يوضح التقرير المشترك الصادر من الحكومة الأفغانية وهيئة الأمم المتحدة أن زرع الخشخاش زاد بمعدل 10% وتوليد الأفيون زاد بمعدل 43% في أفغانستان، وتُعتبر أفغانستان إحدى كبار منتجي المخدرات في العالم هذا العام أيضاً.
بعد انتشار التقرير، استدعى مجلسُ النواب وزيرَ مكافحة المخدرات ووزير الصحة ووزير الداخلية، وطرح النواب أسئلتهم حيال أسباب ازدياد أرقام إنتاج المخدرات وازدياد عدد المدمنين في البلد.[1]
مع أن الحكومة تبرز تصريحات من حين لآخر عن إنجازاتها في القبض على مهربي المخدرات وإتلاف حقول الخشخاش، إلا أن ازدياد معدل زراعة المخدرات وتوليدها وتهريبها يفيد وجود إخفاقات في أمر مكافحة المخدرات، والحكومة الأفغانية تُقر بأن مكافحتها للمخدرات في هذا العام لم تكن ناجحة.
مشكلة المخدرات مشكلة عالمية ولا توجد دولة في العالم سلمت من التبعات السلبية لهذه الظاهرة السيئة، و يُعتبر تهريب المخدرات رابع أزمة عالمية، ويبلغ عدد المدمنين في العالم أكثر من 250 مليون شخص؛ إلا أن أفغانستان إحدى الدول التي تكبدت أكبر الأضرار في هذا الصدد. من جانبٍ تُلوث هذه المشكلة سمعة أفغانستان، ومن جانبٍ آخر يزداد عدد المدمنين حيث يتعاطى المخدرات حوالي 3.5 مليون أفغاني، حالةُ 1.5 مليون منهم مثيرة للقلق.
تصاعد معدل زراعة وإنتاج المخدرات بعد عام 2001
إذا رجعنا إلى الإحصائيات الرسمية المنشورة من الجهات الرسمية وخصوصاً مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، نجد أن الأراضي المزروعة بالخشخاش في آخر سنة من حكومة طالبان كانت بمقدار 8000 هكتار، وبعد سقوط حكومة طالبان أخذ معدل زراعة الخشخاش في الصعود.
في عام 2007 بلغت زراعة الخشخاش في أفغانستان 193000 هكتار. مع أن معدل زراعة الخشخاش نزل في الأعوام من 2008 إلى 2010، إلا أن المعدل أخذ مرة أخرى في التصاعد بعدها ووصل إلى ذروته (22400 هكتار) في عام 2014، وهكذا كان أكبر معدل لزراعة الخشخاش في أفغانستان في عامي 2013 و 2014. (شكل 1). نقْص زرع الخشاش بمعدل 19% عام 2015 مقارنة بالعام السابق له لم يكن بسبب أعمال حكومة الوحدة الوطنية وإنما كان السبب الرئيس عدم مناسبة الموسم والجو، والأوبئة النباتية.[2] (شكل 1).
الشكل 1: الأراضي المزروعة بالخشخاش في أفغانستان بالهكتار (2001-2015)
المصدر: UNODC/MCN
إنتاج المخدرات أيضا أخذ حركة تصاعدية بعد سنة 2001. في عام 2001 كان إنتاج الأفيون بمقدار 185 طن، إلا أن هذا المعدل بلغ 8200 طن في عام 2007. من عام 2010 زادت الأراضي المزروعة بالخشخاش، لأن القوات الأجنبية بعد هذا العام زادت من إلقاء مبيدات الخشخاش عبر الجو إلى أن قلَّ إنتاج المخدرات إلى 3700 طن في عام 2012، والمزارعين من أجل تعويض قلة إنتاج المخدرات زادوا في الأراضي المزروعة ونتج من ذلك أن وصل معدل توليد الأفيون في أعوام 2013 و 2014 إلى 5500 و 6400 طن. (الشكل 2).
الشکل 2: إنتاج الأفيون في أفغانستان حسب الطن (2001-2015)
المصدر: UNODC/MCN
ازدياد المخدرات عام 2016
ازداد معدل زراعة وإنتاج المخدرات عام 2016 بنسبة كبيرة مقارنةً بـ 2015. في هذا العام تم زرع 201000 هكتار من الأراضي بالخشخاش في حين أن الأراضي المزروعة بالخشخاش عام 2015 كانت بمقدار 183000 هكتار، وبالتالي زاد المعدل عام 2016 بنسبة 43%.
طبق التقرير السنوي المشترك الصادر من وزارة مكافحة المخدرات بأفغانستان ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن الأفيون المستخرج من الخشخاش وصل إلى 3300 طن، إلا أن التقرير الجديد يظهر أنه تم إنتاج 4800 طن من الأفيون، بزيادة المعدل بنسبة 10% مقارنةً بالعام الماضي.[3]
أحد أسباب ازدياد زراعة الخشخاش هذا العام هو التوتر الأمني. في هلمند وحدها – وهي هذا العام من الولايات المضطربة أمنياً – زُرعت 80273 هكتار من الأراضي بالخشخاش مما يشكل 40% من كل مزارع الخشخاش بأفغانستان. في الإقليم الشمالي بأفغانستان عادت زراعة الخشخاش في ولاية جوزجان بسبب التوترات الأمنية مع أن زراعة الخشخاش في تلك الولاية كانت قد أُزيلت بالكامل. من جانبٍ آخر فإن الموسم وحالة الطقس الجيدة ساعدت على ازدياد معدل إنتاج الأفيون هذا العام.
المافيا الدولية ومخدرات أفغانستان
تُعتبر تجارة المخدرات بعد تجارة النفط والسلاح أكبر تجارةٍ على مستوى العالم.
زعمت أمريكا وحليفاتها عندما دخلت أفغانستان أن بين الإرهاب والمخدرات علاقة مباشرة، وأن إزالة الإرهاب يتوقف على منع إنتاج المخدرات في هذا البلد. ولكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو لماذا تصاعد إنتاج الأفيون في أفغانستان من عام 2001؟
على الرغم من أن أسباب ازدياد زراعة وإنتاج المخدرات خلال العقد الماضي لا تقتصر على سبب خاص؛ بل هناك عوامل داخلية وخارجية اشتركت في تهيئة الجو لذلك الازدياد؛ إلا أن أهم هذه العوامل هو انعدام الإرادة الحازمة على الصعيد الدولي والداخلي حيال المكافحة الجادة للمخدرات. ومن الأسباب الأساسية أيضا نفوذ وسلطة الأفراد المتعلقين بعصابات مافيا المخدرات.
مئات الأطنان من الهيرووين تصل إلى أماكن بعيدة مثل أوروبا عن طريق البر. ولا يمكن حدوث هذا بدون مساعدة المسؤولين الحكوميين بالدول التي تعبر منها هذه المواد للمهربين ومافيا المخدرات.
حسب إحصائيات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن دخل مخدرات أفغانستان يصل إلى 70 مليار دولار، ولا يحصل المزارعون الأفغان منها إلا على 2 مليار دولار، و يحصل المهربون وعصابات مافيا المخدرات العالمية خارج أفغانستان على 66 مليار دولار.[4]
مكافحة الحكومة الأفغانية للمخدرات
بعد سقوط حكومة طالبان تم تأسيس وزارة لمكافحة المخدرات أثناء تشكيل الحكومة الجديدة في مؤتمر بُن. في عام 2014 أعلن الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي أن مكافحة المخدرات إحدى أولويات الحكومة، وأنه يُمنع زراعة وإنتاج وتهريب المخدرات.
خلال العقد والنصف الماضي انشغلت عدة جهات بمكافحة المخدرات في أفغانستان، إلا أن أفغانستان في الحالة الراهنة تُنتج نحو 90% من الأفيون في العالم. مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات في أفغانستان، ومكتب مكافحة المخدرات التابع لوزارة الداخلية، ووزارة الصحة العامة ووزارة الزراعة جهاتٌ لها دورٌ في مكافحة المخدرات، وتقع مسؤولية تنظيم وتنسيق أعمال هذه الجهات على عاتق وزارة مكافحة المخدرات.
على الرغم من المبالغ الطائلة التي تُنفق في مكافحة المخدرات (منع زرع الخشخاش، منع إنتاج الأفيون، مكافحة المتاجرة بالمخدرات، منع تعاطي المخدرات ومعالجة المدمنين)، إلا أن الحكومة لم تنجح في هذا الصدد. حسب تقرير المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان (SIGAR) فإن الولايات المتحدة الأمريكية صرفت 7 مليارات و 600 مليون دولار من أجل مكافحة المخدرات في أفغانستان.[5] إلا أن هذه المصاريف في الدول التي تُدار من قِبل “حكومات فاشلة” مثل أفغانستان تزيد من ممتلكات المسؤولين الفاسدين في الحكومة فقط، ولا يحصل المزارعون منها على شيء.
بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أيضا لم يُبذل الاهتمام الكافي بمكافحة المخدرات وانشغلت الحكومة في الغالب بالخلافات الداخلية والتحديات الأخرى مثل الاضطراب الأمني. يزعم المجتمع الدولي والحكومة الأفغانية أن ازدياد معدل زراعة المخدرات وإنتاجها له علاقة مباشرة بالحرب والحالة الأمنية المتوترة بالبلد. لا شك أن هذه الحالة تؤثر على اتساع وازدياد زراعة المخدرات وتهريبها، ولكن للأسف يُتخذ هذا الزعم كغطاءٍ لإخفاء الإخفاقات في عملية مكافحة المخدرات.
يرجع ازدياد زراعة الخشخاش في أفغانستان لأسباب عديدة، من أهمها:
- التوتر الأمني والحرب المطولة بالبلد؛
- عدم وجود حكومة مركزية قوية ومؤيدة من قِبل المواطنين؛
- عصابات مافيا المخدرات، على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي؛
- الطلب على المخدرات، خصوصاً في الدول الغربية؛
- مساعدة التربة والعوامل الجوية على زراعة الخشخاش.
يعتقد الكثيرون أن الحكومة الأفغانية تفتقد الإرادة الحازمة حيال مكافحة المخدرات، إلا أنه بالإضافة إلى هذا العامل هناك عوامل أخرى جعلت مكافحة المخدرات تحديا صعبا مثل اختلال الحالة الأمنية في أفغانستان وعدم تطبيق القانون ودور المعارضة المسلحة في زراعة وإنتاج المخدرات في الولايات المضطربة. قدوم حكومة قوية مقتدرة على كافة أرجاء أفغانستان بإمكانه أن يكون حلاً لهذه المشكلة.
النهاية
[1] بي بي سي، استدعاء البرلمان لوزير الصحة، ووزير الداخلية ووزير مكافحة المخدرات، 24 أكتوبر 2016:
http://www.bbc.com/persian/afghanistan-37753541
[2] UNODC, Afghanistan Opium Survey 2015, see it online: https://www.unodc.org/documents/crop-monitoring/Afghanistan/Afg_Executive_summary_2015_final.pdf
[3] UNODC, Afghan opium production up 43 per cent: Survey, 23 October 2016, see it online:
[4] For further information: Weekly Analysis Issue number 74, >Afghanistan: problems in struggling against narcotics<, see it online:
https://csrsaf.org/en/blog/weekly-analysis-issue-number-74-june-7-14-2014/
[5] SIGAR, Special Report: Poppy Cultivation in Afghanistan, see it online: https://www.sigar.mil/pdf/Special%20Projects/SIGAR-15-10-SP.pdf