في السنوات الأخيرة، شهدت الساحة السياسية في أفغانستان موجهات ومعارضات بين الحكومة وعدد من الأحزاب السياسية والسياسيين. وفي هذه السلسلة، أعلنت في الأسبوع الماضي (26 يوليو 2018م) أحزاب سياسية عدة وحركات سياسية في مؤتمر صحفي عن تحالف جديد باسم “التحالف الوطني الكبير لأفغانستان”.
وفي حفل إعلان وجود هذا التحالف، اتهم عطاء محمد نور الرئيس التنفيذي للجمعية الإسلامية، حكومة الوحدة الوطنية بالعشوائية وضعف الإدارة وقال: “قمع الشخصيات المعروفة، وتحرير المجرمين باسم عملية السلام، ينجر البلاد إلى حافة الانهيار ويضع القانون موضع تساؤل”.
وإن كان رئاسة الجمهورية قد رحبت في بيانها الرسمي بإعلان هذا التحالف، وأعربت عن لقاء الرئيس الأفغاني مع أعضاء التحالف والبحث حول القضايا الوطنية في مستقبل قريب، إلا أنها أكدت ضرورة الصبر، وسعة النظر والمراقبة الإيجابية لتطوير الوعي السياسي، والتنمية السياسية.
المعارضة والتحالفات ضد الحكومة، ودواعي تنظيم هذه التحالفات السياسية ضد الحكومة في أفغانستان وإنشاء “التحالف الوطني الكبير لأفغانستان”، موضوعات يبحث التحليل عنها في هذا العدد.
المعارضة والتحالفات ضد الحكومة
المعارضة لغة هي المخالفة والمواجهة، وتعني كمصطلح جديد، جهود الأحزاب والجهات السياسية لنيل الأهداف التي تخالف أهداف القوى السياسية في الحكومة.
المعارضة وتشكيل التحالفات السياسية أصل من أصول نظام الحكم في المجتمعات الديموقراطية والحرة. وتقوم هذه المعارضات بمراقبة ونقد مواقف وسياسات الحكومة بغية تحسينها. فضلا عن الأصل الديموقراطي الغربي، فإن الإسلام يعتبر مراقبة أعمال الحكومة ونقدها أفضل جهاد، كما أنها إحدى مهام الفرد الأخلاقية. وعليه، ما عدا الحكومات الاستبدادية والأنانية، فكل المجتماعات رحبت بالمعارضة لتقوم بمراقبة أعمال الحكومة ونقدها.
البلدان التي نظام الحكم لديها برلماني، وفقا للدستور، يكون وجود المعارضة مقبولا ورسميا في تلك البلدان، وفي مثل هذه البلدان يتم تشكيل فريق من النواب لا يدعمون الحكومة، ولكنهم ملتزمون بالدستور الذي يحكم البلاد، ويكون الدستور محور إجماعهم الوطني. ووفقا للشروط التي في الدستور، المعارضة تقوم بمراقبة محادثات المجلس التشريعي وتقيم أعمال الحكومة، كما تضع الرأي العام في سياق أحداث ووقائع البلاد والعالم.
التحالفات السياسية في أفغانستان
في العالم الثالث أو المتخلف، يطلق المعارضة على الحزب أو المجموعة التي تريد إزالة الحكومة من مجتمع ما، وتنزع الحكم من أيدي القوى الحاكمة، وقد يدعمها الجهات الدولية التي تحكم العالم وتؤيدها سرا أو علنا، سياسيا وإعلاميا وماليا.
خلال عقد ونصف العقد الماضي، شهدت أفغانستان العديد من التحالفات السياسية والمعارضة السياسية التي كانت غالبا تعلن مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية. وكانت تنتقد أعمال الحكومة وتخالفها في بعض السياسات والمواقف.
على الرغم من أنه بعد عام 2001 وإنشاء نظام جديد في أفغانستان، كان من المأمول أن القادة والنخبة السياسيين الأفغان، مع مئات الأخطاء والزلات، سيصلون إلى مرحلة النضج والنمو السياسي، ويمكن أن يروا مصالحهم إلى جانب الآخرين، وفي شكل تحالفات سياسية، لكن هذه التحالفات في كل مرة انهارت بعد مدة قصيرة أو عقب الجولة الانتخابية، وترك بعض أعضائها التحالف بعد الحصول على مقاعد في الحكومة.
اتخذ السياسيون خلال فترة حكومة الوحدة الوطنية مثل هذه الخطوات، منها: “تحالف الأمن والاستقرار الأفغاني”، و”تحالف الإنقاذ الأفغاني”، و تشكيل ائتلاف جديد يسمى “التحالف الوطني الكبير لأفغانستان” وبعض التحالفات الصغيرة الأخرى.
بشكل عام، التحالفات السياسية التي تم إعلانها ضد الحكومة في أفغانستان على مدار العقد ونصف العقد الماضي، كانت تحاول لتغيير النظام ونقد سياسات الحكومة دون أية رقابة جادة ومستمرة على الحكومة، ودون مراعاة المصلحة العامة في البلاد وخطة عملية بديلة.
التحالف الوطني الكبير لأفغانستان
النائب الأول للرئيس الأفغاني عبد الرشيد دوستم، ووزير الخارجية صلاح الدين رباني، والحاكم السابق لبلخ عطاء محمد نور، والنائب الثاني للرئيس التنفيذي محمد محقق، وبعض الشخصيات السياسية البارزة في البلاد، وعدد من النواب البرلمانيين، هم من أعضاء بارزين في هذا “الائتلاف الوطني الكبير لأفغانستان”.
وأعرب أعضاء التحالف في مؤتمر إعلان وجودهم، عن نقدهم الشديد حول أعمال حكومة الوحدة الوطنية. وقال عطاء محمد نور، أحد أعضاء هذا التحالف: “إن أوضاع البلاد مثيرة للقلق؛ الانفصال العرقي، ومحاولات إزاحة الآخرين عن المشهد السياسي، والاستبداد جعلت أفغانستان أقرب الى حافة الانهيار.”
ومن جهة أخرى، دعا عضو آخر في التحالف، محمد محقق، الحكومة إلى قبول الخطة الانتخابية للأحزاب السياسية – التي يقترح فيها تغيير نظام الاقتراعات غير القابلة للتحويل إلى تصويت وحدة قابل للتحويل – وحذر إن لم يوافق عليها بدء الحركات المدنية المخالفة لسياسات الحكومة.
بشكل عام، ونظرا إلى كيفية تشكيل هذا التحالف، ومشاركة الأفراد المنتمين إلى أحزاب مختلفة، وإنشاء التحالفات المؤقتة في السابق، يبدو أن هذا التحالف، مثل الائتلافات الماضية، لا يمكنها الحفاظ على الوحدة والتنسيق بين أعضائها، وستكون له حياة قصيرة.
وأما بالنسبة قصر حياته يمكن إيراد أربع نقاط جديرة بالذكر:
أولاً: لم تحقق الأحزاب السياسية والحركات السياسية النشطة حاليا في مجال السياسة الأفغانية نجاحا كبيرا على مدى السنوات السبعة عشر الماضية، لا في تعزيز تماسكها الداخلي، ولا كحزب سياسي مراعيا أصول الحزب السياسية في التعاملات السياسية والقضايا الوطنية. على سبيل المثال؛ وقف محمد محقق في الانتخابات الرئاسية عام 2014م وهو من حزب الوحدة الإسلامية مع الدكتور عبد الله عبد الله من الجمعية الإسلامية، ولكن إسماعيل خان وهو من الجمعية الإسلامية وقف مع عبدالرب رسول سياف من حزب الدعوة الإسلامية. إذن، كيف يمكن لحزب أن يلتزم بتحالف متعدد الأحزاب، وهو لا يملك القدرة على التحالف الداخلي بين أعضائه؟
ثانيًا: وجود مسئولي الدولة في هذا التحالف. يجتمع عادة في المعارضة الأشخاص أو السياسيون الذين ليس لهم منصب حكومي، وإن كان لأحد المعارضين منصب حكومي فينبغي أن يستقيل من منصبه، ثم يعارض أو ينضم إلى فريق المعارضة؛ ولكن الأمر يختلف في أفغانستان حيث تعلن المعارضة وأعضاؤها من مسؤولي الحكومة، فإذا تحسنت العلاقة بين أحدهم والحكومة على أساس ما، سيترك التحالف في نفس اليوم، وينضم مرة أخرى إلى النظام دون مراعاة اعتراضاته السابقة.
ثالثاً: كما في التحالفات السابقة، هناك أشخاص في هذا التحالف وبعد أن فقدوا مقاعدهم في الحكومة، راحوا في معارضة الحكومة وظهروا على المسرح بمظهر جديد للغطرسة. هؤلاء ينضمون إلى التحالف إلى أن يستعيدوا مقاعدهم أو مناصب أخرى في الحكومة، ثم لا يترددون في تركها أبدا.
رابعاً: وقد يحاول أناس أن يحتلوا مكانا في هذه التحالفات، وهم من مجموعات المافيا الذين يرون أعمالهم ومستقبلهم في خطر. ويود هؤلاء باستخدام هذه الطريقة الضغط على الحكومة لتقليل الضغط الحكومي عليهم. هؤلاء أيضا يبقون في التحالف لتلبية مطالبهم فلما رأوا إشارة خضراء يتم مغادرة التحالف دون مكث.
ومع ذلك، ونظرا إلى وضع التحالفات السياسية في السنوات الماضية، في كل مرة يتم الإعلان عن هذه التحالفات مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، ويبدو أنه ليس وراء إنشاء تحالفات سياسية في أفغانستان في معظم الحالات إلا مطامع شخصية لبعض الساسيين وحصول مناصب حكومية والنيل إلى مقاعد الحكم، فليس الكفاح من أجل المصالح الوطنية ولا ترسيخ القانون وإصلاح النظام في البلد. انتهى