فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وهزم منافسته هيلاري كلينتون التي كان من المتوقع فوزها، وبهذا أصبح ترامب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية.
قبل الانتخابات ومن أجل تصريحاته – خصوصاً تصريحاته السابقة حول المرأة – كان ترامب متأخرا عن هيلاري كلينتون في عدة اقتراعات؛ ومع ذلك انتصر ترامب في الانتخابات وأدهش أمريكا والعالم.
أدى فوز ترامب إلى هبوط في الأسهم التجارية المختلفة وأُقيمت مظاهرات ضده داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
ما هي أسباب خسارة هيلاري كلينتون؟ ما هي آراء الرئيس المنتخب الجديد؟ وتحديداً ما هي الخطوات التي سيتخذها حيال أفغانستان والمنطقة؟ أسئلة تم تحليلها في هذا المقال.
لم انتصر ترامب؟
الأسباب المهمة وراء إخفاق هيلاري كلينتون هي كالتالي:
أولاً؛ المصوتون البيض: يشكل الموطنون ذوو البشرة البيضاء نسبة 62% من مواطني أمريكا. صوّت 58% منهم لصالح دونالد ترامب وصوّت 37% من الأمريكيين البيض لهيلاري كلينتون. صوّت 63% من الذكور البيض لصالح ترامب بينما صوّت 31% منهم لهيلاري كلينتون. في الوقت ذاته صوّتت 53% من النساء البيض لصالح ترامب وصوتت 43% منهن لكلينتون. [1]
ثانياً: المصوتون السود والأمريكيون اللاتينيون: يُشكل السود نحو 12% من سكان أمريكا وتبلغ نسبة الأمريكيين الأسبانيين واللاتينيين 17% من مجموع السكان. رغم أن معظم هاتين العرقيتين صوّتوا لصالح كلينتون إلا أن الأصوات التي حازت عليها كلنتون أقل من الأصوات التي حاز عليها باراك أوباما في الانتخابات السابقة. صوّت 88% من السود لهيلاري كلينتون بينما صوّت 93% منهم لأوباما في الانتخابات السابقة. 65% من الأمريكيين اللاتينيين صوتوا لصالح كلينتون في حين أن 71% منهم صوتوا لصالح أوباما. [2]
ثالثاً: الأفكار الوطنية: في الوقت الراهن تتحول بوصلة توجهات العالم وخصوصاً الغرب من العولمة إلى الأفكار الوطنية. على سبيل المثال: انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (والذي حصل إلى حدٍ كبير بسبب جهود بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني الحالي والمشهور بأفكاره الوطنية القومية)، الأفكار المضادة للهجرة في أوروبا وشعبية بوتين المتزايدة في روسيا، كل هذه العوامل أثرت في الولايات المتحدة الأمريكية. بالإضافة لذلك هناك قضايا أخرى في أمريكا ساهمت في بروز مثل هذه الآراء الوطنية لدى ذوي البشرة البيضاء بشكل عام.
رابعاً؛ التحقق من بريد هيلاري كلينتون من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي: خلال عملها كوزيرة للخارجية الأمريكية، استخدمت كلينتون بريدها الشخصي في أمور حكومية. تم التحقق في الموضوع مرةً من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI؛ ولكن خلال الانتخابات أُثار القضية مرة أخرى رئيسُ مكتب التحقيقات مما كان له أثره على أفكار المصوتين.
آراء ترامب الساخنة
على الرغم من أن ترامب لاعب جديد في ميدان السياسة وعمل مسبقا في المجالات الاقتصادية ويصعب توقع آرائه وأفكاره؛ مع ذلك سنلقي نظرة على آرائه وتصريحاته التي أدلى بها خلال حملاته الانتخابية والسنوات الأخيرة حيال قضايا عديدة.
المهاجرين: تعرض ترامب لموجة انتقادات واسعة من أجل تصريحاته حيال المهاجرين في أمريكا. صرح ترامب أنه سيُخرج 11 مليون مهاجر غير مسجل من المهاجرين الموجودين في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وسيبني جداراً حدودياً بطول 1000 ميل بين أمريكا والمكسيك (في حين أنه تم هدم جدار برلين قبل عقدين ونصف)، كما ذكر أنه سيوقف استقبال المهاجرين السوريين وسيطرد لاجئيهم الموجودين وسيوقف بشكل مؤقت هجرة اللاجئين من الدول التي لها سابقةٌ في تصدير “الإرهاب”.
داعش في العراق وسوريا: في البداية اقترح ترامب أن تكون أمريكا محايدة حيال الحرب بين بشار الأسد و داعش، ومن ثم تتعامل مع الجهة التي ستبقى بعد الحرب. ولكن بعد أحداث باريس الدامية، ذكر أنه سيتخذ خطوات صارمة ضد داعش حتى لا يتمكن التنظيم من التجنيد والاستقطاب عبر الإنترنت. خلال حملته الانتخابية صرح قائلاً: «ليس لدينا خيار سوى القضاء على داعش»؛ وأيّد ترامب كذلك إرسال الجنود الأمريكيين إلى الدول الأخرى من أجل القضاء على داعش.
السعودية و إيران: تصريحات ترامب حيال السعودية وإيران أيضا مخالفة لسياسات أوباما. طالب ترامب بمضاعفة العقوبات الاقتصادية على إيران لأن إيران حسب اعتقاده كانت أكبر حامية “للإرهاب”، وكان هذا هو السبب الذي جعل وزير الخارجية الإيراني يطالب ترامب في تهنئته له على فوزه في الانتخابات بأن يبقى ملتزما بالنظم الدولية والاتفاقيات الموقّعة. هدد ترامب أيضا بأنه سيوقف شراء نفط السعودية في حال عدم مشاركة القوات السعودية في القضاء على داعش.
الصين و روسيا: تكلم ترامب كثيرا ضد الصين (وفيما بعد ضد روسيا) وكان ذلك في الغالب حيال العلاقات التجارية بين أمريكا والصين. انتقد ترامب الصين من أجل تخفيض عملتها “الين”؛ لأنه حسب نظرة الأمريكيين تكبدت أمريكا خسائر في العلاقات التجارية الثنائية بين الصين وأمريكا من أجل نزول قيمة الين. اتهم الصينَ أيضا بسرقة أعمال من الملكية الفكرية التابعة لأمريكا، ووعد بإثبات هذ الاتهام. صرح ترامب بأنه سيوجه إرشادات لمندوبي التجارة الأمريكية ومنظمة التجارة العالمية لرفع قضايا ضد الصين. على الصعيد الآخر فإن الولايات المتحدة الأمريكية اقترضت مبالغ ضخمة من الصين وصرح ترامب بأنه سيقلل هذه القروض والقروض الوطنية الأخرى وسيزيد من تواجد الجيش الأمريكي في (آسيا – المحيط الهادي)، لتصبح لأمريكا اليد العليا في المعاملات ضد الصين.
يريد ترامب تشكيل تحالف جديد مع روسيا من أجل “تقليل الخلافات” مع روسيا على أرض سوريا. بعد فوز ترامب في الانتخابات، هنّأه بوتين وأبدى أمله في أن تعمل أمريكا و روسيا معاً لأجل تطوير العلاقات وليكون لجهودهم المشتركة عواقب إيجابية لإزالة التهديدات الأمنية حول العالم.
ترامب و أفغانستان
منذ 2004، كانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها إغفال أفغانستان خلال الحملات الانتخابية. هناك أسباب عديدة لذلك، أولها أن القضايا مثل داعش، وسوريا، واللاجئين، وروسيا، والصين، والإرهاب، والهجمات “الإرهابية” التي حصلت داخل أمريكا والوضع الأمريكي الداخلي حظيت باهتمام أكبر من قضية أفغانستان. ثانياً؛ أن قضية أفغانستان بعد 15 سنة ما زالت كما كانت في 2001. بما أن الجمهوريين هم من بدؤوا هذه الحرب ولم ينجح الديمقراطيين في حلها في فترتين متتاليتين، لم يُثر أيٌ من الجانبين هذه القضية في الوقت الراهن.
