حکمت الله زلاند / مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية
في السنوات الأخیرة وبعد تشکیل حکومة الوحدة الوطنیة في أفغانستان، ازدادت الخلافات بین کابل وإسلام آباد؛ حینما طالب الطرف الأفغاني حکومة باکستان باتخاذ خطوات عملیة في الوفاء بتعهداتها مع أفغانستان. العلاقات بین البلدین في هذه المدة کانت تعاني من أزمة أدت إلی المواجهات العسکرية بین البلدین، وبعد سفر رئیس الوزراء الباکستاني الأخیر إلی کابل بأیام؛ حصل قتال بین قوات حرس حدود البلدین في محافظة خوست وأدی ذلك إلی سقوط ضحایا.
شاهد خاقان عباسي رئیس الوزراء الباکستاني، زار کابل قبل أیام في الوقت الذي تکون باکستان تحت ضغوط دولیة بسبب عدم تعاونها مع عملیة السلام الأفغانیة من جهة، ومن جهة أخری تجري المحادثات بین الجانبین لحل المشکلات الموجودة بین کابل وإسلام آباد، دون أن یکون هناك تقدم بهذا الشأن. وقد تم الاتفاق في هذه الزیارة علی العمل لإنهاء خطة عمل أفغانستان وباکستان بشأن عملية السلام.
باکستان تعهد مرات علی التعاون مع عملیة السلام في أفغانستان، لکنه لم یف بهذه التعهدات. السؤال هو: ما هي المشکلة الأساسیة في العلاقات بین البلدین؟ هل باکستان لا یرید تغییر سیاستها تجاه أفغانستان، أم لیس ذلك في استطاعتها؟
نظرة علی العلاقات بین البلدین
هناك مشکلات وأزمة ثقة في العلاقات بین أفغانستان وباکستان منذ البدایة. بعد عام 2001م وإبان حکومة حامد کرزاي أیضا کانت تعاني هذه العلاقات من مشکلات وأزمة ثقة بین الجانبین. سافر حامد کرزاي إبان حکومته إلی باکستان 21 مرة، لکنه وفي آخر یوم من حکومته عند تسلیمه الحکم إلی خلیفته شکی عدم تعاون باکستان، وقال: «مفتاح السلام في أفغانستان بید باکستان وأمریکا».
بعد تشکیل حکومة الوحدة الوطنیة، حاول رئیس الجمهوریة أشرف غني تحسین العلاقات بین کابل وإسلام آباد وقدم امتیازات لباکستان أیضا. حکومة الوحدة الوطنیة حاولت في البدایة تضعیف علاقاتها مع الهند لإرضاء وطمأنة باکستان.
حکومة الوحدة الوطنیة وبالاستفادة من تحسن العلاقات مع باکستان وأدوات السیاسة الخارجیة حاولت إقناع هذا البلد علی التعاون الصادق مع عملیة السلام لاسیما إحضار طالبان إلی طاولة المفاوضات، ولکن بعد مضي أشهر وفقدان الأمن وازدیاد العملیات الدمویة في البلد وفشل المفاوضات المباشرة مع طالبان بعد إعلان خبر موت أمیرهم الأسبق الملا محمد عمر؛ تغیرت سیاسة کابل ومن ثم ساءت العلاقات بینها وبین إسلام آباد، ووصل الأمر إلی مواجهات عسکریة بین جیشي البلدین في بندري تورخم وتشمن وسقوط ضحایا. هذا الوضع لم یوصل العلاقات بین البلدین إلی مرحلة خطیرة فحسب؛ ولکن سبب العداء الشدید بین شعبي البلدین أیضا. عاد مائات الآلاف من اللاجئین الأفغان إلی بلدهم بسبب إیذاء الشرطة الباکستانیة لهم، وانخفض حجم التجارة بین البلدین إلی أقل من نصف ملیار دولار.
المشکلة الأساسیة في العلاقات بین کابل وإسلامآباد
بالنظر ماضي العلاقات بین کابل وإسلام آباد، شهدت هذه العلاقات تحسنا في بعض الأحیان، ولکن التوتر وأزمة الثقة کانت موجودة فيها في کثیر من الأحیان. نستطیع أن نذکر أسباب هذا التوتر في نقاط:
– قضیة دیورند الحدودیة أثرت في العلاقات بین البلدین خلال سبعة عقود الماضیة. بعد تأسیس باکستان بقیت هذه القضیة کبؤرة توتر دائم بین البلدین، ولأن القضیة من العوامل التي ترید باکستان من أجلها إیجاد عمق استراتیجي له في أفغانستان.
