المقدمة
في السنوات الماضية مرت سياسة أمريكا تجاه أفغانستان بمراحل متعددة وكانت متقلبةً نوعاً ما. الرئيس الأمريكي غير سياسته حيال سحب القوات الأمريكية من أفغانستان عدة مرات، ومنذ العام الماضي بالإضافة إلى تكثير الغارات الجوية، زادت القوات الأمريكية من دورِ جنودها في ساحات الحرب. قبل عدة أشهر أرسلت القوات الأمريكية 100 جندي أمريكي إلى ولاية هلمند، وتكبدت هذه المجموعة خسائر في الأرواح في كلٍ من ولايتي هلمند و كندوز.
بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، شنت القوات الأمريكية عدداً من الهجمات التي أدت إلى مقتل و جرح العديد من الجيش الأفغاني والمدنيين في وضح النهار. قبل أيام قليلة شنت القوات الأمريكية غارةً جويةً في ولاية كندوز تسببت في مقتل أكثر من 30 مدنياً بينهم أطفال؛ إلا أن المبرر لهذه الهجمة ما زال غير واضحٍ حتى الآن، ولم تُظهر حكومة الوحدة الوطنية أي ردة فعل حازمة تجاه الهجمة.
ليس الأمر مقتصراً على كون حكومة الوحدة الوطنية لا تُسائل حيال الهجمات الطائشة التي تشنها القوات الأجنبية، بل الحكومة تواجه تحدياتٍ عديدة في ميادين أخرى. من جانبٍ آخر، وقَّعت الحكومة اتفاقية سلامٍ مع الحزب الإسلامي الأمر الذي لم تنجح الحكومة السابقة فيه رغم جهودها.
أجرى ضياء الإسلام شيراني العضو الإعلامي بمركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية لقاءً مع عبدالكريم خُرَم مدير مكتب الرئيس السابق حامد كرزاي، وإليكم تفاصيل المقابلة:
سؤالي الأول يدور حول السياسة العسكرية لأمريكا في أفغانستان، بشكل عام كيف تقيّم سياسة أمريكا العسكرية بأفغانستان ولما تتسم هذه السياسة بالتذبذب؟
الإجابة: أعتقد أن سياسات أمريكا الأساسية والرئيسية تجاه أفغانستان لم تتغير وليست متذبذبة. ربما تغيرت التفاصيل والجزئيات غير المهمة؛ إلا أن سياسة أمريكا بشكل عام وخطوطها الأساسية لم تتغير أبداً. ما أراده الأمريكان في البداية يريدونه الآن أيضاً ويسيرون إلى الأمام على نفس السياسة. على الرغم من أن التواجد الأمريكي في أفغانستان كان نتيجة حدثٍ (هجمات الحادي عشر من سبتمبر) إلا أنهم فيما بعد تابعوا أهدافهم هنا، وهذا هو ما يجعل البعض يشك أن أمريكا حتى قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر أرادت التواجد في أفغانستان.
في رأيك، والآن قد حاز دونالد ترامب السلطة في الولايات المتحدة، هل ستتغير سياسة أمريكا تجاه أفغانستان؟
الإجابة: هذه حقيقةٌ أن ترامب سياسيٌّ مختلف، إلى حد أنه لا يمثل الجمهوريين جيداً، لأن بعض قادة الجهموريين المهمين يخالفون ترامب. بإمكانك افتراض ترامب كجهة ثالثة. لذا أعتقد أن سياسة أمريكا ستتغير؛ ولكن علينا أن لا ننسى أن المؤسسات والإدارات التي تدير سياسة أمريكا الخارجية ستشرح لترامب المواضيع التي تشكل الحدود الحمراء للولايات المتحدة الأمريكية. إذا كان الهدف من الحرب الأمريكية في أفغانستان هو الوصول إلى مقصدٍ كبير، هذه المؤسسات ستوضحه لترامب وسيقبل ترامب بهذه الحرب. ومن ثَم، أعتقد أن بعض التغييرات ستطرأ، ولكن في القضايا التي تشكل مصالح حيوية للولايات المتحدة سيعدّل هو نفسَه.
إلى أي شيء يشير رجوع القوات الأمريكية إلى ساحات الحرب بأفغانستان، وتصعيد الهجمات الجوية والغارات الليلية، واستهداف القوات الأفغانية والمدنيين؟ حسب رأيك، ماذا تريد الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان؟
الإجابة: الولايات المتحدة الأمريكية لها أهدافها وهذه الأهداف تتعدى حدود أفغانستان وهي على مستوى الإقليم. تعتقد الولايات المتحدة أن استمرار الحرب ضروري للحصول على تلك الأهداف، ولهذا أبقت أمريكا القواتِ الأفغانيةَ والمعارضة المسلحةَ في حالةٍ متساوية ومتكافئة، حتى لا يهزم طرفٌ الآخرَ. أنا أعتقد أن القوات الأمريكية لم تخرج أصلاً من الحرب حتى ترجع إليه. قصارى الأمرِ هو أن الحكومة السابقة وضعت قيوداً على بعض عمليات القوات الأمريكية مثل الغارات الليلية والقصف و … إلخ. ولكن للأسف أرجع وزير الدفاع الأمريكي هذه الصلاحيات للقوات الأمريكية وللأسف فإن الحكومة الأفغانية في حالة استسلام ولم يسألها أحد هل توافق أو تخالف هذا القرار؟ وحتى لو سُئلت الحكومة فلن يكون لها رأيها المستقل؛ بل ستقبل بكل ما تُمليه عليها أمريكا. ولكننا نستطيع أن نقول إجمالاً أن الحرب لم تتوقف حقيقةً، وإنما أُعملت قيودٌ في بعض الأماكن ورُفعت هذه القيود الآن و أمريكا ما زالت تريد لهذه الحرب أن تستمر.
ذكرتَ أن للولايات المتحدة الأمريكية أهدافها في المنطقة، ما هي هذه الأهداف تحديداً؟
الإجابة: قبل ثماني سنوات، عندما حاز أوباما السلطة ذكر أن العلاقات الأمريكية الصينية موضوع قرنٍ من الزمن. الصين تتطور بسرعة وهي دولةٌ لا تقع في نطاق المدنية الغربية. التضييق على الصين وخلق حالة تمنع من ازدياد تطورها موضوع حياتيٌ للولايات المتحدة. أمريكا تعتقد أنه في حال عدم اهتمامها بالأمر فستتقدم الصين كثيراً وستفوق الولايات المتحدة؛ وبالتالي سيخلق ذلك تحدياً لأمريكا التي هي حالياً تُعتبر القوة الأعظم في العالم.
على الصعيد الآخر، مع قدوم بوتين للسلطة تقلق أمريكا من التقدم الروسي؛ لأن روسيا أيضاً حازت على مكانة و صوت و قوة فريدة على مستوى العالم، والولايات المتحدة تريد الحدّ من التقدم الروسي كذلك. في الوقت نفسه تقع جارتنا إيران في المنطقةِ ذاتِها. الهند أيضاً إذا استمرت في التطور كما هي في حركة التطور الآن فقد تصبح قوةً عظمى كذلك. لذا، الهدف الرئيسي من التواجد الأمريكي في المنطقة هو إزالة التهديدات التي تواجه السيطرة الأمريكية، و أمريكا تحاول التحكم في القُوى التي تسير نحو التقدم.
كيف سيؤثر الدور المتزايد للقوات الأمريكية في ميادين الحرب في أفغانستان على الحرب والسلام؟
الإجابة: بإدلاء التصريحات حول عودة القوات الأمريكية لميدان الحرب في أفغانستان، هم يلعبون بأذهان الأفغان. عندما رفضت الحكومة السابقة توقيع الاتفاقية الأمنية الثنائية مع الولايات المتحدة، نشروا سلسلةً من الدعايات؛ أحياناً صرحوا بأنهم سينسحبون نهائياً من أفغانستان، وأحيانا أخرى ذكروا بأنهم سيقللون عدد جنودهم في أفغانستان، إلى غير ذلك من التصريحات المشابهة. في الحقيقة هم أبداً لم يجعلوا جنودهم في حالة تعرقل الوصول إلى أهدافهم. لكن إذا قبلنا بفكرة عودتهم إلى ميدان الحرب فإن دورهم المتزايد في الحرب سيضعضع عملية السلام بلا شك.
بشكل عام علىّ أن أقول أن الولايات المتحدة لم ترد الصلح في أفغانستان إطلاقاً. لم تسمح بالصلح في أفغانستان في الماضي ولم تقترب حتى الآن من الحالة التي تجعلها تنشد الصلح لهذا البلد. حالياً هم يريدون استمرار هذه الحرب.
حسب رأيك، كيف استفادت أفغانستان من الاتفاقية الثنائية الموقعة مع الولايات المتحدة؟ وماذا كانت تأثيراتها على البلد حتى الآن؟
الإجابة: حتى الآن لم يكن لتوقيع الاتفاقية آثار إيجابية وإنما أنتجت الاتفاقية آثاراً سلبية عديدة. الحكومة الأفغانية السابقة لم توقع الاتفاقية للسبب ذاته؛ لأنه لا توجد ضمانات في الاتفاقية ونحن كنا قد توصلنا في تحليلاتنا إلى أن النتائج المستقبلية للاتفاقية ستكون سيئة جداً، وقد حصل ذلك كما توقعناه ونستطيع مشاهدة عواقب توقيع الاتفاقية اليوم.
