في الأسبوع الماضي (22 يوليو)، عاد النائب الأول للرئيس الأفغاني الجنرال عبد الرشيد دوستم من تركيا بعد 14 شهرا من النفي. وإن كانت الحكومة الأفغانية تعتبر إقامته في هذه الفترة في تركيا لأجل العلاج؛ فإن تقسيم السلطة بين دوستم والحكومة قبل عام ونصف، كان سببا في نشوب الخلاف، وقد اتهم دوستم حكومة الوحدة الوطنية بالنزعة القومية وانحصار سلطة الحكم. وفي سلسلة هذه الخلافات، اتهم الجنرال دوستم في قضية الاعتداء الجنسي على ايشجي الحاكم السابق لجوزجان، وكان سببا لمغادرة البلاد والذهاب إلى تركيا.
خلال الأشهر الـ 14 الماضية، واصل الجنرال دوستم معارضته للرئيس الأفغاني، وقام بمساعدة الأحزاب السياسية الأخرى في تركيا ائتلافا جديدا “ائتلاف نجاة أفغانستان”، وقام ضد الحكومة الأفغانية كجناح معارض. وفي هذه السلسلة، نشرت تقارير في الشهور الماضية بأن الجنرال دوستم اتجه نحو مقاطعة “بلخ” إلا أنه لم يتم السماح له بدخول المطار في بلخ، ومن ثم اتجه نحو “تركمنستان” ثم إلى تركيا.
ما هو الدور الذي يلعبه الجنرال دوستم في المجال السياسي للحكومة الأفغانية؟ صداقة دوستم وخلافه مع الرئيس الأفغاني، وما هي تداعيات عودة الجنرال دوستم إلى كابول؟ موضوعات يتم البحث عنها في هذا العدد.
النائب الأول للرئيس
الشخص الأدنى في المستوى التعليمي، من عامل إلى جنرال رفيع المستوى، على مدار عدة عقود في أفغانستان كان في دائرة اهتمام السياسيون وقادة الأحزاب السياسية والحكومات، وكل حاول انحيازه.
وكان د. نجيب أول سياسي حاول انحيازه إليه، وأعطاه منصب الجنرال وألقى على عاتقه قيادة مجموعة مليشيات في إقليم شمال أفغانستان؛ وكانت هذه مليشيات اشتهر بالظلم والنهب وإعمال العنف حتى اتسمت بـ”گلیم جم”، وقد أعقبت هذه المليشيات ذكريات مرة في الشعب الأفغاني ومهدت الطريق إلى نزاعات عرقية في أفغانستان.
وعقب انهيار نظام طالبان، وتشكيل النظام الجديد، ظهر الجنرال دوستم مرة أخرى كشخصية بارزة في حكومة الرئيس السابق كرزاي وارتقت إلى منصب “ستر جنرال”. وأصبح النائب الأول للرئيس في حكومة الوحدة الوطنية، وحسب الدستور الأفغاني يتولى رئاسة الأمور في حالة غياب الرئيس الأفغاني.
وعلى مدى العقود العديدة الماضية، كان دائما في مناصب عالية، وكان ولا زال محل عناية النظام وقادة الحكومة. وكان كل هذا لأنه كان مؤسس “النهضة الشعبية الإسلامية لأفغانستان”، ويؤيده قاطبة الفروع التركمانية في أفغانستان، كما استطاع في جذب دعم القومية التركمانية في الإقليم. وعليه، حاولت الحكومات دائما على انحيازه منذ د. نجيب إلى الرئيس الحالي أشرف غني.
خلافات دوستم مع الرئيس أشرف غني
انتخب أشرف غني، الجنرال دوستم نائبه الأول في الانتخابات الرئاسية لعام 2014.م. وقد لعب دوستم دورا مهما للغاية في نجاح الرئيس أشرف غني.
ووفقاً للقانون، فإن مهمة النائب الأول للرئيس هي مهمة مدنية، لكنه منذ تولي هذا المنصب، خلافا لمهمته المدنية شارك في الحرب ضد المعارضة المسلحة في إقليم شمال أفغانستان، وقاد الحرب بنفسه.
انشغال الجنرال دوستم بالحرب أبعده عن قرارات سياسية في الحكومة، ويشكل تقسيم السلطة بين الأطراف المعنية في حكومة الوحدة الوطنية أهم سبب في نشوب الخلافات بين الطرفين، ويبدو أن هذا هو الذي سبب في بدء الخلافات بين الرئيس غني والجنرال دوستم أيضا.
ألقى الجنرال دوستم النائب الأول خطابه في 25 أكتوبر عام 2016، في مؤتمر صحفي واتهم الرئيس الأفغاني والرئيس التنفيذي بالنزعة القومية واحتكار السلطة، وأضاف: “تم توظيف شخص في وزارة الدفاع لا يستطيع الخطو في الطريق، وهو مشهور باسم طالبان، ولا يعرف ممن يأخذ الأوامر، ولم يحصل القبول من البارلمان، ويلقى مسئولية اغتيال برهان الدين الرباني على عاتقه، ولا أعرف على أية ثقة ورغبة تم توظيفه على هذا المنصب المهم؟”
وبعد هذه الخلافات، اتهم أحمد ايشجي، الذي كان الحكام السابق لجوزجان والنائب السابق في حزب “النهضة الشعبية”، النائب الأول للرئيس الجنرال الدوستم، حيث قام بوضعه في السجن الشخصي لخمسة أيام وفضلا عن التعذيب والضرب، قام هو وحراسه بالاعتداء الجنسي عليه وأخذ لقطات فيديوئية.
