حكمت الله زلاند / مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية
بالنظر إلی إحصائیات المؤسسات الدولیة، فإن الحرب في أفغانستان أصبحت أکثر شديدة ودمویة سنويا منذ عام ۲۰۰۱م. بعد عام ۲۰۱٤م وتشکیل حکومة الوحدة الوطنیة في أفغانستان؛ قتل وجرح في هذه الحرب أکثر من عشرة آلاف مدني کل سنة.
جمیع المناطق تقریبا تشهد العنف وحوادث أمنیة دمویة کل یوم. واستمرارا لهذا الوضع؛ شهدت منطقة استراتیجیة في مدینة کابل الأسبوع الماضي حادثا أمنیا دمویا قتل جراءه ثلاثون شخصا بینهم تسعة إعلامیین وجرح خمسون آخرون.
نظرا لنوعیة هذه الهجمات وتعقیدات الحرب المستمرة في البلاد؛ یستحکم الیأس في البلاد یوما بعد یوم، ویبدو أن الوضع الأمني سيصبح أکثر دمویة في العام الحالي.
في هذا التحلیل، سنتحدث عن التحدیات الأمنیة التي یواجهها أفغانستان، والعوامل المؤثرة في سوء الأوضاع الأمنیة في البلاد؛ بالنظر إلی الوضع الدموي الحالي وجهود عملیة السلام الفاشلة.
نظرة إلی الوضع الدموي الحالي
الوضع الأمني الحالي في البلاد متحول لدرحة أن وفقا لإحصائیات مکتب الأمم المتحدة للتنسیق والشؤون الإنسانیة (OCHA)؛ خلال أربعة أشهر الماضیة من بدایة عام ۲۰۱۸م إلی نهایة شهر أبریل ترک أکثر من ۷٥ ألفا مناطقهم داخل أفغانستان بسبب الحرب والوضع الأمني السيء.[1]
کما کان یتوقع؛ ثبت أن عام ۲۰۱۸ أکثر دمویة للأفغان من الأعوام الماضیة. وفقا لتقریر (یوناما) قتل وجرح ۲۲٥۸ مدنیا إثر مواجهات مسلحة في الربع الأول من هذا العام، هذه نسبة کبیرة بالنسبة للأعوام الماضیة، وهذا العدد کان یصل في فترة مشابهة من عام ۲۰۱۷ إلی ۲۱۸۱ شخصا وعام ۲۰۱٦ إلی ۱۹٤۳ شخصا.[2]
هذه الأرقام لاتشمل خسائر الشهر الدامي الأخیر، في حین ومع بدایة السنة الشمسیة الجدیدة وبدایة هجمات طالبان الربيعية؛ ازدادت الهجمات والحروب في مختلف مناطق البلاد، وبالإضافة إلی ازدیاد الخسائر في صفوف حرکة طالبان والقوات الأفغانیة؛ ارتفع عدد القتلی والجرحی بین المدنیین الأفغان أیضا. أکثر الهجمات دمویة والتي حدثت في هذا الشهر وأوقع خسائر فادحة بین المدنیین؛ کان الهجوم الجوي علی منطقة دشت أرتشي في محافظة کندز، والتفجیر في غرب کابل، وهذان الحادثان فقط أوقعا قرابة ٤۰۰ بین قتیل وجریح.
من جهة أخری، ازداد دور القوات الأمریکیة مرة أخری في میادین القتال في أفغانستان أیضا، سیما ازدادت الهجمات الجویة لهذه القوات في الربع الأول من سنة ۲۰۱۸ بالنسبة لأي وقت آخر منذ سنة ۲۰۰۱. وفقا لتقریر وزارة الدفاع الأمریکیة؛ ألقت القوات الأمریکیة في الربع الأول من السنة المیلادیة الحالیة ۱۱۸٦ قنبلة علی تراب أفغانستان.[3] ولذلك، فإن عدد الضحایا من المدنیین ارتفع بسبب الهجمات الجویة للقوات الأجنبیة. في حین یعتقد الخبراء الغربیون أن تکثیف الهجمات الجویة لایساعد للحد من العنف في هذا البلد.
مجموعة الأزمات الدولیة، في بدایة عام ۲۰۱۸ مع إبداء قلقها من اتجاه الوضع الأمني في أفغانستان إلی الأسوء في هذا العام؛ انتقدت استراتیجیة الحرب الأمریکیة في هذا البلد وقالت إن ازدیاد القوات الأمریکیة والضغوط العسکریة یجعل الوضع في أفغانستان یسوء أکثر، لأن أمریکا ومع وجود أکثر من مائة ألف جندي لها لم تقدر علی هزیمة حرکة طالبان في میادین القتال في الأعوام من ۲۰۰۹ إلی ۲۰۱۲، في حین أن الحرکة أصبحت أقوی من أي وقت آخر وبسطت سیطرتها علی مناطق أکثر من البلاد.[4]
التحدیات القادمة
إلی بضع سنوات ماضیة، کان هناك إجماع إلی حد ما حول أفغانستان بین دول المنطقة والعالم، إلا أن بعد ظهور جناح خراسان لتنظیم «الدولة الإسلامیة» في أفغانستان وتشدید أمریکا علی حضورها العسکري في المنطقة؛ انتهی هذا الإجماع وأصبحت دول المنطقة تشك في نوایا وأهداف أمریکا في هذه المنطقة. لذلك؛ فإن الحرب تتعقد حالیا في أفغانستان یوما بعد یوم، وهذا البلد یواجه مرة أخری تهدیدات بالتحول إلی میادین القتال للحرب بالنيابة. الجدال الأخیر بین الأطراف الأمریکیة والروسیة تدل علی أن هناك «حربا باردة» بدأت من جدید بین القوی العظمی في المنطقة.
أحد التحدیات الآخر الذي یواجهه الوضع الأمني في البلاد هو تعزيز أنشطة الجماعات التي تنشط في البلاد مع أجندة خارج الحدود الأفغانية والتي ليست في إطار عملیة السلام أيضا. في الأشهر الماضیة أعلن تنظیم “الدولة الإسلامیة” مسؤولیتها عن بضع هجمات دمویة، وهذا یدل علی قوة فعالیة هذا التنظیم في أفغانستان من جهة، ومن جهة أخری استهداف التجمعات المدنیة في هذه الهجمات تدل علی أن التنظیم سیستمر في هجماته بأسالیب دمویة.
تعقد الوضع الأمني هذا في وقت إن إجراء الانتخابات البرلمانیة في العام الحالي (۱۳۹۷ش) أحد التحدیات الأمنیة الکبیرة کذلك، وهذا لا یسبب خسائر في الأرواح للمدنیین نتیجة لهجمات المعارضة المسلحة أثناء الانتخابات فحسب؛ بل الهجمات الجویة التي یتحدث المسؤولون الأفغان عن تکثیفها أثناء الانتخابات هو التحدي الآخر الذي سیواجهه الشعب الأفغاني. قتل وجرح المئات جراء أکثر من هجمة دمویة في الأیام الأولی من بدء عملیة تسجیل أسماء الناخبین. ومن جهة أخری، تستخدم المساجد والمدارس والأماکن العامة کمراکز للتسجیل في هذه العملیة، وهذا قد یکون سببا آخر لارتفاع عدد الضحایا من المدنیین.
الحکومة الأفغانیة تواجه تحدیات أمنیة کثیرة بالفعل. علی سبیل المثال؛ وفقا لتقریر الإدارة الأمريكية الخاصة للتفتيش في قسم المساعدات المقدمة لأفغانستان (SIGAR)الذي نشر (السبت، الأول من مايو ۲۰۱۸) یدل علی أن عدد القوات الأفغانیة نقص حوالي ۳٥۳۰۰ جنديا (۱۱ في المائة) بالنسبة للسنة المیلادیة الماضیة. كما نقص عدد القوات الأفغانیة من ۳۳۱۷۰۰ شخص في ینایر ۲۰۱۷م إلی ۲۹٦٤۰۰ شخص في ینایر من العام الحالي. وهذا الوضع سببه هو وقوع الخسائر في صفوف القوات الحکومیة وهروب الجنود الأفغان من المعسکرات.[5]
لذلك؛ فإن السنة الحالیة ستکون ملیئة بالتحدیات الأمنیة أمام الأفغان بالنسبة لأي وقت آخر. یبدو أن هجمات الجماعات المعارضة للدولة ستزداد من جهة، ومن جهة أخری؛ الحرب في أفغانستان ستتعقد کثیرا في وقت أن الحکومة الأفغانیة تمر بظروف سیاسیة وأمنیة صعبة.
جهود عملیة السلام الفاشلة
فشل جهود السلام هو أحد العوامل لاستمرار الحرب والقلق من التحدیات القادمة في البلاد. مع أن أطراف الحرب في أفغانستان بالإضافة إلی أمیریکا والناتو تیقنوا أن لا أحد من هذه الأطراف یمکن له الفوز بالإصرار علی أسالیب عسکریة، ولکن لدیهم أسالیب لا تتضمن استراتيجية واقعیة لإحلال السلام في البلاد.
بعد أن ألغى دونالد ترامب رئیس الولایات المتحدة الأمريكية من استراتیجیته تحدیدها الجدول الزمني لخروج القوات الأمریکیة من أفغانستان، وأکد علی تشدید الضغوط العسکریة وازدیاد عدد جنودها في البلاد؛ واجهت عملیة السلام الأفغانیة هالة من الإبهام، لأن حضور القوات الأجنبیة هو السبب الأساسي لاستمرار الحرب في أفغانستان.
بالنظر إلی مواقف طالبان حول عملیة السلام؛ فإن هذه العملیة لن تنجح ما لم تقرر الولایات المتحدة إنهاء هذه الحرب، لأن أمریکا هي التي بدأت بالحرب علی أفغانستان وهي التي یقوی حضوره في میادین القتال في أفغانستان یوما بعد یوم. ولذلك؛ فإن أول اقتراح نوعي لحکومة الوحدة الوطنیة لمحادثات السلام مع طالبان قوبل من قبلهم بالسکوت الدال علی الرفض.
الولایات المتحدة الأمریکیة وعلی طریق الحل السیاسي للقضیة الأفغانیة تضغط علی باکستان منذ بضعة أشهر لیتوقف عن مساعدة طالبان من جهة، ویبذل جهودا صادقة لإحضار طالبان إلی محادثات السلام من جهة أخری. أما التفاهم بین الأفغان وعملیة السلام «بقیادة ومالکیة الأفغان» تؤتي ثمارها المرجوة عندما تدخل أمریکا إلی العملیة کطرف من أطراف هذه القضیة.
بالإضافة إلی ذلك، فإن جهود الحکومة لإدانة حرب طالبان وإیجاد رد شرعي علیها بإقامة المؤتمرات لعلماء الدین من الدول الإسلامیة مثل إندونیسیا والسعودیة؛ لن یکون لها أي تأثیر علی مصیر الحرب والسلام في البلاد.
من جانب آخر، مع أن عدد ضحایا القوات الأجنبیة في أفغانستان الآن انخفض إلی أدنی درجة، والحرب المستعرة تأخذ الضحایا من الأفغان في کلا الطرفین؛ فإن طالبان أیضا تؤکد علی استمرارها في حربها إلى حضور الولایات المتحدة للتفاوض مع الحرکة، ولیس لدیها أي استراتیجیة للتفاهم بین الأفغان أنفسهم. لذلك، إذا لم تکن هناك مواجهة واقعیة من قبل جمیع أطراف النزاع مع عملیة السلام؛ وإذا لم تضع أمریکا جدولا زمنیا لخروج قواتها من أفغانستان علی طاولة المفاوضات؛ فإن هذه العملیة لا یتوقع نجاحها البتة. النهاية
[1] See online: https://reliefweb.int/report/afghanistan/afghanistan-weekly-field-report-23-29-april-2018-enps
[2] See online, First quarter 2018:
First quarter 2017:
First quarter 2016:
[3] see online: https://www.darivoa.com/a/intensified-bmobing-afghanistan/4362066.html
[4] International Crisis Group, 31 Jan 2018, See it online:
https://www.crisisgroup.org/asia/south-asia/afghanistan/dangerous-escalation-afghanistan
[5] The Washington post, Afghan security forces declining in number, U.S. inspector general report shows, May 1, 2018, online: https://www.washingtonpost.com/world/asia_pacific/afghan-security-forces-declining-in-number-us-inspector-general-report-shows/2018/05/01/aa7b7922-4d4d-11e8-85c1-9326c4511033_story.html?utm_term=.214905c1a577