إذا انتقلنا إلى موضوع عملية السلام، كيف يمكن أن تؤثر المصالحة التي حصلت بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي (حكمتيار) على المعارضة المسلحة والوضع الحالي بالبلد؟
الإجابة: كل خطوةٌ باتجاه السلام خطوةٌ جيدةٌ وعلينا أن نرحّب بها. المصالحة مع الحزب الإسلامي خطوةٌ جيدةٌ جداً؛ ولكنني أعتقد أن آثارها لن تصل إلى حد إيقاف الحرب. نشاهد أن الحزب الإسلامي وقّع اتفاقية السلام وأوقف إطلاق النار؛ لكن الحرب مازالت مستمرة، وأوضح مثالٍ الحربُ في كندوز التي استعرت بعد توقيع اتفاقية السلام. لذا أعتقد أن الاتفاقية لم تؤثر على الوضع الحالي.
نجحت حكومة الوحدة الوطنية في الوصول إلى اتفاقية سلام مع الحزب الإسلامي؛ بحكم كونك أحد كبار المسؤوليين في الحكومة السابقة، في رأيك لماذا أخفقت الحكومة السابقة في الوصول إلى مصالحة مع هذا الحزب؟
الإجابة: سأخبرك بقصة وستستنتج الجواب بنفسك. في 2012، قدم وفدٌ من الحزب الإسلامي إلى كابل وكنا مشغولين بالتفاوض معهم وتقاربت آراؤنا. تزامن مع ذلك وقوع هجمة انتحارية في طريق المطار وقُتل فيها عدة من العاملين في مؤسسة أجنبية. فيما بعد قيل أن التفجير حصل من قِبل امرأة شابة وتبنى متحدثٌ باسم الحزب الإسلامي يُدعى هارون زرغون التفجيرَ المذكور. الرئيس السابق وجّهني بأن أقول لوفد الحزب الإسلامي أننا نُجري محادثاتٍ للسلام وقد قدمتم برسالة السلام، والجهود تُبذل للوصول إلى المصالحة، وفي وسط المفاوضات يحصل حدثٌ كهذا ويتبناه الحزب الإسلامي؟ أجاب الوفد بأنهم سيجمعون المعلومات حيال ذلك وبعدما حصلوا على المعلومات أخبروني أن التفجير لم يكن منهم. ثم طلبنا منهم نفي تبني التفجير، ولكن نظراً لبعض قيودهم ومحدودياتهم التي لا أريد أن أعلق بها هنا لم ينفوا تبني الحادث. الموضوع المهم هو أن مفاوضات السلام كانت جارية مع الحزب الإسلامي وحصلت الهجمة الانتحارية وأُلقيت مسؤوليتها على أكتاف الحزب. الهجمة حصلت من قِبل أولئك الأجانب الذين لا يريدون لهذه المفاوضات أن تنجح. اليوم الأجانب أرادوا حصول هذه المصالحة؛ ولهذا تجد أنه في الحفل الذي عُقد في القصر الرئاسي من أجل توقيع اتفاقية السلام مع الحزب الإسلامي، جلس القادة والسياسيون المخالفون بشدة لحكمتيار صامتين عندما تحدثَ حكمتيار لمدة 45 إلى 50 دقيقة. أجزم بأنهم تم توجيههم بذلك؛ وإلا كان كل واحدٍ منهم سيرفع صوت الاعتراض. أستطيع أن أقول باختصار أن الأجانب لم يريدوا لعملية السلام أن تنجح في ذلك الوقت، ولكنهم أرادوا الأن أن تنجح المصالحةُ ووجّهوا الجميع بقبولها؛ ومازلتُ أشك أن لهم خططا من وراء ذلك أيضاً، ولكنني لا أريد أن أتحدث عنها الآن.
برأيك، بعد قدوم حكمتيار، هل ستنضم المجموعات المنفصلة من الحزب الإسلامي مرةً أخرى للحزب؟
الإجابة: في اعتقادي عندما يقدم حكمتيار إلى كابل فستجتمع كل الفصائل المنشقة من الحزب الإسلامي حوله. لأنني لا أرى أي فصيل منهم يعارض حكمتيار بشدة.
