قام وزير الخارجية الأفغاني صلاح الدين رباني بزيارة رسمية لطهران استمرت ليومين. قابل رباني في سفره نظيره الإيراني ورئيس مجلس الشورى الإيراني ورئيس مجلس الأمن الوطني وبعض المسؤولين الإيرانيين وتباحثوا حول مواضيع سياسية وأمنية واقتصادية مختلفة إلى جانب موضوع توسيع العلاقات الثنائية.
السياسة الخارجية لحكومة الوحدة الوطنية كانت مختلفة عن السياسة الخارجية لحكومة حامد كرزاي والتي استمرت لـ 13 سنة، والسؤال المطروح في هذا الصدد هو كيف كانت علاقة حكومة الوحدة الوطنية بإيران منذ البدء؟
في هذا التحليل تم التطرق إلى ماضي العلاقات بين الدولتين، وعلاقات كابول-طهران في عاميْ حكومة الوحدة الوطنية والتحديات الموجودة أمام هذه العلاقات.
ماضي العلاقات بين طهران-كابل
تتقاسم أفغانستان وإيران علاقات قديمة تاريخية وجيدة نسبياً نظراً للحد المشترك بطول 950 كيلومتر ولما يجمع بين الدولتين من مشتركات دينية وثقافية ولغوية.
في أواخر السبعينيات من القرن الميلادي المنصرم عند هجوم الاتحاد السوفيتي على أفغانستان كانت إيران من أوائل الدول التي اعتبرت هذا الهجوم تعديا واضحاً ومخالفة صارخة لكل الأصول والمعايير الدولية واستنكرت الهجوم بشدة، وفي الوقت ذاته فتحت أبوابها الحدودية للمهاجرين الأفغان.
خلال حكم طالبان الممتد لخمس سنوات أيدت إيران الجبهة المتحدة، ومع الحضور العسكري الأمريكي وحضور قوات الناتو بأفغانستان عام 2001 عادت علاقات الدولتين مرةً أخرى إلى وضعها العادي وبدأت الزيارات الدبلوماسية بين كبار مسؤولي البلدين ورغم تواجد الأمريكي استمرت العلاقات بصورة عادية.
علاقات طهران-كابل بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية
على رغم الاختلافات في الرؤى بين جناحي حكومة الوحدة الوطنية تجاه إيران، إلا أن حكومة الوحدة الوطنية بشكلٍ عام استطاعت إلى حدٍ ما حفظَ الاتزان اللازم في سياستها الخارجية مع إيران ومنافسيها الإقليميين والدوليين على قاعدة تعاونٍ مُتبادل.
عقبَ التدهور التدريجي بالعلاقات الأفغانية الباكستانية وبروز جو انعدام الثقة بين المسؤولين الأمنيين والسياسيين للدولتين انخفضت الحركة التجارية بين أفغانستان وباكستان، وأدى العاملان المذكوران إلى ارتفاع نسبة التبادل التجاري بين إيران وأفغانستان؛ ولهذا السبب حصلت زيارات متعددة من كبار مسؤولي حكومة الوحدة الوطنية لإيران وترددت اللجان الدبلوماسية بين كابل وطهران خلال العامين الماضيين.
في مجال تنمية العلاقات التجارية بين الدولتين، تم توقيع اتفاقية ثلاثية الأطراف (اتفاقية تنمية بوابة جابهار الحدودية) بطهران وتُعتبر أحد أهم الخطوات التي اتخذتها إيران والهند وأفغانستان في سبيل تعزيز التعاون المتبادل الاقتصادي الإقليمي.
تواجد أكثر من مليونيْ مهاجر أفغاني بإيران أحد المواضيع الأخرى المهمة التي أثارت الجدل بين التكتلات السياسية للدولتين، ولكن لوحِظ في العامين الأخيرين أن إيران تسعى إلى تحويل تواجد المهاجرين الأفغان بإيران إلى إقامة قانونية أو مساعدة المهاجرين في العودة الإختيارية إلى وطنهم.
سفر وزير الخارجية الأفغاني إلى إيران
قام صلاح الدين رباني وزير الخارجية الأفغاني بزيارةٍ إلى طهران في 28 أغسطس 2016 على رأس وفد دبلوماسي عالي المستوى. كان الهدف من هذه الزيارة كما نُقل، التباحث مع وزير الخارجية الإيراني وبعض كبار المسؤولين الإيرانيين حول التعاون المتبادل في أصعدة مختلفة وخصوصاً تهريب المخدرات (وهو أمر أقلقت إيران كثيراً)، وتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي.
أبرزَ رباني في لقائه بوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أن إيران تحتل مكانة خاصة في سياسة أفغانستان الخارجية وأن لدى رئاسة حكومة الوحدة الوطنية عزم سياسي حازم يهدف إلى تنمية التعاون السياسي والأمني والاقتصادي المتبادل والحوار حول جميع المسائل المهمة على صعيد العلاقات الثنائية بين كابل وطهران.
تم التباحث أيضا في هذا اللقاء حول مواضيع التجارة والعبور (الترانزيت) بين الدولتين، منها سكة حديد (خواف-هرات) وأيضا مشاكل اللاجئين والطلبة الأفغان بإيران، وأكّد الجانبان على التعاون من أجل مزيد من التفاهم في هذه المجالات..[1]
وفي لقائه برئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، طرح وزير الخارجية الأفغاني موضوع تعزيز العلاقات بين المسؤولين والنواب البرلمانيين من أفغانستان وإيران من أجل تنمية العلاقات بين الدولتين، مما وقع موضع تأييد الطرفين.[2]
التقى أيضا رباني برئيس مجلس الأمن الوطني بإيران علي شمخاني وتباحث معه حول المخاطر الأمنية، وفي هذا الصدد أبدى الجانب الإيراني استعداده لتقديم يد العون في سبيل مكافحة الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة[3].
علاقات كابل-طهران، التحديات والفرص
من جملة التحديات التي تؤثر أحياناً على صداقة البلدين بشكلٍ سلبي: الحضور العسكري للناتو وخصوصا حضور القوات الأمريكية بأفغانستان، تقارب العلاقات الأفغانية السعودية، نشر الأفكار السياسيةالمضادة حيال المنافسات بين السعودية وإيران أو تحت مسمى السنة والشيعة، تمدد نفوذ جماعة داعش بأفغانستان وموقف إيران تجاه طالبان، زرع وتهريب المخدرات وخصوصاً في ولايات الإقليم الجنوبي الغربي بأفغانستان، تدخل إيران في المواضيع الداخلية لأفغانستان عبر دعم بعض الأحزاب والتكتلات السياسية، إرسال المهاجرين الأفغان إلى حرب سوريا وأيضا إعدام الشباب المهاجرين الأفغانيين الذين يلجؤون إلى إيران للحصول على أعمال شاقة، طرد اللاجئين الأفغان على نحوٍ مخالف لما اتفقت عليه الدولتان وبعض المسائل الأخرى[4].
في بداية حكومة الوحدة الوطنية وعندما طلبت المملكة العربية السعودية من الدول الإسلامية ومن ضمنها أفغانستان تأييد موقف المملكة حيال حربها باليمن، أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غنيتأييده لقرار الرياض بحرب الحوثيين باليمن، إلا أن غني وقع تحت ضغوط سياسية من قِبل بعض الشركاء السياسيين في حكومة الوحدة الوطنية.
التمدد الملحوظ لداعش في مختلف محافظات أفغانستان والذي يبدو من الصعب جدا على الحكومة الأفغانية أن توقفه، وانغلاق سبل الصلح والتفاهم مع هذه الجماعة ونظراً لفكر الجماعة السياسي وعقيدة داعش خصوصا تجاه الشيعة أدى إلى تغيير مواقف إيران تجاه حركة طالبان، وذلك يُشكل خطراً آخر بإمكانه أن يؤثر على علاقات الدولتين بشكل سلبي في المستقبل.
إرسال الشباب العاملين الأفغان إلى حرب سوريا من قِبل حرس الثورة الإسلامية تحت إغرائهم بوعود الإقامة الدائمة في إيران وغير ذلك مما نُشر من قِبل مراكز دولية وتُثبته الصور المنتشرة على شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام الموثقة، خطرٌ آخر كفيل بالإضرار بشكل بالغ على العلاقات الاستراتيجية بين كابل وطهران.
تفيد التقارير أن حرس الثورة الإسلامية مع بقية القوات التي تُرسل مقاتلين إلى سوريا يُرغبون الشباب الأفغاني بالانضمام إلى حرب سوريا وبعد التدريبات العسكرية اللازمة تُرسلهم إلى مدن سوريا، وإذا قُتلوا أو جُرحوا يتم نقلهم إلى إيران[5]. حسب بعض التقديرات فإن نحو 10000 إلى 12000 مواطن أفغاني يقاتلون في سوريا ضمن صفوف النظام السوري. المسؤولون الإيرانيون صرحوا بأن المواطنين الأفغان انضموا إلى حرب سوريا بناءً على رغبتهم[6]. نشرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان تقريراً يفيد أن إيران أرسلت آلاف المهاجرين الأفغان المقيمين بإيران بشكل غير قانوني إلى حرب سوريا، وهذا الأمر رُصد أيضا من قِبل الإدارات المعنية بحكومة أفغانستان[7].
مع وجود التحديات المذكورة أعلاه فإن البلدين يملكان فرصة لمنع نشوء جو انعدام الثقة السياسية، ولدى البلدين فرصة كذلك للعمل أكثر على بسط حركة التبادل التجاري عن طريق تبادل الوفود الدبلوماسية وتمهيد السبل للتطور الاقتصادي بالبلدين خصوصاً عن طريق بوابة جابهار الحدودية التي بإمكانها أن توصل أفغانستان بالسوق الدولي.
النهاية
[1] وزارة الخارجية الأفغانية «لقاء وزير الخارجية الأفغاني ونظيره الإيراني»، تاریخ النشر: Aug 29, 2016، على الرابط التالي:
http://mfa.gov.af/fa/news/foreign-ministers-of-iran-and-afghanistan-meet
[2] وزارة الخارجية الأفغانية «لقاء وزير الخارجية الأفغاني برئيس مجلس الشورى الإيراني»، تاریخ النشر: Aug 28, 2016، على الرابط التالي:
http://mfa.gov.af/fa/news/foreign-minister-meet-with-speaker-of-iran-islamic-consulatative-assembly
[3] وزارة الخارجية الأفغانية « لقاء وزير الخارجية الأفغاني برئيس مجلس شورى الأمن الوطني»، تاریخ النشر: Aug 30, 2016 ، على الرابط التالي:
http://mfa.gov.af/fa/news/foreign-minister-meet-with-iran-head-of-national-security
[4] – الفرص والتحديات أمام العلاقات الإيرانية-الأفغانية، مركز دراسات السلام العالمية (IPSC)
[5] – إشراك اللاجئين الأفغان بحرب سوريا، VOA:
http://www.darivoa.com/a/afghanistan-syria-civil-war/1916438.html
[6] إرسال الأفغان الشيعة إلى حرب سوريا من قِبل إيران، VOA:
[7]– حرب سوريا؛ الأفغان الذين يتم إرسالهم إلى حرب سوريا من قِبل إيران، بی بی سی:
http://www.bbc.com/persian/afghanistan/2016/04/160417_mar_immigration_afghan_syria_fariba
وأيضاً: أفغانستان تدرس إرسال الأفغانيين إلى حرب سوريا من قِبل إيران، بی بی سی:
http://www.bbc.com/persian/afghanistan/2016/01/160130_k05_hrw_report_about_afghan_send_to_syria