حكمت الله زلاند / مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية
الصین، البلد الذي ليس لديها أغراض استعمارية، ولذلك علاقتها بدول المنطقة علاقة صداقة. في السنوات الأخيرة وعلى وجه الخصوص منذ عام ۲۰۱٤م وبعد خروج معظم القوات الأجنبية من أفغانستان؛ بدأت الصین تهتم بأفغانستان کثیرا، کما بعد تشکیل حکومة الوحدة الوطنیة فإن أفغانستان أعطت الصین مکانة خاصة في سیاستها الخارجیة.
ازدادت الزیارات واللقاءات بین المسؤولین رفیعي المستوی من البلدین في السنوات الثلاث الماضية، وضمن سلسلة الزيارات سافر مستشار الأمن القومي الأفغاني محمد حنیف اتمر الأسبوع الماضي إلی بکین بدعوة رسمیة من نائب الرئیس الصیني وقابل کبار المسؤولین الصینیین السیاسین والعسکریین. زیارة حنیف أتمر الحالية إلی الصین تکسب أهمیة لحل أزمة الثقة الموجودة بین أفغانستان وباکستان والتعاون الباکستاني الجاد لإحلال السلام والأمن في أفغانستان بالإضافة إلی مسائل أخری.
ما هو اتجاه العلاقات بین کابل وبکین، وما هو تأثیر علاقة الصداقة بین أفغانستان والصین علی العلاقات بین کابل وإسلامآباد حتی الآن؟ هذا السؤال والأسئلة ذات صلة، نحاول الإجابة عنها في هذا المقال.
العلاقات الأفغانية الصينية في طریقها إلی النمو
مع أن العلاقات بین البلدین لها تاریخ طویل؛ إلا أن العلاقات الدبلوماسیة بینهما بدأت منذ ٦۳ عاما، وبقیت العلاقات بین البلدین ودية منذ ذلك الحین، ولم یکن للصین أي موقف سلبي تجاه أفغانستان. ولذلك نظرة الأفغان تجاه الصین هي نظرة إیجابیة.
العلاقات الصينية الأفغانية متفردة بالنسبة للعلاقات الأفغانية مع الدول الأخرى ولم تجرب هذه العلاقات أي مشاکل خلال عقد ونصف العقد الماضية. خلال فترتین من رئاسة حامد کرزاي لاسیما الفترة الثانیة نتیجة لسوء العلاقات بین کابل وواشنطن؛ تحسنت العلاقات الأفغانیة الصنیة أکثر، وبعد تشکیل حکومة الوحدة الوطنیة دخلت مرحلة جدیدة.
في ثلاث سنوات من بعد تشکیل حکومة الوحدة الوطنیة؛ زادت الصین من اهتمامها بالقضیة الأفغانیة. بجانب الزیارات التي قام بها کبار المسؤولین الصینیین إلی أفغانستان؛ شاركت الصین في عملیة السلام الأفغانیة من خلال اجتماعات مجموعة التنسيق الرباعية، ونظمت الصین اجتماعا ثلاثي الأطراف لتعزیز العلاقات الأفغانیة الباکستانیة علی مستوی وزراء الخارجیة، وعززت تعاونها العسکري مع کابل.[1]
شهدت الصداقة الاستراتیجیة بین أفغانستان والصین تقدما في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشیوعي الصیني في اکتوبر من عام ۲۰۱۷م، واعتبر نقلة أخری متقدمة للصداقة القائمة بین البلدین والتي تحاول الصین من خلالها في هذا الوقت أن یتحول أفغانستان إلی مرکز للتعاون الاقتصادي بین دول المنطقة والعالم، وفي هذه الحالة أهمیة بالغة وخاصة لمشروع (حزام واحد – طریق واحد).[2]
في ثلاث سنوات الأخیرة التقی الرئیسان الأفغاني والصيني مع بعض ثلاث مرات، وكثرت الزیارات وتبادل الآراء بین الأفغان والصینیین في هذه الفترة بشکل غیر مسبوق. الصین لم تحتفظ بعلاقتها الوثیقة مع الحکومة الأفغانیة فحسب؛ بل حاولت ایجاد أرضیة لتکوین العلاقة بین شعبي البلدین والمجتمع المدني فیهما. وهکذا حاولت الصین بهذه الطریقة تعزیز قوتها الناعمة في أفغانستان.
من جانب آخر، الصین لها حضور اقتصادي کبیر في أفغانستان. أخذت عقود استخراج النحاس في منطقة (عینک) والنفط في منطقة نهر جیحون، والتعاون الاقتصادي، والحضور التجاري الکبیر لها قابل للذکر. وارتفع حجم التجارة بین البلدین عام ۲۰۱٥م إلی ملیار دولار.[3]
الاهتمام الصیني بأفغانستان في ازدیاد
کانت العلاقات بین البلدین بعد عام ۲۰۰۱م إلی عشر سنوات الأولی عادیة، لکنها وفي عام ۲۰۱۲م رفع کل من الصین وأفغانستان علاقاتهما إلی مستوی «العلاقات الاستراتیجیة»[4]. عندما ننظر إلى السنوات الماضیة؛ تعزز دور الصین وتدخلها في جهود السلام والأمن في أفغانستان، وهذا یدل علی الاهتمام الصیني الزائد بأفغانستان، ویعتبر خروج معظم القوات الأجنبیة من أفغانستان وإصدار الحرب إلی شمالي أفغانستان السبب الأهم في ذلك.
الصین قلقة علی أمنها الداخلي بسبب فقدان الأمن في شمال أفغانستان من جهة، کما یخشی علی الأمن الإقلیمي لوجود مشاریعها الاقتصادیة الکبیرة في المنطقة من جهة أخرى، فتلعب دورا هاما من کلا الجانبین في أمن أفغانستان واستقرارها نظرا لنفوذها علی باکستان من جهة ومن جهة أخری عن طریق تکثیف مساعداتها العسکریة لأفغانستان. وجاء التأیید الصیني لبناء مرکز عسکري في بدخشان لهذا السبب[5]، كما طلب المستشار الأمن القومي الأفغاني حنیف اتمر في زیارته الأخیرة لبکین من الصین تجهیز معسکر جبلي في بدخشان.[6]
من جهة أخری ترید الصین أن تلعب دورا في عملیة السلام الأفغاني والمفاوضات بین الأفغان عن طریق تکثیف اهتمامها بأفغانستان، ولذلك استضافت الصین الحکومة الأفغانیة وطالبان في اجتماع أرومتشي عام ۲۰۱۵م ولعبت دور المراقب في مفاوضات مري المباشرة في إسلام آباد، وعززت دورها أکثر في المحادثات الرباعية (أفغانستان، باکستان، الصین، والولايات المتحدة). ولذالك هناك تفاهم نسبي بین الصین وطالبان، وسافر بعض من کبار طالبان إلی الصین عدة مرات، كما أن العلاقة ودیة بین الجانبین.
التأثیر الصیني علی العلاقات الأفغانیة الباکستانیة
بدأت المحادثات بین الأطراف الثلاثة (أفغانستان – باکستان – الصین) عام ۲۰۱۲م[7]، وکان الوضع الأمني في المنطقة هو الموضوع الأساسي للبحث منذ البدایة، وتنفیذ المشروعین الکبیرین للصین في المنطقة (حزام واحد – طریق واحد، واقتصاد منطقة الصین وباکستان) یدل علی القلق الصیني.[8]
بدأت الوساطة الصینیة بین أفغانستان وباکستان، والاجتماع الثلاثي لأول مرة العام الماضي (۲۰۱۷م) علی مستوی وزراء الخارجیة، ولأول مرة في یونیو من عام ۲۰۱۷م اتفق رئیسا الدولتین (أفغانستان والصین) أثناء اجتماع منظمة التعاون شانجهاي علی عقد اجتماع ثلاثي الأطراف، وأخیرا أقیم هذا الاجتماع في آخر شهر دیسمبر في بکین.
أعلن الصین رسمیا العام الماضي عن استعداده للوساطة في عملیة السلام في أفغانستان والبحث عن طرق سهلة للتفاهم بین الأفغان من جهة[9]، ومن جهة أخری تری الحکومة الأفغانیة أن عملیة السلام الأفغانیة تحتاج التعاون الصادق من باکستان.
الصین هو البلد الوحید الذي بإمکانه الضغط علی باکستان، لأن الصین تربطه بباکستان علاقات صداقة استراتیجیة وثیقة، والعلاقات بین بکین وإسلام آباد واسعة سیما من الناحیة الاقتصادیة. عام ۲۰۱۵م فقط وخلال زیارة الرئیس الصیني لباکستان؛ تم توقیع ٥۱ اتفاقیة بین البلدین، ویتطلب تنفیذ هذه المشاریع ٤٦ ملیار دولار.[10]
مع کل ذلك لو نظرنا الآن إلی السیاسة الصینیة والباکستانیة؛ لوجدنا أن سیاسة الصداقة الاستراتیجیة بین البلدین متعارضتان إلی حد ما. لأن الصین تعارض سیاسة مخالفة الدول الأخری والتدخل في شئونهم، بل ترید الصین تعزیز قوتها عن طریق السیاسات الاقتصادیة، ولذلك استثمرت قرابة ٥۷ ملیار دولار في باکستان فقط. ولهذا السبب رفعت الصین صوتها ضد باکستان في أواخر ۲۰۱۷م لأول مرة، وفي سبتمبر من عام ۲۰۱۷م أدینت نشاطات الجماعات المسلحة في باکستان في إعلان منظمة (بریکس) التي الصین من أهم أعضائها.[11]
في الزیارة الأخیرة لرئیس الوزراء الباکستاني خاقان عباسي إلی أفغانستان تم الاتفاق بین الجانبین علی أن یعمل وزیرا الخارجیة ومستشارو الأمن لإنهاء خطة عمل. لذلك کان الهدف من زیارة مستشار الأمن القومي الأفغاني إلی الصین فرض المطالبات الأفغانیة علی باکستان عن طریق الضغط علیها من قبل الصین. من المقرر أیضا عقد اجتماع ثلاثي بین وزراء الخارجیة في کابل في المستقبل القریب.
