إلى أين تتجه الصداقة التركية – الأفغانية؟

 

حكمت الله زلاند / مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية

في مجال العلاقات التركية الأفغانية تكفي الإشارة إلى قول أحمد داؤد أوغلو مفكر وسياسي تركي أنه قد وصف هذه العلاقة بأنها “مثالية” ورغم أن الدولتين ليس بينهما حدود مشتركة، يطلق عليهما “دولتان مجاورتان” و قريبتان كل منهما إلى الأخرى.

إن العلاقة الودية بين تركيا وأفغانستان ضاربة في التاريخ وبقيت ودية مدى الأزمان. مع أن تركيا تعتبر من الدول القوية على مستوى العالم الإسلامي، بل على العالم كله، ولكنها حافظت على علاقتها ودية مع أفغانستان والدول الإقليمة الأخرى أيضا، فمن هنا ينبغي أن ننظر إلى هذه العلاقة و بالشكل الموجود بعين الاعتبار ونعطي لها أهمية خاصة.

تسفر أهمية هذه العلاقات بشكل أوضح حين تتبادل الوفود الرسمية بمستويات مختلفة بين البلدين، حيث كان آخرها زيارة رئيس الوزراء التركي بنعلي يلدرم لأفغانستان. قد التقى خلال زيارته رئيس الوزراء التركي في الأسبوع الماضي 8 أبريل 2018م بالرئيس الأفغاني أشرف غني، والرئيس التنفيذي الدكتور عبدالله وغيرهما من المسؤولين، كما اشترك مع الدكتور عبدالله في مؤتمر صحفي أيضا.

الجانب التاريخي للعلاقات بين كابل وأنقرة، والعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين في مدة عقد ونصف أو ما يزيد، و مستقبل العلاقة بينهما هي الموضوعات التي سندرسها خلال هذا المقال.

 

نظرة على العلاقات بين كابل وأنقرة

ترجع بداية العلاقات الدبلوماسية بين أفغانستان وتركيا إلى سنة 1921م حين وقع البلدان اتفاقية التحالف بينهما. يقال عن بعض جوانب العلاقة التاريخية بين أفغانستان وتركيا أن بعض الشخصيات تركوا أفغانستان واستوطنوا في تركيا وبالعكس، والمثال على ذلك استيطان المولوي جلال الدين البلخي في تركيا خير دليل على هذا المدعى. 

كانت أفغانستان من الدول الأولى التي اعترفت رسميا بدولة تركيا الحديثة، وفتحت أول مرة سفارتها في تركيا في عهد السلطان أمان الله؛ ومن جانب آخر أن تركيا وقفت بجانب أفغانستان في الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال السوفيتي وبقيت منحازة في الحروب الأفغانية الأهلية.

أرسلت تركيا بعد عام 2001م، نحو 400 جنديا إلى أفغانستان ضمن قوات الحلف الأطلسي ولكنها عملت فقط في مجال التعمير و وتدريب الجنود الأفغان، ولم تشترك في العمليات العسكرية ضد المعارضة ولذلك لم تقع في جنودها الخسائر البشرية، ومن هنا تعامل حركة طالبان القوات التركية و ما يتعلق بها معاملة سهلة.

لعبت تركيا في عهد حامد كرزاي دورا لتحسين العلاقة بين أفغانستان وباكستان، وعقدت ثمانية اجتماعات ثلاثي الأطراف بين الدول الثلاث: تركيا، وأفغانستان وباكستان بين عام 2007 إلى 2013م. مع أنها لم تستطع أن تنهي عدم الثقة بين كابل واسلام‌أباد بشكل نهائي ولكنها كانت مفيدة إلى حد ما، و قد أبدت تركيا المحبة والصداقة تجاه أفغانستان على نطاق واسع.

 

العلاقة بين حكومة الوحدة الوطنية وتركيا

دخلت العلاقة الأفغانية التركية بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان إلى طور جديد وقد بدأت هذه العلاقة الجديدة بعد سفر الرئيس التركي السيد رجب طيب أردوغان. جاء الرئيس رجب طيب اردغان إلى كابل بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بمدة شهر في 18 أكتوبر عام 2014م. تمت هذه الزيارة بعد ما يقرب من خمسين سنة من قبل رئيس لجمهورية تركيا إلى أفغانستان، وهذا كان سفر أول مسؤول أجنبي رفيع المستوى ألى كابل بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. وقد تم توقيع معاهدة التحالف والتعاون الاستراتيجي بين البلدين خلال الزيارة. 

لما تتمتع أفغانستان من الموقع الجيوبوليتيكي في العالم، تريد تركيا أن تبقى قواتها في هذا البلد لمدة طويلة، ولذلك لم تقلل تركيا قواتها في افغانستان بعد عام 2014م، كما صرح الرئيس التركي أردوغان نفسه أن دولته تريد أن تبقى قواتها في البلد الذي تقع متاخمة لدول مختلفة مثل الصين، وإيران، وباكستان، ودول آسيا الوسطى.

ومع هذا كله قد مهدت مظاهر عدم الثقة بين البلدين في العلاقات السياسية منذ العام الماضي، لأن اللواء عبدالرشيد دوستم النائب الأول لرئيس الأفغاني يعيش في المنفى في تركيا جراء الخلافات السياسية بينه وبين الرئيس أشرف غني، ومن جانب آخر أن مجموعة من الأحزاب السياسية بمشاركة دوستم أعلنت ائتلافا ضد الحكومة الأفغانية من أراضي تركيا.

يبدو أن وصول اللواء عبدالرشيد دوستم إلى منصة النائب الأول للرئيس الأفغاني كان سببا لزيارة أردوغان إلى أفغانستان بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لهذا السبب بعد أن تهدمت العلاقة الودية بين دوستم والحكومة ونفيه إلى تركيا أثر تاثيرا سلبيا في العلاقة بين البلدين. قد بادرت الحكومة الأفغانية لإزالة سوء الفهم بين البلدين ببعض الأمور ومنها أنها قضية تسليم إدارة المدارس الأفغانية – التركية التابعة لجماعة فتح الله غولن إلى وقف المعارف التركي.

وقد قام الرئيس الأفغاني خلال السنتين الأخيرتين بزيارة تركيا مرتين، وكانت زيارته الأولى في شهر ديسمبر سنة 2015م، حيث اشترك الزعيمان التركي والأفغاني في تجمع استشاري للتجار، وتمت زيارته الثانية في شهر ديسمبر سنة 2017م للاشتراك في القمة الإسلامية بشأن القدس في أسطنبول التركية.

 

العلاقات التجارية والاقتصادية

تمت التجارة بين تركيا وأفغانستان خلال عام 2010م إلى عام 2016م حوالي 1.6 مليار دولار، حيث كان معظم هذه التجارة تشكل المواد التي تصدر من تركيا إلى افغانستان و كان الأقل القليل منها من المواد التجارية التي تصدر من أفغانستان إلى تركيا. تحرز تركيا الموقع الخامس بين الدول التي تستورد المواد التجارية من أفغانستان بعد الهند، وباكستان، وإيران والعراق.

لقد اشتركت تركيا بعد عام 2005م إلى اليوم في مؤتمر ريكا (RECCA) أو ما يسمى بالمجلس الإقليمي لإغاثة الشعب الأفغاني، في سبعة مؤتمرات وتم عقد معاهدة “الطريق اللازوردي”بين أفغانستان، وتركيا، وتركمنستان، وأذربايجان، وغرجستان في المؤتمر الأخير عام 2017م من هذه المؤتمرات.

منذ عام 2003م إلى عام 2016م طبقت 127شركة تركية 627مشروعا بقيمة 6مليارات دولار أمريكي. إلا أن القرار الأساسي هو الجانب الاقتصادي، حيث يجب على الدولتين أن تعملا من أجل تقليل أو رفع الضرائب الجمركية (DTPA) وتوقعا هذه المعاهدة وقد تمت المفاوضات الأولية لهذا الغرض في أنقرة عام 2016م.

مع أن العلاقات الاقتصادية والتجارية تشكلان جانبا مهما من علاقات الدولتين فيما بينهما إلا أن مستوى التجارة تتنزل عاما بعد عام، حيث كانت التجارة بين الدولتين في عام 2010 نحو 265مليون دولار وقد نزلت في عام 2016م إلى 155مليون دولار سنويا. هذا هو أيضا السبب  أن من المقرر أن تعقد اجتماع الجنة الإقتصادية المشتركة (JEC) في أنقرة في الشهر القادم وسوف يشارك فيه الرئيس التنفيذي الأفغاني. وقد عقد أول اجتماع هذه اللجنة في أبريل عام 2005م.

 

مستقبل العلاقات الأفغانية التركية

تعتبر تركيا الآن من أقوى الدول الإسلامية، فترى أن تكون لها دورا بارزا في القضية الأفغانية، ومن جانب آخر أن وجود الأوزبيك والتركمان في أفغانستان هو السبب الذي سوف يكون له تأثير على العلاقات بين الدولتين في المستقبل. تحاول تركيا الآن أن تدرس سوء العلاقة بين الحكومة الأفغانية والجنرال عبدالرشيد دوستم. لهذا السبب قد ذكر عن هذا الموضوع في اللقاء بين الرئيس التنفيذي الدكتور عبدالله وبين رئيس الوزراء التركي. وإن لهذه المشكلة تأثير في العلاقة بين تركيا وأفغانستان.

ستلعب تركيا مرة أخرى دورا في تحسين العلاقة بين باكستان وأفغانستان، فمن المقرر أن يعقد اجتماع ثلاثي الأطراف في تركيا بين الدول الثلاث؛ أفغانستان، وباكستان وتركيا. ومن جانب آخر إذا بقي المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر غير معترف به، فتعتبر تركيا مكانا مناسبا للمفاوضات المباشرة بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية إذن من غيرها من الدول كالسعودية وغيرها، لأن تركيا حافظت على فهم نسبي مع حركة طالبان ولها علاقة جيدة مع باكستان، فمن هنا تستطيع تركيا أن تلعب دورا بارزا في عملية السلام الأفغانية.

تدور العلاقة التركية الأفغانية بجانب مجال السياسي حول جوانب أخرى كالثقافي والاقتصادي ايضا. وقد كان التجار من الدولتين يعانون من بعض الموانع والمشكلات التجارية في السنوات الأخيرة، إلا أن المساعي التي تمت في هذا المجال سنحت الفرصة أمام التجار كي تتوطد العلاقة التجارية وتتوسع.

تركيا والسعودية تتنافسان فيما بينهما على قيادة العالم الإسلامي من جانب، ومن جانب آخر أفغانستان هي دولة لها أهمية خاصة لتركيا. لهذا السبب مع أن تركيا هي متورطة في قضايا الشرق الأوسط، لكن مع ذلك أن المملكة العربية السعودية بدأت تنكمش دورها وقوتها الناعمة في العالم الإسلامي بشكل بطيء وأن تركيا بدأت يتسع دورها وقوتها الناعمة في العالم الإسلامي مع توسيع رقعة تعاملها الاقتصادي وتتقوي قوتها الاقتصادية شيئا فشيئا، سوف تطور علاقاتها مع أفغانستان أيضا في كافة المجالات.

النهاية

إلى أين تتجه الصداقة التركية – الأفغانية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى