أصبح استهداف المدنيين في حرب أفغانستان منذ السنوات الـ17، أمرا مألوف من قبل الأطراف المعنية في هذه الحرب، وعليه راحت ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين بين قتلى وجرحى.
وقد أدت دائما الضربات الجوية والعمليات الليلية المشتركة للقوات الأفغانية والأجنبية إلى جزء كبير من الخسائر في صفوف المدنيين. وفي نهاية الأسبوع الماضي، قتل 14 مدنيا، معظمهم من النساء والأطفال، بسبب عمليات ليلية وقصف للقوات المشتركة (الأفغانية والأجنبية) في حي “ملا حفاظ” بمديرية جغتو بمحافظة ميدان وردك. وفي الوقت نفسه، قتل 18 مدنيا آخر خلال حفل زفاف في مديرية تكاب بمحافظة كابيسا. كما قتل ما يقرب من 29 مدنيا وجرح 14 آخرون في عملية مشتركة بين القوات الأفغانية والأجنبية في مقاطعتي بكتيا وننجرهار قبل بضعة أيام.
وإن كان قتل المدنيين في الهجمات الأخيرة التي شنتها القوات الأفغانية والأجنبية واجه رد فعل الرئيس الأفغاني السابق حامد كزراي، وقلب الدين حكتميار زعيم الحزب الإسلامي، وبعض أعضاء مجلس النواب، والجمهور العام، تم وصفه بجرائم بشرية، لكن وزارة الدفاع الأفغانية لم يؤيد من وقوع إصابات في صفوف المدنيين في منطقة جغتو، لكنها صرحت بأنه تم تعيين هيئة بشأن الحادث الذي وقع في تكاب سيتم البحث عنه.
سيتم رفض الحادث الذي راحت ضحيتها الأطفال والنساء في جغتو من قبل الحكومة الأفغانية وبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما) قد أعلنت في تصريح لها عن قتل 12 مدينا في جغتو، بما في ذلك امرأة و11 طفلا.
كانت زيادة الضربات الجوية الأجنبية جزءا من استراتيجية ترامب الجديدة لأفغانستان، ولكن لم تكن لها أي نتيجة سوى زيادة الإصابات في صفوف المدنيين وتشديد الحرب في أفغانستان.
عدم الاهتمام بحياة المدنيين في الحرب، وكيفية استهداف منازل الناس في الضربات الجوية، وما هي تبعات الصمت على قتل المدنيين من قبل الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي؟ موضوعات تمت مناقشتها في هذا الجزء من التحليل الأسبوعي.
عدم الاهتمام بحياة الناس في حرب أفغانستان
منذ عام 2001م، حينما بدأت القوات الأمريكية وقوات الحلفاء حربها بضربات جوية في أفغانستان، منذ ذلك اليوم وحتى الآن لم يعتن الأطراف المعنية بحياة المدنيين خلافا لجميع الأصول الدولية في الحروب.
في حرب أفغانستان، فمن ناحية يقتل المدنيون ويصابون في الانفجارات من قبل المعارضة المسلحة، وتستهدفهم القوات الأفغانية والأجنبية. وخلال السنوات الـ 17 الماضية، ارتكبت الأطراف المعنية في الحرب الأفغانية استهداف المدنيين بسبب عدم اهتمامهم بحياة الناس.
في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد الإعلان عن استراتيجية أمريكية جديدة لأفغانستان، ركزت استراتيجية الولايات المتحدة العسكرية على الهجمات الجوية والعمليات الليلية، ولكن من ناحية أخرى، غيرت طالبان أيضًا استراتيجيتها الحربية وبدأت تهاجم المدن بحملات هجومية، وفضلا عن هذه المجموعة، فإن داعش شنت هجمات انتحارية وتفجيرات فتاكة في أماكن مختلفة، مما أدت كل هذه الأمور إلى زيادة الإصابات والخسائر في صفوف المدنيين.
كما تستهدف الأطراف المشتركة لاستهداف أعدائهم عددا من المدنيين، وهذا هو السبب في ارتفاع عدد الضحايا المدنيين. وقد أدت وخامة الوضع الأمني للبلاد إلى أن عامة الناس لا يشعرون بالأمن في المدن ولا في منازلهم في المناطقة النائية؛ فإن الهجمات والانفجارات من قبل المعارضة المسلحة أخذت الطمأنينة من أهل المدينة، كما أخذت العمليات الليلية والهجمات الجوية العمياء من قبل الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية الطمأنينة من أهل القرى النائية، وهذا ما جعلت الحياة صعبة على الشعب الأفغاني.
