على إثر الهجوم على مدرسة تابعة للجيش والهجوم على مطار كراتشي الجوي، رأت أحزاب باكستانية سياسية وخاصة حركة إنصاف بزعامة عمران خان، ورابطة المسلمين جناح نواز، والجماعة الإسلامية وأحزاب دينية أخرى، بأن الحرب مع الإرهاب ليست حرب باكستان، بل هي حرب أمريكية تم انجرار باكستان إليها، ولذلك يكون على باكستان أن تنهج في مسير المحادثات مع حركة طالبان بدلا من تنفيذ العمليات العسكرية ضدها.
وقبل الهجوم على مطار كراتشي الجوي كان الكثير من المحللين يؤكدون على خطة المصالحة، ولكن بعد الهجوم على المطار، أيدت الأحزاب السياسية، بطريقة أو بأخرى، عمليات عسكرية قام بها الجيش الباكستاني في وزيرستان الشمالية. ولكن بعد الهجوم الأخير في باكستان ازداد النفور تجاه طالبان، ووصل الأمر برئيس وزراء باكستان أن رأى ضرورة لتوسيع نطاق العمليات العسكرية إلى مناطق في المدن والقرى أيضا.
تغير استراتجية باكستان تجاه طالبان باكستان
بعد أن أسفرت الانتخابات الباكستانية عام 2013م، فوز نواز شريف في إقليم إسلام آباد، وفوز عمران خان في إقليم بختونخواه، انطلق جدل حاد حول المحادثات السلام مع طالبان. وتم تشكيل لجنة من أناس ذوي الوجوه من أمثال مولانا سميع الحق زعيم “جمعية علماء الإسلام”، وبروفيسور إبراهيم زعيم الجماعة الإسلامية في إقليم بختونخوا.
وبدأت هذه اللجنة عملها نيابة عن الحكومة الباكستانية، واستمر الأمر لشهور عدة، إلا وفي شهر يونيو 2014م، حدث هجوم على مطار كراتشي الجوي وتبنته حركة طالبان، أمر سبب توقف عمل اللجنة. وكردة فعل لهذا الهجوم بدأ الجيش الباكستاني تنفيذ عمليات عسكرية ضد حركة طالبان في وزيرستان، وهي عمليات تستمر حتى الآن، وعلى حد قول متحدث الجيش لقي إلى الآن 2100 عنصر من حركة طالبان مصرعهم فيها.
إلى جانب ذلك، كانت هناك أحزاب سياسية أخرى تناويء عمليات الجيش العسكرية، وكانت ترى حل الأزمة في المفاوضات. ولكن بعد حادث بيشاور ظهر تغيير واضح في سياسة إسلام آباد من جهة، ومن جهة أخرى اتفقت الأحزاب السياسية والشعبية على عمليات الجيش.
وكانت من قبل ذلك موقف الحكومة الباكستانية، والجيش والأحزاب السياسية مترددة تجاه حركة طالبان، وكان الموقف بين تنفيذ العمليات العسكرية من جانب وإجراء محادث السلام من جانب.
وبعد الحادث الأخير قررت باكستان الخطوات التالية:
- وضع استراتيجية مشتركة ضد الإرهاب.
- رفع منع حضر الإعدام.
- الجسارة في العمليات العسكرية.
- إحداث محاكم عسكرية.
- التعاون المشترك مع الحكومة الأفغانية والناتو.
- استراتيجية مشتركة ضد الإرهاب
حدث هجوم بيشاور في وقت، كانت حركة إنصاف في اعتصام طويل على إثر ما سمتها التزوير في الانتخابات، وكان ذلك اليوم الـ125، من الاعتصام، ولكن بعد الحادث أوقفت الحركة اعتصامها، وشارك زعيمها عمران خان في مؤتمر للأحزاب ترأسَه رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف.
وفي هذا المؤتمر اختير من كل حزب شخص، وتم تشكيل لجنة فيها أعضاء من المؤسسة الأمنية والعسكرية، تكون مهمتها وضع استراتجية ضد الإرهاب يقدمها لرئيس الوزراء خلال أسبوع.
وبناءً على خطة هذه اللجنة، يتم وضع خطة جامعة ضد حركة طالبان باكستان، تشمل عدم قيام الإعلام بنشر أخبار طالبان بشكل كبير، وتنفيذ عمليات ضد طالبان وضد من يؤيد طالبان.
- رفع منع حضر الإعدام
بعد حادث بيشاور قام رئيس وزراء البلد برفع الحضر الموضوع على تنفيذ الإعدام، وبالفعل تم إعدام ستة محكومين عليهم بالإعدام. وعلى حد قول شودري نثار علي وزير الداخلية الباكستاني، سيتم إعدام عدد آخر شاركوا في أعمال تدميرية.
- الجسارة في العمليات العسكرية
قبل أن تمر 24 ساعة على حادث بيشارو قامت القوات الباكستانية بتنفيذ 57 عملية عسكرية في المناطق القبلية ضد حركة طالبان، وبدأ الجيش بعمليات أخرى في “مقاطعة خيبر”، باسم الخيبر الأول.
- إحداث المحاكم العسكرية
وتحتوي خطة اللجنة التي يشرف عليها شودري نثار علي وزير الداخلية الباكستاني، إحداث محاكم عسكرية تتم فيها محاكمة كل من يشارك في عمليات ضد الجيش. مع أن ثلاثة أحزاب باكستانية سياسية، (الحزب القومي العام)، و(الحركة القومية المتحدة)، و(الجماعة الإسلامية)، خالفت هذه الخطة، إلا أن ثلاثة أحزب رئيسية (رابطة المسلمين، جناح نواز)، و(حزب الشعب)، و(حركة إنصاف)، تؤيدها. وليس في الدستور الباكستاني ما يخص ذلك، ولذلك فإن هذه الخطة تستلزم تعديلا دستوريا أيضا.
- التعاون المشترك مع الحكومة الأفغانية والناتو في العمليات العسكرية
بعد هجوم بيشاور، زار راحيل شريف رئيس أركان الجيش الباكستاني ورضوان أختر رئيس “آي ايس آي”، العاصمة الأفغانية كابول، وقابلا الرئيس الأفغاني، ورئيس أركان الجيش الأفغاني وقائد قوات الناتو في أفغانستان. يقال إن راحيل شريف قدم للرئيس الأفغاني شواهد تدل على أن هجوم بيشاور تم التخطيط لها من أفغانستان. وطلب راحيل شريف من الرئيس الأفغاني ومن قوات الناتو إجراء عمليات ضد حركة طالبان باكستان.
“لقد تغيرت باكستان”
في 24 من ديسمبر 2014م، وأثناء خطابه للشعب حول مكافحة الإرهاب قال نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني، لقد تغيرت باكستان! وأوضح في هذا الخطاب خطته للمكافحة الإرهاب. ولخّص ذلك في 21 نقطة، نسرد هنا أهم ما ورد فيها:
- ستقوم الحكومة بإعدام كل من شارك في أعمال تخريبية، وأصدر الحكم بإعدامه.
- من يشارك في الأعمال التخريبية يُعامل حسب القانون العسكري.
- سوف تُرفع خطوات جادة بشأن الصحف التي تبث الطائفية.
- سيتم تسجيل المدارس الدينية.
- يمنع إشهار من يقوم بأعمال تخريبية.
- يرجع النازحون إلى بيوتهم، وتُطلق مشارع إعمارية في المناطق القبلية.
- يتم حضر الأنشطة التخريبية من على مواقع التواصل الاجتماعي، (كفيس بوك وتويتر).
- تُرفع خطوات جادة ضد المتطرفين في بعض مناطق في إقليم بنجاب.
- ستتم العمليات الجارية في كراتشي.
- يتم وضع خطة شاملة لعودة المهاجرين الأفغان.
استراتيجة باكستان تجاه طالبان أفغانستان
مع أن الموقف الباكستاني تجاه طالبان باكستان تغير واضحا بعد الهجوم الأخير، ولكن السؤال يقول: هل ستتغير استراتيجية باكستان تجاه طالبان أفغانستان أيضا؟
تزامنا مع تشكيل الحكومة الأفغانية الجديدة، فتحت كابول بابا جديدا لعلاقاتها مع إسلام آباد واتخذ الرئيس الأفغاني موقفا أكثر مرونة تجاه باكستان من ذي قبل، وقلص بذلك من وتيرة القلق الباكستاني، وجلعها تنظر إلى الجهود الأفغانية بعين التقدير.
يبدو من موقف الرئيس الأفغاني المرن ومن التنازات التي دُفعت للجانب الباكستاني، أن الأخير تعهد للجانب الأفغاني بالتالي:
أولا: إما تقوم باكستان بدفع طالبان أفغانستان نحو محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية، وإما تنفذ عمليات ضدهم وخاصة ضد شبكة “الحقاني”.
ثانيا: لا تترك باكستان طالبان أفغانستان بأن يستغلوا الأراضي الباكستانية لتخطيط هجمات ضد أفغانستان.
وبهذا الخصوص قال نواز شريف في خطابه الأخير إنه لا يسمح لأحد أن يستغل الأراضي الباكستانية ضد أفغانستان، ومن يقوم بذلك ستعاقبه الحكومة الباكستانية شديدا.
يبدو من موقف رئيس وزراء باكستان، كما من زيارات المسؤولين الباكستانيين ومن تصريحات المسؤولين الأفغان، بأن باكستان تكون على وشك أن تغيّر استراتجيتها تجاه طالبان أفغانستان، ويتوقع المسؤولون الأفغان حدوث تغيير في السياسة الباكستانية خلال الأشهر القادمة. النهاية