تحسين وضع التعليم في سبعة عشر عاما الماضية كان أحد الشعارات المهمة لحكومة أفغانستان والمجتمع الدولي، ولكن مع مرور هذه المدة الطويلة وإنفاق المليارات من الدولارات ومع التقدم الكبير في مجال التعليم؛ إلا أن هناك مشكلات وتحديات كثيرة تهدد هذا المجال الحيوي، وهناك الملايين من الأطفال الأفغان محرومون من الذهاب إلى المدرسة.
وفقا لدراسة جديدة أجرتها اليونيسيف ووزارة التربية والتعليم في أفغانستان، فإن 44 في المائة (3.7 مليون) من الأطفال المؤهلين للذهاب إلى المدرسة في أفغانستان محرومون من الذهاب إليها. عدم الاستقرار، وعدم توفر التسهيلات اللازمة، وتغيير محل الإقامة، والزواج المبكر من العوامل المتعلقة المذكورة التي سببت هذا الوضع.[1]
قطاع التعليم أحد أهم الجوانب في حياة الإنسان، وله دور مهم في عملية تقدم المجتمعات البشرية. في الوقت الحالي؛ بالإضافة إلى تهديد هذا المجال الحيوي لعدم استقرار الأمن، وانخفاض مستوى الكيفية، والفساد الإداري في المؤسسات التعليمية ومشكلات أخرى؛ فإن سيطرة طالبان والحكومة على المدارس والإدارات التعليمية في المناطق التي تسيطر عليها طالبان هي مشكلة أخرى تواجهها قطاع التعليم في البلاد.
التربية والتعليم في أفغانستان، وكيفية تعامل حكومة الوحدة الوطنية معها، والمشكلات الموجودة في هذا المجال، من الأمور التي يتم البحث حولها في هذا التحليل.
التعليم في أفغانستان
بنيت أول مدرسة على الطريقة الحديثة قبل حوالي 115 سنة من الآن (عام 1282 هـ ش) إبان حكم الأمير حبيب الله خان، وكان أساتذتها وإدارويها من الهند، وشهدت التعليم في ذلك الوقت خطوات أساسية على طريق التقدم، ولكن الاهتمام الأكبر به بذل أيام الأمير أمان الله خان، انتشرت المدارس وتوسعت في كابل ومحافظات أخرى، تأسست وزارة المعارف، وتأسست ندوة في كابل لتأليف وترجمة الكتب المدرسية وتقييم وضع المدارس والطلاب.
مع أن هذه السلسلة كانت في تصاعد منذ البداية وإلى الانقلاب الدموي الشيوعي في 7 من ثور 1357هـ ش، ولكن بعد الهجوم الأمريكي لأفغانستان عام 1380هـ ش ونتيجة للتحولات السياسية والاجتماعية والحروب والنزاعات في البلاد؛ فإن هذا المجال أيضا واجه مشكلات وأصيب بأضرار.
بعد سقوط نظام طالبان وتشكيل النظام الجديد، تغير وضع المعارف وانقلبت صفحة جديدة في هذا المجال. تأسست آلاف من المدارس على مستوى البلاد وبدأ مئات الآلاف من الطلاب بالدراسة فيها. كما أن هناك 3389 مدرسة كانت مفتوحة أمام الطلاب عام 1380هـ ش، أما الآن وصل هذا العدد وفقا لمعلومات وزارة المعارف/التعليم إلى 17400 مدرسة ويدرس فيها قرابة 9 ملايين طالب.
مع كل ذلك؛ هناك مشكلات وتحديات يواجهها التعليم الأفغاني. انخفاض مستوى كيفية التعليم، وعدم استقرار الأمن، والفساد الإداي، وفقدان الوسائل الدراسية اللازمة، وقلة عدد المعلمين المتخصصين؛ هي مشكلات يواجهها قطاع التعليم في أفغانستان.
تفاعل حكومة الوحدة الوطنية مع التعليم
التحسين في وضع التعليم كان أحد أبرز الشعارات للرئيس أشرف غني أيام دعاياته الانتخابية، وتعهد مرة أخرى في بدء عمله بعد وصوله إلى كرسي الرئاسة على تطبيق شعاراته في احتفاء بيوم المعلم في (23 ميزان 1393هـ ش).
تعهد الرئيس على بذل جهوده لرفع المستوى العلمي للمعلمين، وعلى أن يتم الاستثمار الأكثر على المعلمين لرفع مستوى التعليم والتربية، حتى المتخرجين في الابتدائية والمتوسطة والثانوية يتمكنوا من الحصول على أعمال مناسبة أيضا. ووعد أيضا بكسر الحاجز بين المدارس الدينية والمدارس الحكومية والاهتمام بالتعليم الديني. وفقا لتعهدات الرئيس؛ بعد ستة أشهر من وصوله إلى الرئاسة ستوزع على جميع المعلمين قطعة أرض لبناء بيوت لهم في محافظاتهم، وقال في خطاب للمعلمين: «ستزداد رواتبكم بقدرما تكافحون الفساد وبقدرما تزداد مكاسب الدولة من هذه الناحية».[2]
مع أن هذه الوعود في بداية حكومة الوحدة الوطنية أحدث أملا لتحسين وضع التعليم في البلاد؛ ولكن بعد مرور أكثر من عام على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية اعتذر الرئيس غني إلى المعلمين عن عدم وفائه بتعهداته، وفي حفلة في بداية العام الدراسي 1395هـ ش تعهد على أن تكون المعارف على رأس أولويات حكومته.[3]
وأضاف الرئيس غني على تعهداته السابقة عام 1397 هـ ش أمورا أخرى وقال: خلال سنتين مقبلتين ستبني مباني جديدة لـ 6000 مدرسة، سيتم وصل المدارس في المحافظات والعاصمة بالإنترنت، كما أكد على تنفيذ وعوده برفع رواتب المعلمين إلى 27 من شهر أسد من هذا العام.[4]
مضت شهور من تعهدات الرئيس الأخيرة، ولكن المعارف في وضعها السابق وليس هناك أي مؤشر لتنفيذ وعود أشرف غني. التقرير الأخير المشترك لليونيسيف ووزارة المعارف الأفغانية خير شاهد على الوضع السيء للمعارف في البلاد.
الحقائق المرة من التعليم الأفغاني
- سلطة طالبان على قطاع التعليم؛ مع أن طالبان قد سمحوا في المناطق التي يسيطرون عليها لعمل المؤسسات التعليمية سوى مدارس البنات؛ إلا أنهم يراقبون عملية التعليم والتربية في تلك المناطق. طالبان لديهم لجنة خاصة لمراقبة المدارس ويراقبون عبرها عملية التعليم والتربية، وأدخلوا تعديلات في المناهج الدراسية للدولة ضمن رقابتهم على العملية التعليمية.
حصل مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية على معلومات تظهر أن طالبان يراقبون المدارس ويديرونها في المناطق التي يسيطرون عليها في بعض المحافظات نحو (ميدان وردك، ولوجر، وغزني، وكندز، وننجرهار، وكنر، وهلمند وغيرها)، وتصطدم قراراتهم مع قرارات الحكومة في بعض الأحيان، وهذا ما يجعل كثيرا من المدارس تواجه تهديدا بإغلاق أبوابها. على سبيل المثال: قبل فترة وبعد أن أصبح نظام استلام الرواتب بنكيا؛ منع طالبان المعلمين من استلام رواتبهم عن طريق البنك في المناطق التي يسيطرون عليها، وكان المعلمون لم يستلموا رواتبهم حوالي ستة أشهر.
وفقا للمعلومات التي وصلت إلى مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية فإن طالبان يراقبون في هذه المناطق سير التعليم، والحضور، والمناهج الدراسية بشكل منظم ومستمر. كما أضافت طالبان بعض المواد الدراسية في فصول مختلفة من المدارس، مثل: «الخير الكثير للمجاهد والأسير، وأذكار الصباح والمساء، والأدعية، والطريقة السهلة للصلاة باللغة الفارسية، وتعليم الإسلام، وتيسير المنطق».