الضربات الجوية العمياء
بشكل عام، بعد عام 2014م، والتوقيع على الاتفاقية الأمنية بين كابول وواشنطن، على الرغم من أنه تم إبعاد القوات الأجنبية ـ على الظاهر ـ من ساحة المعركة، لكنهم كانوا ينفذون غاراتهم الجوية بين الحين والآخر، وتضاعفت هذه الغارات الجوية بعد إعلان استراتيجية الولايات المتحدة العسكرية الجديدة، وقد استهدفت المدنيين مرات عديدة. وفقا للتقارير، نفذت القوات الأمريكية 2611 غارة جوية في عام 2017م، مع أن هذه الغارات كانت 1071 غارة في عام 2016م، و236 غارة في عام 2015م.
مع أن الغارات الجوية التي تشنها القوات الأمريكية بوحدها ومشتركا مع القوات الأفغانية غير معروف، إلا أنه في السنوات الأخيرة تقوم طالبان بحملات هجومية في ساحة المعركة، فتقوم القوات الأفغانية والأجنبية بغارات جوية لدفعها، وعليه يبدو أن الغارات الجوية تضاعفت في الحرب الأفغانية؛ ومن حيث الضحايا في صفوف المدنيين، في تقرير للأمم المتحدة في الأشهر الستة الأولى من عام 2018م، قتل وأصيب 5122 مدنيا، ونسب التقرير 7 في المائة منها إلى الغارات الجوية للقوات الأجنبية والأفغانية، ما يبلغ عددها 149قتيل، و204 جريح.
الغارات الجوية للقوات الأجنبية التي من شأنها أن تستهدف المعارضة المسلحة، تسبب ضحايا مدنيين وتستهدف المدارس الدينية ومنازل المدنيين. وتواجه هذه الضحايا المدنيين دوما بصمت من قبل المجتمع الدولي وقادة الحكومة الأفغانية، وأحيانا تصدر تصريحات مؤسفة من قبل القوات الأجنبية “وأنها أخطأت الأهداف” وليست لدماء الأبرياء إلا هذه العبارات المؤسفة.
على العموم، ورغم أن القوات الأجنبية هي أهم عامل في الخسائر المدنية في أفغانستان، ويقتل عدد كثير من المدنيين في الغارات الجوية للقوات الأجنبية، لكن بعثة الأمم المتحدة (يوناما) دائما تنسب في تقاريرها السنوية نسبة لا تصدق من الضحايا للقوات الأجنبية، ومن جانب آخر، يصر قادة حكومة الوحدة الوطنية على صمت دائم تجاه ضحايا الغارات الجوية للقوات الأجنبية.
خاتمة
على مدى السنوات الـ 17 الماضية في حرب أفغانستان، استهدفت القوات الأجنبية منازل المدنيين وارتكب قتل النساء والأطفال الأبرياء باسم مكافحة الإرهاب، واعتذر بعبارات مؤسفة وتصريحات “أخطأت الأهداف”، ولكن لم يتم معاقبة المرتكبين ولا مقاضاتهم من أي جهة، وغشاها النسيان دوما.
إن دوام هذه الغارات العمياء من جهة، سيسبب فجوة بين الحكومة والشعب، ومن جانب آخر، بشكل عام، سيثير ردود الفعل الحادة، وكراهية الناس تجاه مرتكبي هذه الغارات، كما يلعب دورا رئيسا في استمرار الحرب في البلاد.
بما أن قتل الأطفال والنساء أو استهداف المدنيين الأبرياء بشكل عام، مخالف لجميع المبادئ الإنسانية والإسلامية، يتعين على الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي اتخاذ خطوات في أقرب وقت ممكن لمنع مثل هذه الغارات العمياء من قبل القوات الأفغانية والأجنبية.
في سياق الأحداث الوحشية الأخيرة، يلزم على حكومة الوحدة الوطنية بدلا من الصمت المخزي أو إنكار هذه الحوادث أن تتخذ إقدامات جريئة لمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم. بالإضافة إلى ذلك، يجب إجراء تحقيقات شاملة في العوامل التي أدت إلى هذا لئلا يتكرر مثل هذه الهجمات الوحشية في المستقبل. وإلا ليست لمواقف الحكومة الحالية إلا تعزيز صفوف المعارضة المسلحة. وعلى العموم، يتطلب الأمر تركيز الحكومة الأفغانية بشكل واقعي على مفاوضات السلام، وإنهاء الصراع الدموي الحالي، ومنع هلاك عشرات من الأفغان يوميا، بدلا من تكثيف الحرب وقتل المدنيين.
انتهى