منذ عدة أسابيع تبذل بعض الدول جهودا دبلوماسية لتحسين العلاقات الأفغانية – الباكستانية. المحاولة المبذولة من بريطانيا في هذا الصدد والتي عرضت التوسط بين البلدين جديرة بالذكر. بعد مؤتمر قلب آسيا تُعد هذه المرة الأولى التي تصدر فيها محاولات كهذه من دبلوماسيين أجانب.
من جانبٍ آخر، في يناير/2017 التقى المندوب الخاص للرئيس الأفغاني وسفير أفغانستان في باكستان عمر زاخيلوال بقائد جمعية العلماء الإسلامية مولانا سميع الحق مرتين. خلال اللقاء الثاني تحدث الرئيس الأفغاني أشرف غني مع سميع الحق عبر الهاتف. معظم منسوبي طالبان الأفغان تلقوا تعليمهم بالمدارس الدينية التابعة لسميع الحق، وبعض أفراد طالبان اختاروا لأنفسهم لقب (حقاني) نسبة لدراستهم في مدرسة (حقانية) التابعة لسميع الحق.
بالإضافة إلى ذلك أدلى بعض قادة الجماعات الباكستانية تصريحات حول تحسين العلاقات بين كابل–إسلامآباد، مثل زعيم حزب الشعب الباكستاني وزعيم حزب عوامي الوطني الباكستاني.
كيف كانت العلاقات الأفغانية–الباكستانية خلال فترة حكومة الوحدة الوطنية؟ ما هي أسباب ضعف العلاقات بين أفغانستان وباكستان؟ هل ستزول هذه التوترات أم لا؟ وما هو مستقبل هذه العلاقات؟ أسئلةٌ نحاول الإجابة عليها وعلى غيرها في هذا المقال.
العلاقات المتدهورة بين كابل–إسلامآباد
منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بأفغانستان مرت العلاقات الأفغانية – الباكستانية بموجات صعودية وهبوطية غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين.
بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية تحسنت العلاقات بين كابل و إسلامآباد. بدايةً منحت الحكومة الأفغانية امتيازات عديدة لباكستان، ومن ثم منحت باكستان بروتوكولا خاصا للرئيس الأفغاني من النوع الذي كانت تمنحه الحكومة الباكستانية فقط للرئيس الصيني والملك السعودي.
ولكن بعد اشتداد التدهور الأمني وعدم حضور طالبان لمفاوضات مَري، زادت الشكوك في العلاقات بين كابل–إسلامآباد. حدثت بعدها اشتباكات طورخم الحدودية ورفضت الحكومة الأفغانية دعما ماليا مقدما من باكستان لأول مرة.
نظرا لهذه العلاقات المتدهورة بين البلدين، عاد أكثر من خمسمئة ألف لاجئ أفغاني من باكستان إلى أفغانستان، وانخفضت الحركة التجارية بين البلدين إلى نحو مليار دولار وقل تصدير وعبور البضائع الأفغانية عبر باكستان.
هل ستزول التوترات؟
يرجع تاريخ التوترات في علاقات أفغانستان – باكستان إلى فترة تأسيس الحكومة الباكستانية، وبعد الاجتياح السوفييتي لأفغانستان زادت التوترات بين كابل و إسلام آباد. في البداية كانت هناك قضيتان أساسيتان في العلاقات بين كابل و إسلام آباد وهما: رفض خط “ديورند” الحدودي، ودعم المطالبة بإنشاء منطقة “بشتونستان”.
الموضوع المذكور أعلاه والتدهور الأمني في البلد والملاذات الآمنة لطالبان بباكستان وإخفاق باكستان في إحضار طالبان لطاولة المفاوضات قضايا لعبت دورا في تدهور العلاقات الأفغانية – الباكستانية.
في الوضع الراهن ستحسّن جهود الدبلوماسيين الأجانب علاقات البلدين على المدى القريب، إلا أن استمرار هذه العلاقات بشكل جيد على المدى البعيد يعتمد أصالةً على المواضيع المُشار إليها آنفاً.
سبق لبريطانيا التوسط بين كابل و إسلام آباد في فترة رئاسة حامد كرزاي، حتى أن الدول الثلاثة عقدت لقاءات ثلاثية ومع ذلك لم ينتُج عن هذه المحاولات آثار ملحوظة.
بالإضافة إلى ذلك إذا تغيرت أفكار المسؤولين الأفغان حول قدرة الحكومة الباكستانية على إحضار طالبان لطاولة المفاوضات ستتحسن العلاقات الثنائية بين البلدين، إلا أن تحسن العلاقات في الفترة الحالية يبدو مستحيلاً.
مستقبل العلاقات الثنائية
رغم اعتقاد البعض بأن العلاقات الأفغانية الباكستانية غير قابلة للتحسن إطلاقا في حال عدم حل القضايا المذكورة بعاليه، إلا أن هناك بلدانا في العالم تجاهلت قضية الحدود وأسست علاقات اقتصادية قوية مع بعضها البعض. لذا، من الممكن لأفغانستان وباكستان تحسين العلاقات حتى دون حسم قضية خط ديورند الحدودي، إلا أن ذلك سيتطلب حلولا جذرية من جانب البلدين.
تعتمد العلاقات بين كابل و إسلامآباد حاليا على قضيتين: أولا، تعهد الجانب الباكستاني للحكومة الأفغانية على إيقاف استغلال طالبان للأراضي الباكستانية ضد أفغانستان. ثانياً، اتخاذ موقف من كابل و إسلامآباد تجاه محادثات السلام تحت إشراف باكستان (لا توسطها) الذي يؤدي إلى المفاوضات بين الحكومة الأفغانية ومكتب طالبان بقطر. على هذا النحو ستتحسن العلاقات بين البلدين على المدى القريب وسيمهّد ذلك أيضا الطريق لعلاقات أفضل على المدى البعيد.
النهاية