العلاقات بين كابل-عشق‌آباد وأهمية سكة الحديد بين الدولتين

شارك الرئيس الأفغاني أشرف غني بالمؤتمر العالمي للمواصلات المنعقد في 26/نوفمبر/2016 بمدينة عشق آباد عاصمة تركمنستان والذي حضره بان كي مون أمين الأمم المتحدة وعدد من رؤساء الدول.

بعد قدوم حكومة الوحدة الوطنية بأفغانستان، بذل رئيس الجمهورية اهتماماً أكثر بالعلاقات الاقتصادية مع دول الإقليم والتي من ضمنها دولة تركمنستان التي تقع شمال أفغانستان. العام الماضي وتحديداً في 13/ديسمبر/2015 تم افتتاح مشروع أنبوب الغاز TAPI والذي يُعد من أهم المشاريع الاقتصادية الإقليمية، ومن المتوقع أن يتم توصيل 30مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى باكستان والهند عبر أفغانستان. في الزيارة الأخيرة للرئيس الأفغاني وبالإضافة إلى مشاركته في المؤتمر المذكور ولقائه بالمسؤولين هناك، تم افتتاح سكة حديد عطا مراد-آقينه رسمياً من قِبل رئيسي الدولتين.

يتطرق هذا المقال إلى العلاقات بين الدولتين وخصوصاً بعد تأسيس حكومة الوحدة الوطنية بأفغانستان، وأهمية سكة حديد عطا مراد- آقينه.

 

خلفية العلاقات

بمساحتها البالغة 480 ألف كيلومتر مربع، تُعتبر تركمنستان أكبر دولة في المنطقة بعد كزاخستان، وتُعتبر تركمنستان كذلك أقل دولةٍ من ناحية عدد السكان في دول آسيا الوسطى حيث يبلغ عدد السكان بتركمنستان أكثر من خمس ملايين نسمة، إلا أنه توجد أغنى آبار المصادر الطبيعية في صحاري هذا البلد وخصوصا النفط والغاز.

مع أن تركمنستان تحاذي أفغانستان بحدود مشتركة طولها 750 كيلومتر ويجمع بينها وبين أفغانستان ثقافة وتاريخ مشترك، إلا أنه في فترة تواجد الاتحاد الجماهيري السوفييتي بتركمنستان كانت العلاقات بينها وبين أفغانستان والعرقية التركمنية بأفغانستان محدودة جداً.

في العقود الأخيرة لم يكن لتركمنستان دورٌ ملحوظ في النزاعات الداخلية بأفغانستان مقارنةً بالدول الأخرى المجاورة لأفغانستان. لذا كانت العلاقات بين تركمنستان وحكومة طالبان جيدة نسبيا، وفي فترة حكم طالبان طُرحت فكرة إنشاء أنبوب غاز تركمنستان (مشروع TAPI).

بعد سقوط حكومة طالبان دخلت العلاقات بين البلدين طوراً جديداً والجزء الأهم من هذه العلاقات هي العلاقات الاقتصادية. في هذه الفترة بجانب الزيارات المتعددة من حامد كرزاي لتركمنستان، وُقعت اتفاقيات بين الدولتين وأهمها اتفاقية مشروع TAPI والذي تم توقيعه عام 2010م من قِبل رؤساء الدول الأربع (أفغانستان، وتركمنستان، وباكستان والهند).

مع كل هذا، وبالنظر في خلفية العلاقات بين أفغانستان وتركمنستان، لم تكن هناك تحالفات وعهود مشتركة مؤثرة إلى حدٍ كبير بين الدولتين، وهذه الفجوة كانت ملحوظة إلى حد ما. أفغانستان أيضا أولت اهتماما أكبر بعلاقاتها بباكستان وإيران والصين والدول الأخرى في المنطقة أكثر من اهتمامها بالدول المجاورة لشمال البلد.

حكومة الوحدة الوطنية وعلاقاتها بعشق آباد

بعد تأسيس حكومة الوحدة الوطنية اتسعت العلاقات بين أفغانستان وتركمنستان أكثر من أي وقت مضى. خلال العامين الماضيين حصلت زيارات عديدة بين مسؤولي الدولتين ووُقعت اتفاقيات مهمة بين الدولتين.

لأول مرة ترأس أشرف غني وفدا رفيعا في فبراير/2015 لزيارة تركمنستان. في تلك الزيارة الرسمية وقع الرئيسان خمس اتفاقيات تعاونية في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية وفي مجال الطاقة ومجال الرياضة.[1] عقب ذلك في تاريخ 27/أغسطس/2015 قام رئيس تركمنستان بزيارة إلى كابل ووُقعت اتفاقيات ثنائية بين الجانبين. السفر الثاني للرئيس الأفغاني أشرف غني إلى تركمنستان كان لأجل افتتاح مشروع أنبوب نقل الغاز TAPI.[2]

في سفره الأخير، شارك الرئيس الأفغاني بالمؤتمر العالمي للمواصلات وألقى كلمةً هناك، وبعد المؤتمر قابل نظيره التركمنستاني وتم النقاش حول تحسين وتعزيز العلاقات بين الدولتين.[3] في لقاء آخر منح رئيس دولة تركمنستان بردي محمدوف دكتوراه شرف رمزية للرئيس الأفغاني، وفي اليوم الثالث من الزيارة تم افتتاح سكة الحديد التي تصل بين البلدين.

في حفل افتتاح هذه السكة في بوابة آقينه الحدودية بولاية فارياب الأفغانية، قال أشرف غني أن قيمة الوقود والمحروقات ستنخفض بشكل ملحوظ بعد افتتاح هذه السكة. أضاف غني: «ارتباط آقينه بسكة الحديد الدولية في آسيا خطوة مهمة في الاتصال بين تركمنستان وأفغانستان وخطوة أكبر في سبيل تعزيز الاقتصاد في كل قارة آسيا». تكلم رئيس تركمنستان عن زيادة الطاقة المصدرة لأفغانستان وذكر أن الطاقة المصدرة من تركمنستان لأفغانستان سترتفع من معدلها الحالي: 100 ميقا واط إلى 150 ميقا واط في العام المقبل، وفي عام 2018 ستصل إلى 300 ميقا واط.

تتضح أهمية العلاقات مع هذه الدولة من المكانة الاقتصادية لتركمنستان في الإقليم. تمتلك تركمنستان رابع أكبر مخازن الغاز بعد روسيا وإيران وقطر، وتنتج سنوياً نحو 70 إلى 80 مليار متر مكعب من الغاز، مما أدى إلى أن تلعب تركمنستان دوراً ملحوظا في معادلات الإقليم والطاقة الدولية. واضعين في الحسبان هذه المكانة وبما أن التجار الأفغان يستوردون جزءاً كبيرا من الغاز من هذه الدولة وهي إحدى الدول التي تصدر الكهرباء لأفغانستان كذلك، اهتمت حكومة الوحدة الوطنية بتركمنستان للنهوض الاقتصادي في الإقليم.

 

أهمية سكة حديد تركمنستان-أفغانستان

تم توقيع تعاقد سكة حديد (من عطا مراد بتركمنستان إلى بوابة آقينه الحدودية بأفغانسان) في عام 2013، وبتاريخ 28/نوفمبر/2016 تم افتتاح سكة الحديد في منطقة إمام نظر بتركمنستان من قِبل الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني ورئيس جمهورية تركمنستان قربانقلي بردي محمدوف، وبالتالي بدأ العمل على ثالث سكة حديد على حدود البلد.[4] يبلغ طول هذه السكة 635 كيلومتر ويقع طول 300 كيلومتر منها داخل أفغانستان، وتصل هذه السكة بين منطقة إمام نظر بتركمنستان وولاية فارياب بأفغانستان عبر بوابتي عطا مراد و آقينه الحدوديتان، وستمر السكة من مدن أندخوي، فارياب، شبرغان، مزار شريف، خلم و كندوز وستمتد إلى بوابة شيرخان وستصل هذه البوابةَ بشبكة سكك طاجيكستان الحديدية. وبالتالي تُعتبر هذه السكة جزءا من سكة الحديد الواصلة بين الدول الثلاث: تركمنستان – أفغانستان – طاجيكستان.

بما أن أفغانستان بلدٌ مُحاط باليابسة، افتتاح هذه السكة أوجد آمالا بانتهاء التعلق الكامل من جانب أفغانستان ببوابات باكستان الحدودية وإيجاد فرص تجارية وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين أفغانستان ودول الإقليم والدول الأوروبية. خلال العقد والنصف الماضي، أوقفت باكستان قافلات البضائع الواردة لأفغانستان مرات عديدة لتُعمل ضغطها الاقتصادي على أفغانستان. لذا تحولت التجارة إلى وسيلة ضغط سياسية من باكستان على الحكومة الأفغانية.

الآن مع أن أفغانستان جعلت تعاملها التجاري مع باكستان محدوداً وتستورد جزءا من بضائعها التجارية من دول آسيا الوسطى، إلا أن دولة أوزبكستان وضعت ضرائب على حاويات النفط في بوابة حيرتان الحدودية، مما تسبب في ارتفاع سعر النفط. لذا تُعتبر سكة الحديد بين أفغانستان-تركمنستان مهمةً للغاية.

من جانبٍ آخر، تُشكل سكة حديد تركمنستان-آقينه جزءا من طريق اللازورد والذي يُعتبر من أقدم طرق عبور البضائع ويُعتبر جزءا من طريق الحرير الذي له أهمية تاريخية خاصة في أفغانستان. إذا اكتمل هذا المشروع، فسيُمهد الطريق لتعزيز التبادلات التجارية بين الدول النامية والدول المتقدمة (آسيا الوسطى و أوروبا)، ودخول أفغانسان ضمن هذا المشروع الإقليمي الكبير يُعد فرصةٌ اقتصاديةٌ ثمينة.

النهاية

[1] لمزيد من التفاصيل: “توقيع خمس اتفاقيات بين افغانستان وتركمنستان في سفر أشرف غني لعشق آباد”، 23/يناير/2015:

http://president.gov.af/fa/trips/turkmenistan

و:  http://www.farda.af/internal-news2/7037

[2]  طلوع نيوز، افتتاح مشروع TAPI:

http://www.tolonews.com/fa/business/22788-tapi-pipeline-project-inaugurated

[3]  لمزيد من التفاصيل، راجع الرابط التالي:

http://president.gov.af/fa/news/288255

[4]  الرئاسة الجمهورية، سكة حديد آسيا الدولية، افتتاح “عطا مراد إمام نظر بتركمنستان و آقينه بأفغانستان”، 28/نوفمبر/2016:

http://president.gov.af/fa/news/288261

العلاقات بين كابل-عشق‌آباد وأهمية سكة الحديد بين الدولتين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى