية جوية خلال عام ۲۰۱۷م، في حين كان هذا الرقم عام ۲۰۱٦م ۱۰۷۱، وعام ۲۰۱٥م ۲۳٦ مرة فقط، أما حكومة الوحدة الوطنية عادة ما تسكت أمام مثل هذا الممارسات الأمريكية.
في بضعة أسابيع الأخيرة فقط انتشرت تقارير عدة تتحدث عن مقتل المدنيين في عدة محافظات من البلاد بفعل الهجمات الجوية للقوات الأجنبية المشتركة. على سبيل المثال: قتل في هذه الهجمات ۱٤ مدنيا بينهم امرأة و ۱۱ طفلا في قرية ملا حافظ من قرى مديرية جغتو في ولاية ميدان وردك، وقتل ۱۸ مدنيا في هجمات جوية أخرى للقوات الأجنبية على حفل زواج في مديرية تجاب بولاية كابيسا، وقتل ۲۹ مدنيا آخرون في هجمات أخرى للقوات الأجنبية المشتركة في ولاية باكتيا وننجرهار، وهذا يدل على تكثيف الهجمات الجوية للقوات الأجنبية وارتفاع الخسائر بين المدنيين الأفغان نتيجة لهذه الهجمات.
لماذا يتجه الوضع الأمني إلى الوخامة؟
هناك نقاط تستحق التوقف عليها:
الأولى: بعد ظهور “جناح خراسان” التابع لتنظيم (الدولة الإسلامية) في أفغانستان وإصرار أميركا على استمرار حضورها العسكري في المنطقة؛ تلاشى ذلك الإجماع الموجود بين دول المنطقة والعالم حول القضية الأفغانية، وأصبحت دول المنطقة تشك في النوايا الأمريكية في المنطقة. لذلك؛ فإن الحرب في أفغانستان تتعقد يوما بعد يوم، وكما يبدو وبالنظر إلى المشدات الأخيرة بين مسؤولين أمريكيين وآخرين روس فإن حربا باردة جديدة تجري بين القوات العظمى في المنطقة، وأفغانستان هو أحد المسارح المهمة في هذه الحرب.
الثانية: بنية حكومة الوحدة الوطنية والخلافات السياسية بين المسؤولين الحكوميين من العوامل الأساسية لاستمرار الحرب والأزمات الأمنية في أفغانستان. هذه البنية للحكومة، واشتغال المسؤولين الأفغان بالخلافات الداخلية وتوزيع المناصب، هو السبب لعدم قيامهم بعمل مؤثر على طريق السلام وإنهاء الحرب، كما أنه هو السبب لفقد الإدارة السليمة في القطاع الأمني مثل بقية القطاعات، وعدم التنسيق بين المؤسسات الأمنية، الأمر الذي أدى إلى ازدياد الخسائر، سيما نتيجة للهجمات الأعمى.
الثالثة: ضعف العمل، والفساد في المؤسسات العسكرية للدولة هو أحد العوامل التي أدى إلى وخامة الأوضاع الأمنية وتشديد الحرب في أفغانستان. الفساد في المؤسسات الأمنية وفي صفوف العسكريين الأفغان (حتى سرقة طعام العسكريين الأفغان) أدى إلى انتشار اليأس من الحكومة بين أفراد القوات الأفغانية، والتحاقهم بصفوف المعارضة المسلحة وحمل السلاح ضد الحكومة في أحايين كثيرة.
الرابعة: الفقر والبطالة من التحديات التي تؤدي إلى التحاق كثير من الناس بصفوف المعارضة المسلحة في معظم الأحيان، والمشكلة تفاقمت بعد قيام حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان. وفقا لتقارير البنك الدولي فإن ٤۰ في المائة من الشعب الأفغاني في الوقت الحاضر يعيشون تحت خط الفقر، كما أن ۲٤ في المائة من القوة العاملة في أفغانستان تواجه البطالة. في مثل هذا الوضع يتجه كثير من الشباب إلى السرقة والقتل وحمل السلاح ضد الحكومة، وهذا الأمر له دور كبير في اضطراب الأوضاع الأمنية، وتشديد الحرب، وازدياد الجرائم. انتهى