نشرت تصريحات أحمد ايشجي على نطاق واسع في وسائل الإعلام المحلية والدولية والتي أثارت انتقاداتها. وأصدر القصر الرئاسي بيانا وتعهد بأنه يتابع الموضوع عبر المؤسسات القضائية والعدلية للبلد.
ولأجل هذا الملف، سافر الجنرال دوستم إلى تركيا، وأظهر أنه غادر البلاد لأجل العلاج. ومع تصاعد الخلافات السياسية في البلاد، أعلن عن ائتلاف سياسي جديد من تركيا باسم “ائتلاف إنقاذ أفغانستان” مع أحزاب: الجمعية الإسلامية والوحدة الإسلامية.
عودة الجنرال دوستم إلى البلاد
وبعد اتهام الاعتداء على الحاكم السابق لجوزجان أحمد ايشجي، وازدياد الخلافات مع الرئيس الأفغاني، غادر الجنرال دوستم البلد إلى تركيا، وبعد 14 شهرا لا زال ملفه في هذا الموضوع مفتوح في مؤسسات عدلية وقضائية.
نشرت تقارير عن عودة الجنرال دوستم في (سرطان) عام 1396هـ. ش، ولكن لم يتم السماح له بدخول المطار في ولاية بلخ؛ ولكنه عاد في الأسبوع الماضي إلى البلاد في حالة، استقبله مجموعة رفيع المستوى من الحكومة الأفغانية وتم الاحتفال بعودته في عرض حي على التلفزيون الوطني.
والسؤال هنا: كيف عاد الجنرال دوستم بعد 14 شهرا من النفي غير الرسمي إلى البلاد مع هذا الاحتفال الحار من قبل الحكومة؟
فيما يلي عدة نقاط في هذا الموضوع:
أولاً: بعد القبض على نظام الدين قيصاري الممثل الخاص للجنرال دوستم في فارياب، ظهر آلاف من الناس في الشوارع في جميع مقاطعات الشمال، وأغلقوا الشوارع، وبنادر تجارية والإدارات الحكومية. وكانت مطالبهم الرئيسية هي عودة الجنرال دوستم إلى البلاد وإطلاق سراح نظام الدين قيصاري. وإن كانت الحكومة الأفغانية حاولت السيطرة على التجمعات في البداية، وقتلوا عدة أشخاص في هذه المظاهرات، إلا أن المظاهرات اشتدت واستمرت لمدة عشرين يوما. وفي غضون ذلك، اضطرت الحكومة الأفغانية من أجل إنهاء هذه الحالة، للتعامل مع دوستم وإعادته إلى البلاد.
ثانياً: في الانتخابات البرلمانية الحالية، كان من المهم أن يتم استقرار الأمن وإجراء الانتخابات في الولايات الشمالية، وعليه قامت الحكومة بتحسين علاقتها مع دوستم، ومن ناحية أخرى، أرادت الحكومة الأفغانية بتحسين علاقتها مع دوستم تضعف “ائتلاف إنقاذ أفغانستان” لئلا يعرقل طريق الانتخابات الراهنة.
ثالثًا: وبما أن دوستم كان ركيزة مهمة للرئيس غني في الانتخابات الرئاسية السابقة، وحصل على الكثير من الأصوات، سيحاول الرئيس غني في هذه الانتخابات ليكون دوستم معه ويكسر خصومه السياسيين مرة أخرى؛ ولكنه لم يتضح بعد بأن الجنرال دوستم سيبقى مع الرئيس غني أم لا؟ لأنه بعد رجوعه إلى البلاد وفي اليوم الثاني من عودته أعلن عن “الائتلاف الوطني الكبير” بانضمامه مع عدد من المسؤولين والأحزاب الحكومية السابقة والحالية.
وبعد كل هذا، عودة الجنرال دوستم إلى البلد، تعتبر خيبة أمل لكل هؤلاء الذين كان لهم جهود في مكافحة الأقوياء وسماسرة السلطة، لأن الجنرال دوستم أعرب في تصريح صحفي: “يتحدث مع الرئيس غني حول قضية نظام الدين قيصاري وإطلاق سراحه، وإن لم يقبل الرئيس فسوف يعود إلى تركيا مرة أخرى”. وحسب هذا التصريح، يبدو أن نظام الدين قيصاري سيطلق سراحه وسيبقى آمال الشعب آمالا لا أرضية لتعميلها.
ومن جهة أخرى، قال أحمد ايشجي في مقابلة مع “بي بي سي” سيتم حل القضية المتعلقة به عن طريق المجلس الشعبي (جيرغا)، القضية التي تم نفي النائب الرئيس لمدة 14 شهرا نفيا غير رسمي من البلاد، وكانت مؤسسات عدلية وقضائية مشغولة بالبحث فيها، فيبدو أن هذه القضية سيتم حلها عن طريق المجلس الشعبي، وهذا يعتبر إغماضا عن المؤسسات العدلية والقضائية في البلد، وسيقلل من شأنها في أعين الناس وستنعدم ثقة الشعب في هذه المؤسسات.
انتهى