- تأثر التعليم بالدعايات الانتخابية؛ مثل الانتخابات في الفترات الماضية، مع بدء عملية تسجيل أسماء الناخبين هذا العام تتم فعاليات معظم المراكز الانتخابية في المدارس. هذا الأمر أقلق أولياء أمور الطلاب على أمن أطفالهم من جهة، لأن في الوقت الحالي استهداف هذه المراكز أحد أهم الأهداف العسكرية للمعارضة المسلحة، ومن جهة أخرى لعدم وجود الشفافية في عملية تسجيل الأسماء و وجود الفساد؛ فإن في بعض المدارس معلمو ومديرو المدارس مشغولون بجمع بطاقات الهوية للطلاب وبيعها للمرشحين في الانتخابات البرلمانية.
مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية حصل على معلومات تبين أن المعلمين والمديرين في بعض المدارس يجمعون بطاقات الهوية لطلاب الصف الثالث الثانوي تحت ذريعة إصدار الشهادات ويسلمونها للمرشحين في الانتخابات مقابل الأموال، وهذا الوضع أخل بالعملية التعليمية في المدارس.
- التهديدات الأمنية التي يواجهها التعليم؛ الحرب وسوء الأوضاع الأمنية هي التحدي الآخر الذي تواجهه التعليم في أفغانستان. حركة طالبان تراقب عملية التربية والتعليم في المناطق التي تسيطر علىها وفق إرادتها، ويطبقون منهجهم التعليمي في تلك المناطق؛ كما أن هناك مناطق في أفغانستان أبواب المدارس فيها مغلقة بسبب الحروب أو أغلقت من قبل الجماعات المسلحة المعارضة للدولة ولا يسمحون لأحد بالذهاب إلى المدرسة. في هذه الحالة أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في بيان أنه سيستهدف المدارس في محافظة ننجرهار، ويجب أن يمنع الأهالي أبناءهم من الذهاب إلى المدارس.[5]
- انخفاض المستوى وضعف الإدارة؛ مع أن هناك تقدم ملحوظ لقطاع التعليم في أفغانستان في أكثر من عقد ونصف العقد الماضي من ناحية الكم؛ إلا أن المستوى والكيفية النازلة للتعليم تعد أحد أهم التحديات التي يواجهها. وفقا لإحصائيات وزارة المعارف فإن من (170000) معلم 27 في المائة منهم فقط تتوفر فيهم شروط المعلم المتخصص الذين تخرجوا في كليات المعلمين، وأثر هذا الوضع بجانب العوامل الأخرى تأثيرا مباشرا على كيفية ومستوى التعليم في البلاد.[6]
من جهة أخرى؛ انخفاض مستوى القدرة التنفيذية في قطاع التعليم في العاصمة والمحافظات، وقلة المتخصصين والمهنيين، وتعيين معلمين غير متخصصين بسبب الفساد الإداري الموجود في قطاع التعليم؛ هي أمور سببت الضعف في الإدارة والرقابة.
النهاية
[1] لمزيد من المعلومات: http://moe.gov.af/fa/news/73880
[2] راجع إلى الرابط التالي: http://tkg.af/%D9%88%D8%B9%D8%AF%D9%87%E2%80%8E%D9%87%D8%A7%DB%8C%DB%8C-%DA%A9%D9%87-%D8%B9%D9%85%D9%84%DB%8C-%D9%86%D8%B4%D8%AF/
[3] لمزيد من المعلومات، راجع الرابط أدناه:
http://www.bbc.com/persian/afghanistan/2016/03/160322_k04_first_school_day_president_admits_failure
[4] راجع: https://president.gov.af/fa/News/90142018
[5] لمزيد من المعلومات، راجع الرابط التالي: https://da.azadiradio.com/a/29269899.html
[6] وزارة التعليم الأفغانية، التحديات الرئيسية: http://moe.gov.af/fa/page/2020