ما هي التحديات التي سيواجهها حكمتيار عندما يدخل الميدان السياسي في الوقت الراهن؟
الإجابة: بدايةً أتمنى أن لا يفعل المجتمع الدولي شيئا يحول هذه المصالحة إلى صراع. الآن نفترض أن المصالحة حصلت حقيقةً وقدم حكمتيار إلى كابل. أعتقد أنه سيواجه تحدياتٍ أساسية عديدة. مقارنةً بالوقت الذي كان فيه قائداً جهادياً أو عندما كان رئيس مجلس الوزراء في حكومة المجاهدين، الآن قد تغيرت العلاقات مع العالم.
على حكمتيار أن يعيَ هذه التغيرات ويكيّف نفسَه والحزبَ معها. ثانياً؛ حصلت تغييرات عديدة في المجتمع الأفغاني وعليه أن يكيّف نفسه مع هذه التحديات أيضاً؛ مثل حرية التعبير والمجتمع المدني وغيرها. التغيرات طرأت أيضا على المستويات الدولية مما يمكن أن يخلق له تحدياتٍ كذلك. المهمة الأخرى التي عليه أن يهتم بها – ويستطيع أداءها – هي المحافظة على الوحدة الوطنية في البلد؛ لأن الحزب الإسلامي كان حزباً شمل جميع أفغانستان واحتوى أعضاء من كل أنحاء أفغانستان. الموضوع المهم هو أن يتوخى الحذر من دسائس الولايات المتحدة حتى لا يتبدل هذا السلام إلى صراع.
حسب التحديات الحالية التي تواجه حكومة الوحدة الوطنية، كيف تقيّم مستقبلها؟
الإجابة: أعتقد أن حكومة الوحدة الوطنية يجب أن تفي أولاً بالوعود التي أبرمتها حين تشكيلها، ومن أهم هذه الوعود عقد المجلس الأعلى للشورى (مجلس لويه جركه) لتعديل الدستور من أجل إيجاد حل للتعارض الداخلي الحاصل حالياً والحالة التي تخالف الدستور الأفغاني. أولاً يجب أن يتم تحديد نوع هذه الحكومة، لأن حكومةً كهذه لم تُتوقع في الدستور الأفغاني وليست مطابقة لعُرفنا السياسي؛ إنما هي هيكلٌ حديث لا وجود له في القانون. لذا أولاً يجب حل هذا الموضوع ومن ثم يجب الاهتمام بالمواضيع المهمة الأخرى في الحكومة مثل الأمن، والوحدة الوطنية. بالنسبة لمستقبل الحكومة فأستطيع أن أقول بشكل عام أن الحكومة إذا استمرت كما هي الآن فستمر السنوات الثلاث القادمة بنفس المنوال؛ ولكن البلد والشعب الأفغاني قد يعاني من مشكلاتٍ كبيرة وسيتضرر المواطنون كثيراً.
كسؤالٍ أخير، حسب رأيك ما هي أهم خطوةٍ يجب اتخاذها لحل الوضع السياسي والأمني الحالي بأفغانستان، وكذلك الجوانب المهمة الأخرى؟
الإجابة: أعتقد أنه من أجل التخلص من الحالة الراهنة، يجب أولاً أن نصل إلى حلٍ مع الولايات المتحدة، لأن أمريكا هي السبب وراء الوضع الذي نعيشه. إلا أنه مع الأسف نرى سياسيينا من أجل اتصالهم بأمريكا وحتى لا يثيروا غضبها لا يستطيعون أن يتكلموا ضد الولايات المتحدة ويبحثون عن أسباب أخرى يبررون بها الوضع الحالي، على سبيل المثال فيما يتعلق بالتدهور الأمني يقولون بأن السبب هو ضعف التنسيق، و ظهر داعش وغير ذلك من العوامل الغير واقعية.
ولكن جميع هذه المشكلات إنما نشأت بفعل الولايات المتحدة، وعلينا أن نتحدث مع هذه الدولة. أعتقد أن علينا إخبار الأمريكان: إذا ليس بإمكانكم إحلال السلام وإيقاف الحرب وإزالة الإرهاب فهذا يعني الهزيمة؛ وإذا هُزمتم فعليكم أن تعملوا مع قادة الأفغان لإيجاد الحل؛ ولكن إذا كنتم تصرحون بأنكم نجحتم ومن جانبٍ آخر نرى كل يومٍ جماعةً مسلحة جديدة تلتحق بالميدان بالإضافة إلى سابقتها، ونرى التدهور الأمني والفقر المتزايد، عندها نستنتج أن الوضع الحالي والظروف السيئة هي ما تريدونه بأنفسكم.
النهاية.