السؤال هو، لماذا لم تأت وساطة الصین القویة بالنتیجة المرجوة في العلاقات الأفغانیة الباکستانیة والتي أفغانستان بصددها؟ الحقیقة أن باکستان بإمکانها لعب دور مؤثر في عملیة السلام الأفغانیة، هذا من جهة؛ إلا أن هذا البلد لیس لها ذلك تأثير الذي یمکنها به أن تضغط علی طالبان لحملهم علی قبول المصالحة. ومن جهة أخری وصلت أزمة الثقة في العلاقات الأفغانیة الباکستانیة إلی حد لا یمکن أن تصیر عادیة بسهولة.
السیاسات الإقلیمیة
ینظر إلی العلاقات الأفغانیة الصینیة الطیبة والقویة علی مستوی المنطقة والعالم بنیة حسنة، وتنظر باکستان إلی الدور الصیني النامي والصداقة الاستراتیجیة بإعجاب؛ ذلك لأن الصین تستطیع ملء الفراغ للدور والنفوذ الهنديین الناميین في هذا البلد.
الصین تستطیع لعب دور في التفاهمات بین أمریکا وروسیا حول أفغانستان علی المستوی الدولي، ویستطیع التعاون لتعزیز العلاقات بین کابل وإسلام آباد علی مستوی المنطقة، مع ذلك، الضغط الصیني لوحده علی باکستان لایمکن له حل أزمة الثقة الطویلة القائمة بین أفغانستان وباکستان.
والصین أیضا ترید أن تحتفظ بموقعها في القضیة الأفغانیة من أجل مصالحه الطویلة الأمد، إلا أنها تخطو حتی الآن بشکل عام في القضیة الأفغانیة باحتیاط شدید.
النهاية
[1] مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية، «التقرير التحليلي والبحثي “أفغانستان في العقد والنصف الماضي”»، ۱۳۹۵ هـ ش، صفحة ۱۱۲.
[2] مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية، «تقرير مؤتمر “العلاقات الأفغانية الصينية”»، تصريحات نائب سفير الصين، ۲۰ يناير ۲۰۱۸:
https://csrsaf.org/en/blog/the-report-of-the-seminar-on-sino-afghan-bilateral-ties/
[3] خليل، أحمد بلال، «كتاب العلاقات الأفغانية الصينية في فترة ۱۹۵۵-۲۰۱۵»، مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية، ۱۳۹۶ هـ ش، صفحة ۱۴۷.
[4] China Daily, >China, Afghanistan in strategic partnership<, June 8 2012, see online:
http://www.chinadaily.com.cn/china/2012-06/08/content_15489241.htm
[5] The Diplomat, >China’s Military Base in Afghanistan<, January 18, 2018, see online:
https://thediplomat.com/2018/01/chinas-military-base-in-afghanistan/
[6] Tolonews, >NSA Asks China To Help Establish A ‘Mountain Brigade’<, 21 April 2018, see online:
[7] China Chairs the First Trilateral Dialogue of China-Afghanistan-Pakistan, 2012/02/29, see it online:
http://www.china-embassy.org/eng/zgyw/t910391.htm
[8] مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية، «التقرير التحليلي والبحثي “أفغانستان في العقد والنصف الماضي”»، ۱۳۹۵ هـ ش، صفحة ۱۰۹.
[9] السفير الصيني في لقائه مع بي بي سي، ۱۲ يونيو ۲۰۱۷:
http://www.bbc.com/pashto/afghanistan-40241050
[10] CSRS, The Impacts of Chinese President’s Visit to Pakistan, April 26, 2015, see online:
https://csrsaf.org/en/blog/the-impacts-of-chinese-presidents-visit-to-pakistan/
[11] CSRS, The BRICS declaration and its impacts on the region, September 16, 2017, see online:
https://csrsaf.org/en/blog/brics-declaration-impacts-region/