محمد داود خان هو أول رئیس أفغاني عارض (دیورند) کخط حدودي رسمي بین البلدین. أیام الحروب الداخلیة وإبان حکم طالبان، لم تعترف أي حکومة أفغانیة بهذا الخط کحد رسمي بین البلدین مع الطلب الباکستاني المکرر لذلك. و هذه القضیة ألقت بظلالها علی العلاقات بین البلدین بعد عام 2001م وإلی نهایة فترة حکم حامد کرزاي، وقد أعلن الأخیر أنه لا یعترف بدیورند کحد رسمي بین البلدین.
– النفوذ والقوة الناعمة للهند في أفغانستان أیضا من أهم الأسباب التي یراها باکستان تهدیدا لها. ولذلك تدور السیاسة الباکستانیة حول إیجاد عمق استراتیجي لها في أفغانستان ویضغط علی الاعتراف الرسمي بخط دیورند من جهة، والتحکم علی النفوذ الهندي في أفغانستان من جهة أخرى. کما لخص کرزاي تجربته في علاقاته مع باکستان في ثلاثة عشر عاما من حكمه في نقطتین: قضیة دیورند، والتحکم في السیاسة الخارجیة لأفغانستان.
– بجانب أزمة الثقة التاريخية بین البلدین، فإن ضعف باکستان في الوفاء بتعهداته في السنوات الأخیرة؛ من المشکلات التي أثرت في العلاقات بین البلدین.
باکستان من جانبه تعهدت مع أفغانستان بأمور لم یکن في وسعها الوفاء بها. مع أن باکستان تستطیع أن تلعب دورا إیجابیا في عملیة السلام في أفغانستان؛ ولکنها لا تستطیع إحضار طالبان إلی طاولة المفاوضات، لأن العوامل المتعددة تبین حقیقة عدم نفوذ باکستان علی طالبان خلافا للاعتقاد السائد بهذا الشأن.
إلی أین تتجه العلاقات بین البلدین؟
الجهود التي تبذلها باکستان من أجل تحسین علاقاتها مع أفغانستان؛ سببها الضغوط التي تمارس ضدها. في الأشهر الأخیرة وبعد إعلان استراتیجیة ترامب حول أفغانستان؛ شهدنا ضغوطا علی هذا البلد من قبل الولایات المتحدة.
والصین أیضا کحلیف استراتیجي و اقتصادي وسیاسي لباکستان في المنطقة مارست علیه ضغوطا بسبب فعالیة الجماعات المسلحة المتشددة داخل أراضیها. في الإعلان الأخیر لمنظمة بریکس (سبتمبر 2017م) التي تعد الصین من أهم أعضائها؛ أدینت فعالیة الجماعات المسلحة في المنطقة، والملفت أن ذکر في الإعلان «داخل باکستان» بصراحة.
لذلك؛ فإن زیارة رئیس الوزراء الباکستاني والمسؤولین المدنیین والعسکریین الباکستانیین إلی أفغانستان تدل علی القلق الباکستاني علی العلاقات المتأزمة بینها وبین أفغانستان، لأن هذا البلد یعاني من الانزواء بسبب الضغوط وأيضا الموقف الأفغاني والدولي المتشدد لعدم التعاون الباکستاني مع عملیة السلام الأفغانیة.
السبب الأساسي والأهم في توتر العلاقات في السنوات الماضیة هو عدم وفاء باکستان بتعهداته، ولا ینتظر حالیا أن تتنازل الحکومة الأفغانیة عن شروطها المحددة مسبقا لتحسین العلاقات مع باکستان.
وفقا لموقف الحکومة الأفغانیة الحالي؛ فإن تحسین العلاقات بین البلدین يتعلق بالتعاون الباکستاني الصادق مع عملیة السلام في أفغانستان.
ومع کل ذلك؛ في الأشهر الأخیرة ومع انزواء باکستان؛ لیس هناك تقدم یذکر علی طریق حل المشکلات بین البلدین وتغییر السیاسة الباکستانیة تجاه أفغانستان. بجانب ذلك؛ اتسع جو عدم الثقة في العلاقات بین کابل وإسلام آباد لاسیما في العامین الماضیین إلی حد لا یتوقع حدوث أي تحسن فيها في وقت قریب، إلا بجهود عملیة وعمل صادق جاد.
النهاية