على أية حال، كان لترامب تصريحات عديدة حيال أفغانستان منذ 2012. على سبيل المثال، ذكر ترامب في عام 2012 أنه سيخرج جميع القوات الأمريكية من أفغانستان. وفي عام 2013 عندما تم قتل عدد من الجنود الأمريكيين من قِبل بعض الجنود الأفغان، قال ترامب رداً على الحدث: «لننسحب من أفغانستان؛ إن جنودنا يُقتلون من قِبل أولائك الأفغان الذين درّبناهم نحن. لقد أنفقنا ملايين الدولارات هناك، هذا غير مقبول.» [3]
فيما بعد، غير ترامب رأيه وطالب بإبقاء الجنود الأمريكيين الذين يبلغ عددهم 9800 جندي في أفغانستان؛ لأن التواجد الأمريكي في أفغانستان مهم من أجل باكستان. علاوةً على ما ذُكر، صرح ترامب في 2015 بأن الحرب الأمريكية الحالية في أفغانستان لم تكن خطوة خاطئة.
سياسة أمريكا الخارجية في المستقبل
بشكل عام في كل الدول تختلف السياسات خلال فترة الحكم عن المواقف التي يتم إعلانها خلال الحملات الانتخابية. الكثير من المرشحين يبرمون وعودا كبيرة خلال حملاتهم من أجل جمع أكبر عدد من الأصوات، ولكن لا يوفون بوعودهم إلى حدٍ كبير. لذا من الممكن أن تكون تصريحات ترامب الساخنة هذه من هذا الصنف. في الوقت ذاته، لن يتمكن ترامب الذي يفتقد الخبرة السياسية والذي دخل حديثا في النظام الرئاسي الأمريكي المتصف بالبيروقراطية من تطبيق وعوده الثورية التي صرح بها خلال حملاته الانتخابية.
في خطابه بعد الفوز، تكلم ترامب عن السياسة الخارجية باختصار قائلاً: «نحن سنسير مع جميع الشعوب التي ستسير معنا. سيكون لدينا علاقات جيدة. نريد أرضية مشتركة لا عداوةً، نريد تعاوناً لا صراعاً.» [4]
مع ذلك، ستكون سياسة دونالد ترامب حيال روسيا والصين والعالم الإسلامي مختلفة عن سياسات سابقيه، وستكون إلى حدٍ ما قريبةً مما وعد به خلال حملاته الانتخابية.
في إقليمنا، سيكوّن ترامب علاقات أمريكية هندية أفضل مقارنةً بالعلاقات مع باكستان. هناك هنود مقيمون في أمريكا نشطو لصالح ترشيح ترامب وشارك هو مرة في هذه الحملات. إذا لم تتخذ أمريكا موقفا أشد حزما تجاه باكستان فإنها على الأقل لن تلطّف موقفها الحالي. وهذا هو السبب الذي من أجله صرح السفير الأمريكي في باكستان بأن سياسة أمريكا تجاه باكستان لن تتغير في حال حيازة ترامب للسلطة.
من الممكن أن تتأثر أفغانستان بسياسات أمريكا المستقبلية في ميدانيْن:
أولاً؛ الجنود الأمريكيين في أفغانستان: تصريحات ترامب التي صرح بها في الأشهر القليلة الماضية تُظهر أنه لن يسحب القوات الأمريكية من أفغانستان؛ لأن ذلك ليس من مصالح الولايات المتحدة الأمريكية. سيُبقي على 9800 جندي أمريكي في أفغانستان كما أيد هذه الخطة من قبل.
ثانيا؛ الدعم الاقتصادي الأمريكي لأفغانستان: الجانب الذي ستقلق الحكومة الأفغانية حوله أكثر هو الدعم الاقتصادي الأمريكي. من الممكن أن تشترط أمريكا شروطاً أصعب لتقديم مساعداتها في المستقبل.
النهاية.
[1] Jon Henley, White and wealthy voters gave victory to Donald Trump, exit polls show, see it online, https://www.theguardian.com/us-news/2016/nov/09/white-voters-victory-donald-trump-exit-polls
[2] ibid
[3] Jafar Haand, What Trump has said about Afghanistan, VOA, see it online: http://www.pashtovoa.com/a/donald-trump-remarks-on-afghanistan/3282242.html
[4] CNN, Here’s the full text of Donald Trump’s victory speech, see it online: http://edition.cnn.com/2016/11/09/politics/donald-trump-victory-speech/index.html