مؤتمر قلب آسيا وتأثيره على وضع المنطقة

انعقد مؤتمر قلب آسيا السادس حيال أفغانستان بحضور مندوبي 40 دولة ومنظمة دولية وإقليمية مؤيدة لعملية إسطانبول.

خلال حديثه بالمؤتمر، انتقد الرئيس الأفغاني أشرف غني باكستان بعبارات شديدة مرةً أخرى، وأضافَ: مع أن بين أفغانستان وباكستان مُعاهدات ثنائية ومتعددة الأطراف، إلا أن الدولتين في حالة حرب غير مُعلن لها.

يدرس هذا المقال خلفية وأهمية مؤتمر قلب آسيا، وعملية إسطانبول وتأثير المؤتمر الأخير على حالة المنطقة وخصوصاً التأثير على أفغانستان وعلاقاتها بباكستان.

مؤتمر قلب آسيا- عملية إسطانبول

أفغانستان دولةٌ تقع في قلب آسيا، ونظراً لموقعها تتسم بأهمية بالغة للدول بالمنطقة، واستقرار أفغانستان وأمنها له تأثير على استقرار كامل المنطقة. من هذا المنطلق تم تأسيس مؤتمر دول قلب آسيا باقتراحٍ من أفغانستان عام 2011، وتُعتبر كلٌ من أفغانستان، باكستان، أذربيجان، الصين، الهند، إيران، كازاخستان، قرغيزستان، روسيا، السعودية، طاجيكستان، تركيا، تركمنستان والإمارات العربية المتحدة أعضاء بهذا المؤتمر ويُعقد المؤتر سنوياً في إحدى هذه الدول الأعضاء.

يهدف مؤتمر قلب آسيا أو عملية إسطانبول إلى دراسة التحديات والمصالح المشتركة بين أفغانستان والدول المجاورة لها ودول المنطقة. يقوم هذا المؤتمر على ثلاثة أركان: التصويت السياسي، ترتيبات إيجاد الاعتماد والثقة، والتعاون مع المنظمات الإقليمية[1]. عملية إسطانبول أو مؤتمر قلب آسيا بالإضافة إلى 14 دولة عضو، يحوي 17 دولة مؤيدة من الدول الغربية، و 12 منظمة عالمية وإقليمية مؤيِّدة.

أول انعقاد لهذا المؤتمر كان في الثاني من نوفمبر/2011م تحت عنوان (الأمن والتعاون في قلب آسيا) بمدينة إسطانبول بتركيا.[2] الجلسة الثانية للمؤتمر كانت عام 2012 بكابل، والثالثة عام 2013 بمدينة آلماتا بكازاخستان، والرابعة عام 2014 بمدينة بكين عاصمة الصين، والخامسة عام 2015 بمدينة إسلام آباد والسادسة كانت الأسبوع الماضي (4/ديسمبر/2016) بمدينة أمريتسر في الهند.

في هذه المؤتمرات تم التأكيد على التعاون بين دول المنطقة على مختلف الأصعدة، وإيجاد طرق مؤثرة للمحادثات السياسية والتعاون الإقليمي لأجل الاستقرار والسلام بأفغانستان وجميع دول منطقة قلب آسيا، وتحسين مستوى اتصال أفغانستان في منطقة قلب آسيا، وتصعيد المحادثات والتشاور السياسي بين دول منطقة قلب آسيا لأجل استقرار المنطقة، والتعاون المتبادل لمكافحة الإرهاب والتطرف عن طريق التضامن والعمل الجماعي.

مؤتمر قلب آسيا السادس

في سادس مؤتمرات قلب آسيا، بالإضافة إلى موضوع مكافحة الإرهاب والبحث عن طرق ترسيخ السلام بأفغانستان، تم التباحث حول تحسين العلاقات الاقتصادية والتجارية بين أفغانستان والهند وجميع دول المنطقة.[3]

خلال حديثه في المؤتمر، ذكر الرئيس الأفغاني أن أفغانستان يجب أن تخرج من حالة اعتمادها على الدعم الخارجي، وذكر أن من وسائل الاكتفاء الذاتي لهذا البلد استخراج المعادن الموجودة تحت الأرض.

أضاف غني أنه بجانب الأرواح التي يخسرها الشعب الأفغاني كل يوم، هناك نحو 30 جماعة متطرفة تم تحديدها من قِبل الأمم المتحدة تسعى لإنشاء مقرات لها في أفغانستان لزعزعة أمن أفغانستان ودول المنطقة.

وانتقد غني باكستان مرة أخرى وذكر أن باكستان في حالة حرب غير معلنة مع أفغانستان، وفيما يتعلق بالدعم الباكستاني البالغ قدره 500 مليون دولار ذكر أنه من الأفضل لباكستان أن تصرف هذا المبلغ لإزالة حواضن الإرهاب الموجودة داخل باكستان بدل أن تصرفه لإعادة إنشاء أفغانستان.[4]

طالب رئيس الوزراء الهندي نريندرا مودي جميع دول المنطقة دون تحديد دولةٍ منها بإنهاء العنف والتطرف في دولهم، وأكّد على التعاون مع أفغانستان في كافة المجالات.

على هامش هذا المؤتمر، التقى الرئيس الأفغاني بسرتاج عزيز مستشار رئيس الوزراء الباكستاني في العلاقات الدولية، و نريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي وجواد ظريف وزير الخارجية الإيراني. في هذه اللقاءات أكد الرئيس غني مرة أخرى على مطالبات أفغانستان حيال ترسيخ السلام والدعم الاقتصادي، وخلال لقائه بسرتاج عزيز طلب منه أن تفيَ باكستان بالتزاماتها تجاه أفغانستان. في لقائه مع وزير الخارجية الإيراني تحدث أشرف غني عن تطوير العلاقات والتعاون الاقتصادي بين البلدين وتم تبادل الآراء حيال ذلك.

في نهاية المؤتمر تم إصدار بيان أكدت فيه جميع الدول المشاركة بأهمية المحادثات السياسية والتعاون الإقليمي النشط لأجل ترسيخ الاستقرار والسلام بأفغانستان وجميع دول منطقة قلب آسيا، وحل جميع أشكال الخلاف عبر الطرق السلمية. في هذا البيان أيضا تم التأكيد على تعزيز التعاون المتبادل بين دول منطقة قلب آسيا لأجل مكافحة الإرهاب وتم الترحيب أيضا باتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي (حكمتيار).

تأثير المؤتمر الأخير على أفغانستان والمنطقة

علاقات كابل-إسلام آباد: مرت العلاقات الأفغانية-الباكستانية بعد تأسيس حكومة الوحدة الوطنية بحالات صعود وهبوط، وإلى حين انعقاد المؤتمر المذكور بلغ جو انعدام الثقة بين البلدين ذروته. في لقائه بسرتاج عزيز على هامش مؤتمر قلب آسيا، طلب غني من سرتاج عزيز أن تفي باكستان بتعهداتها التي أبرمتها للجانب الأفغاني، وأن تساعد أفغانستان حيال ترسيخ السلام ومكافحة الإرهاب. في المقابل تعهد سرتاج عزيز بأن بلده ستساعد أفغانستان حيال مكافحة الإرهاب وترسيخ السلام والاستقرار.[5]

أثارت انتقادات أشرف غني لباكستان ورفضه للدعم البالغ قدرة 500 مليون دولار ردات فعل شديدة بين المسؤولين الباكستانيين والصحافة بباكستان. وضح سرتاج عزيز مستشار رئيس الوزراء الباكستاني أن كلام الرئيس غني إنما صدر لإرضاء الهند، وأضاف أن الهند لن تنجح في التفريق بين أفغانستان وباكستان. انتقد وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف حديث غني نقداً لاذعاً أيضا وصرح أن غني يريد أن يُحمّل باكستان مسؤولية فشله.

فيما يتعلق بمستقبل علاقات كابل-إسلام آباد وكيف ستتحسن هذه العلاقات ذكر أشرف غني لصحيفة هندية أن حكومة أفغانستان فتحت أبوابها للعلاقات الجيدة مع باكستان، إلا أن باكستان لم تستجب، والآن الأمر يرتبط بباكستان، هل ستفتح بابها للعلاقات الجيدة أم لا.

علاقات كابل-دلهي: بعد قدوم حكومة الوحدة الوطنية ضعفت علاقات كابل-دلهي إلى حدٍ ما بسبب تقارب العلاقات بين أفغانستان وباكستان، ولكن عندما يئست أفغانستان من الدعم الصادق من الجانب الباكستاني حيال عملية السلام، حسّنت علاقاتها بالهند.

خلال العام والنصف الماضي كانت العلاقات بين كابل و دلهي أفضل، وفي مؤتمر قلب آسيا واللقاء بين الرئيس غني و نيندرا مودي، تم التأكيد على تحسين علاقات كابل-دلهي أكثر وأكثر. في هذا المؤتمر احتل كلا البلدين مكانة مساوية. طالب مودي و غني في حديثهما من دول المنطقة إزالة العنف والتطرف في دولهم. مع أن أشرف غني أشار إلى باكستان تحديداً، إلا أن مودي انتقد باكستان دون ذكرٍ لاسمها.

كان للمؤتمر تأثير إيجابي أيضا على التعاون الاقتصادي بين الهند وأفغانستان، واتفق البلدان على إيجاد رواق جوي لطائرات نقل الشُّحنات، وبذلك تسهل عملية التبادل التجاري وتوصيل البضائع بين البلدين.

بشكل عام، كما تم توقعه، عزلت الهند باكستانَ مرةً أخرى في حدثٍ عالمي مهم، وما حدث في مؤتمر قلب آسيا يدل على أن أفغانستان والهند عزمتا على التعاون لمكافحة سياسات باكستان داخل أفغانستان وربما في جميع المنطقة.

النهاية

[1] Ministry of Foreign Affairs of Afghanistan, heart of Asia, Pillars, see it online: http://hoa.gov.af/299/hoa-history

[2] Ministry of Foreign Affairs of Afghanistan, heart of Asia, History, see it online: http://hoa.gov.af/299/hoa-history

[3] For further information, The Heart of Asia – Istanbul Process 6th Ministerial Conference – Amritsar Declaration, 5th December 2016, see online: http://www.mfa.gov.af/en/news/the-heart-of-asia—istanbul-process-6th-ministerial-conference

[4] Office of the President, Ashraf Ghani’s Remarks at the Heart of Asia 6th Ministerial Conference, 4th December 2016, Online:

http://president.gov.af/en/news/transcript-of-he-president-mohammad-ashraf-ghanis-remarks-heart-of-asia-6th-ministerial-conference-on-afghanistan

[5] Office of the President, See it Online: http://president.gov.af/fa/news/288314

مؤتمر قلب آسيا وتأثيره على وضع المنطقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى