يُعتبر الفساد من أكبر التحديات التي عرّضت الحكومة الأفغانية لانتقادات شديدة من قبل المواطنين والمجتمع الدولي، وحتى الآن تُعتبر هذه الدولة من أفسد دول العالم.
في لقاء له مع بي بي سي، ذكر رئيس مكتب المفتش الأمريكي الخاص لإعادة إنشاء أفغانستان SIGAR جون سوبكو أن مشكلة الفساد ليست مقتصرة على الأفغان، بل هناك أيادي متوغلة في الفساد تعمل لصالح الحكومة الأمريكية وقد حُوكم حتى الآن أكثر من مئة أمريكي بسبب التورط في قضايا الفساد بأفغانستان. الإدارة العليا لمكافحة الفساد بأفغانستان أيدت ما ورد في تقرير مكتب SIGAR وأعلنت أن الأجانب في أفغانستان متورطون أيضا في قضايا الفساد ولهم دورٌ في انتشار وتكثير الفساد في هذا البلد.
يأتي هذا في حينٍ تواجه أفغانستان ضغطاً متزايداً من المجتمع الدولي باتخاذ خطوات حازمة حيال مكافحة الفساد، حتى أن رئيس الناتو أعلن في الجلسة الأخيرة لوزراء خارجية دول الناتو أن دعم هذه المنظمة لأفغانستان مشروطٌ بمكافحة الفساد.
تتناولُ هذه الدراسة دورَ الأجانب في تكثير الفساد بأفغانستان، والجهودَ المبذولة حيال مكافحة فساد الأجانب في هذا البلد.
لماذا تُعتبر أفغانستان الأولى في الفساد عالمياً؟
قبل عقدٍ ونصف عندما دخلت القوات الأجنبية أفغانستان وتسلمت الحكومة الجديدة زمام السلطة، تدفق دعم المجتمع الدولي على أفغانستان لإعادة إنشاء البلد، وفي غياب المراقبة والمحاسبة وعدم وجود الشفافية في الآليات أدى تدفق مليارات الدولارات إلى إلى انتشار ظاهرة الفساد في البلد إلى الحد الذي جعل أفغانستان تحتل المركز الأولى في قائمة الدول التي ينتشر فيها الفساد حول العالم.
تزامنَ إدراج أفغانستان ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم في وقتٍ نشطت فيه مؤسساتٌ عديدة حيال مكافحة الفساد بأفغانستان، وقد صرفت الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي ملايين الدولارات لمكافحة هذه الظاهرة، إلا أنه لم يتبع ذلك حصول النتيجة المطلوبة.
أبرز أسباب تضخم ظاهرة الفساد رغم المحاولات العديدة هي ضعف الإدارة في الحكومة، وانعدام الإرادة الحازمة السياسية لاستئصال الفساد، ودعم المافيا وذوي النفوذ لرواد الفساد داخل وخارج الحكومة، ووجود دعائم قوية للمتورطين في الفساد، والدفاع عن المفسدين بدافع الانتماء العِرقي واللغوي، وعدم الشفافية في المحاسبة، وعدم التنسيق بين المؤسسات العاملة في مجال مكافحة الفساد، وعدم معاقبة المتورطين في الفساد في المراكز المخولة بذلك وخصوصاً الدوائر العدلية والقضائية. بجانب جميع ما ذُكر، كان للأجانب دورٌ ملحوظ في تكثير ظاهرة الفساد، إلا أن هذا الدور لم يحظَ بالاهتمام الكافي على المستوى الدولي.
الأجانب والفساد في أفغانستان
للفساد الموجود في أفغانستان أسباب داخلية وخارجية، إلا أن الأسباب الخارجية لها دورٌ أكبر في انتشار هذه الظاهرة. غالباً ما يُطرح موضوع الفساد في أفغانستان من قِبل الدول الغربية وخصوصاً الدول الداعمة، في حين أن هذه الدول مهّدت السبل للفساد بصرف الدعم عبر منسوبيهم وعقد الاتفاقيات الضخمة دون إذن الحكومة الأفغانية. ظهرت أكثر صور الفساد من خلال العقود التي كانت تُعقد بين الدول الداعمة وبين المسؤولين الأفغان وذويهم.
منذ بداية التواجد الأجنبي في أفغانستان كان للشعب الأفغاني وعيٌ بأن الأجانب وخصوصاً الأمريكيين يلعبون دوراً كبيراً في ظاهرة الفساد بأفغانستان، إلا أن الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي اعترف رسمياً خلال دورته الرئاسية الثانية بتورط الأجانب في الفساد وانتقدهم على ذلك. وجّه حامد كرزاي اتهاماً مباشراً للأمريكيين بالتورط في الفساد في أفغانستان.
في عام 2013 أيد والي محافظة بلْخ عطاء محمد نور تصريحات الرئيس المتضمنة اتهام الأجانب بالتورط في الفساد، وذكر أن فسادهم في ولاية بلخ فقط يبلغ عشرات ومئات ملايين الدولارات، وأن نماذج هذا الفساد تشهدُ بذلك.
طبقاً للمعلومات التي صرحت بها الولايات المتحدة الأمريكية، صرفت أمريكا خلال العقد والنصف الماضي أكثر من مئة مليار دولار لإعادة إنشاء أفغانستان، إلا أن أمريكا كانت محل انتقادٍ لأن أكثر هذه المبالغ صُرفت من قِبل الأمريكيين أنفسهم وصُرفت في أعمال ثانوية وغير أساسية.
نشر مكتب المفتش الأمريكي الخاص لإعادة إنشاء أفغانستان SIGAR بعد عام 2012 تقارير مذهلة حيال التلاعب بالدعم المُقدم من أمريكا، إلا أنه مؤخراً اعترف جون سوبكو في لقاء له مع بي بي سي أن الأجانب أيضاً وخصوصاً الأمريكان متورطون في الفساد. حسب تصريحات جون سوبكو، استطاع مكتبه استعادة 2 مليار دولار تم نهبها في مشاريع إعادة إنشاء أفغانستان، وقدم أكثر من مئة أمريكي متهمين بالفساد للعدالة، وحُكم على أكثرهم بالسجن. [1]
رغم أنه لا توجد دراسات تُظهر المعدل الدقيق للفساد الصادر من الأجانب بأفغانستان، إلا أن تورطهم بالفساد ولعبهم دوراً في تكثير ظاهرة الفساد أمرٌ لا شك فيه.
نماذج من تورط الأجانب في الفساد
- الفساد في التعاقدات الضخمة: من جملة أسباب عدم صرف دعم المجتمع الدولي في أعمال مثمرة، الفساد في التعاقدات الكبيرة والتي كانت تُعقد من قبل الأجانب أنفسهم. مثلاً، منح الجندي الأمريكي روبرت غرين 40 تعاقداً تبلغ قيمتها 3 ملايين دولار لتاجر أفغاني يُدعى حكمت الله شادمن مقابل رشورة قدرها 140000 دولار، وقد حُكم على روبرت غرين في ديسمبر/2015 بالسجن عشر سنين لتورطه في الفساد.[2] من الممكن أن يكون هناك عشرات الأمريكيين الآخرين الذين ارتشوا مقابل منح التعاقدات، لأن هذا الجندي ذكر للمحققين أنه طلب من التاجر الأفغاني الرشوةَ عندما سمع بأنه رشى جنوداً آخرين.
في سبتمبر/2011 قال وزير المالية عمر زاخيلوال أن من جملة الدعم المقدم لأفغانستان والبالغ قدره 57 مليار دولار، صُرف فقط 18% منه عبر ميزانية أفغانستان الوطنية، ومحاسبة بقية الأموال التي صُرفت من قِبل الأجانب خارج عن إمكانية الحكومة الأفغانية. ذكر وزير المالية في مارس/2013 أيضا أن مُعظم المبالغ المقدمة لأفغانستان كانت تُنقل للخارج بعد صرفها من قبل الأجانب.
- الشركات الأمنية الخاصة: مع حضور القوات الأجنبية بأفغانستان وقدوم الحكومة الجديدة، بدأت عشرات الشركات الأمنية المحلية والأجنبية عملها. في الظاهر تكفلت هذه الشركات بالمحافظة على أمن الأجانب المدربين للقوات الأفغانية، والسفارات، والقافلات اللوجستية للقوات الخارجية، والأطروحات الاقتصادية وأيضا الشركات الأهلية المحلية والأجنبية في مختلف المجالات. إلا أنه بسبب عدم مراقبة نشاطها، توغلت هذه الشركات في الفساد إضافةً إلى أعمال مشينة أخرى. على سبيل المثال، كانت هذه الشركات تقدم المبالغ للجماعات المسلحة من أجل تأمين عبور قافلات المعدات اللوجستية عبر الطرق بين المحافظات.
تسببت هذه التصرفات الغير قانونية في أن يتم إصدار المرسوم من قِبل الرئيس حامد كرزاي عام 2010 بإلغاء جميع الشركات الأمنية المحلية والأجنبية، واعتبرَها مضادة للمصالح الوطنية. اعتقد الرئيس كرزاي بأن هذه الشركات هي المصدر الرئيس للفساد في البلد.[3]
- صرف المبالغ في المشاريع الغير أساسية: على رغم تدفق الدعم من المجتمع الدولي، إلا أن أفغانستان مازالت في وضع اقتصادي متردي، ولم تُصرف أكثر المبالغ المدعومة في مشاريع البنية التحتية. أنفق الأمريكيون مليارات الدولارات في مشاريع لم يكن لها نفع مستمر لأفغانستان. من أمثلة ذلك: مشروع الكهرباء المولد من الديزل بولاية كندهار والممول من الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن في المقابل لا نجد اهتماما بتنصيب توربينات لسد ( كجكي ). في حال أنه لو تم صرف جزء من مبالغ توليد الكهرباء من الديزل في مدينة كندهار لأجل إنشاء التوربينات، لوفّر ذلك إمداد ولاية كندهار والولايات المجاورة لها بطاقة الكهرباء المستمرة.
من الأمثلة أيضا ما وثّقه مكتب SIGAR من صرف طائش لـ 34 مليون دولار من قِبل الجيش الأمريكي في ولاية هلمند. تم صرف هذا المبلغ لإنشاء مقر عسكري لا حاجة لوجوده بعد 2014، والعمل مازال مستمراً فيه.
مكافحة الفساد الصادر من الأجانب
القوات الأجنبية كانت متورطة في الفساد الإداري بأفغانستان منذ بداية تواجدها في البلد، ولكن هذه الظاهرة لم تحظ باهتمام الحكومة الأفغانية حتى الدورة الرئاسية الثانية لحامد كرزاي. صرفت القوات الأجنبية مبالغ باهظة في المناطق النائية بعيداً عن مراقبة الحكومة وبتعاقدات تخللها الكثير من الفساد.
في ديسمبر/2010 أقر الرئيس كرزاي رسميا بتورط الدول الأجنبية بجانب المسؤولين الأفغان في قضايا الفساد بأفغانستان.[4] صرحت الحكومة الأفغانية بأن الخروج من هذا المأزق يكمن في صرف الدعم الدولي عبر الحكومة وقد طُرح هذا الطلب في مؤتمر طوكيو (2012) وقُبل إلى حدٍ ما، وعُين أن يتم صرف 50% من الدعم عبر الحكومة الأفغانية.
اعتبر حامد كرزاي الشركات الأمنية الأهلية منابع للفساد أيضاً، وأصدر قراراً بإلغاء هذه الشركات منعا لأنشطتها الغير قانونية، مع أن هذه الخطوة اتُّخذت متأخراً ومن جانبٍ آخر لم يتم تنفيذها بسرعة واستغرقت وقتاً طويلاً.
الخطوة الأخرى التي تم اتخاذها تمثلت في تأسيس إدارة SIGAR من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية. تم تأسيس مكتب المفتش الأمريكي الخاص لإعادة إنشاء أفغانستان في عام 2012م لمنع الفساد في صرف الدعم الأمريكي لأفغانستان. منذ بداية عملها، كشفت هذه الإدارة عن قضايا الفساد الكبرى التي حصلت في أفغانستان، إلا أنه لوحظ السعي لأهداف سياسية أخرى في تقاريرها. مؤخراً اعترفت هذه الإدارة رسمياً بتورط الأمريكان ولعبهم دوراً كبيراً في الفساد بأفغانستان، وتمت محاكمة عدد من الأمريكيين في هذا الصدد. على سبيل المثال ذكرت هذه الإدارة أنها حصلت على 70 مليون دولار تم سرقتها من تعاقدات أمريكا داخل أفغانستان.
على الرغم مما ذُكر، لا يُرى اهتمام من قِبل الحكومة الأفغانية و الجهات الدولية بموضوع تورط الأجانب في الفساد بأفغانستان. للأجانب يدٌ في الفساد الإداري الحاصل بأفغانستان، مما يدعو إلى توليَ الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي اهتماماً أكبر بالموضوع.
النهاية
[1] بي بي سي، ” الفساد ليس فقط مشكلة أفغانية، يوجد أمريكيون متورطون أيضاً”:
http://www.bbc.com/pashto/afghanistan-38359567
[2] “أفغانستان في العقد والنصف الماضي”، التقرير التحقيقي والتحليلي الصادر من مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية حول الوضع في الخمس عشرة سنة الماضية، ص:145، طُبع عام:2016م.
[3] إصدار مرسوم إلغاء الشركات الأمنية الأهلية، شبكة أفغانستان، نُشر في 27/أسد/1389:
http://www.afghanpaper.com/nbody.php?id=13326
[4] راديو آزادي، ” موقف حامد كرزاي تغير حيال مكافحة الفساد”، نُشر في : 3/جدي/1391:
http://da.azadiradio.com/a/24806403.html