أعد القسم الاستخباري[1]، لمجلس الشيوخ الأمريكي تقريرا في 6000 صفحة، يتحدث بشكل عام عن قيام “سي آي أيه”، بتعذيب السجناء. وفي 9 من ديسمبر/كانول الأول 2014م، قام “دايان فاينستاين”، مسؤول القسم الاستخباري، بنشر هذا التقرير الطويل في 525 صفحة[2].
وبما أن أمريكا لم تكشف عن مجموع 6000 صفحات للتقرير، فإنها إشارة واضحة إلى العمق الشنيع لأنواع من التعذيب تقوم به المؤسسات الأمريكية بحق السجناء. وفيما خرج من التقرير تم إدراج قليل مما فُعل بحق السجناء، ولكن هذا القليل وضع على المستوى العالمي وصمة عار في الوجه الأمريكي.
خلفية التقرير وأسلوب البحث
عندما تم استهداف برجي التجارة في نيويورك في سبتمر 2001م، من قبل تنظيم القاعدة، أصدر الرئيس الأمريكي في 17 من سبتمر، قرارا لـ”سي آي أيه”، سمح به التعذيب والاستجواب للمخابرات.
وبناءً على هذه الخطة، تم تعذيب 113 شخصا، حتى عام 2004م، وفي عام 2005م، عُذّب 5 أشخاص، فيما تم تعذيب شخص عام 2006م وتعذيب شخص آخر عام 2007م، ووصل العدد 119 معذبا.
وأجري التعذيب الأخير من هذه الخطة عام 2007م في 8 من شهر نوفمبر، وبعد أبريل 2008م، لم يكن لدى “سي آي أيه”، أي أحد للتعذيب، لأن مجلس الشيوخ الأمريكي يدعي توقف هذه الخطة عام 2007م. ولكن الحقيقة لا تزال غامضة، ولا ندري إن كانت القوات الأمريكية تستغل هذا الأسلوب للنيل على المعلومات أم لا؟
وبدأ القسم الاستخباري في مجلس الشيوخ الأمريكي، تحليله بشأن التعذيب والاستجواب في “سي آي أيه”، في شهر مارس 2009م، وعلى حد قول مسؤول القسم، بُني الاستقصاء على فيديوهات نشرت عام 2007م، بخصوص تعذيب السجناء وترهيبهم من قبل المخابرات الأمريكية[3].
وبشكل عام يتناول التقرير تعذيب السجناء من قبل “سي آي أيه”، بعد أحداث سبتمبر 2001م، وله 2794 مراجع.
وقام المسؤولون في القسم الاستخباري في مجلس الشيوخ الأمريكي، منذ 2009م، حتى 2012م، بدراسة أكثر من 6 مليون مواد معلوماتية، وتقارير استخبارية وعملياتية، ومذكرات ورسائل البريد الإلكتروني، وبقية مواد احتوت على معلومات كثيرة، وبنوا على ذلك هذا التقرير المنشور. وبشكل عام تم ترتيب التقرير مباشرة بالحصول على المعلومات من المصادر الأولية.
تم إعداد المسودة الأولى من التقرير في شهر اكتوبر عام 2011م، وفي ديسمبر 2012م، انتهى إعداد التقرير نفسه. وفي أبريل 2014م، قرر مجلس الشيوخ الأمريكي إرسال التقرير مع استنتاج ومقدمة إلى الرئيس الأمريكي، ليصدر الرئيس قرارا بنشر التقرير.
استنتاج التقرير
وتتحدث 19 صفحة من التقرير حول النتائج والآثار وتتخلص كالتالي:
- أسلوب “سي آي أيه”، في الاستجواب وأخذ المعلومات والتعاون كان غير مجديا.
- رغم التعذيب الشديد والتحقيق العنيف لم تحصل “سي آي أيه”، على المعلومات المطلوبة.
- مستوى التعذيب كان أعنف مما أخبرت به “سي آي أيه”، للجهات الصانعة للقرار.
- أوضاع السجناء ظلت مأساوية أكثر مما كانت “سي آي أيه”، تخبر صناع القرار.
- أعطت “سي آي أيه”، للمؤسسات القضائية الأمريكية، معلومات خاطئة بشأن برنامج الاستجواب، وأخيرا سبب الأمر عرقلة أمام التحليل القانوني.
- عملت “سي آي أيه”، على إخفاء البرنامج من مراقبة الكونغرس، أو حالت دون ذلك.
- حالت “سي آي أيه”، دون مراقبة جادة من قبل البيت الأبيض.
- كانت برامج “سي آي أيه” الإدارية والعملياتية معقدة وعرقلت أحيانا عمل المؤسسات الأمنية.
- قامت “سي آي أيه”، بمنع المراقبة لمراقبها العام.
- أرسلت “سي آي أيه”، معلومات خادعة إلى وسائل الإعلام بشأن أثر تعذيبها على السجناء.
- عندما سُمح لـ”سي آي أيه”، للبدء بخطة الاستجواب، لم يكن لديها استعداد حتى بعد ستة شهور.
- كان لدى فريق العمل الخاص بالخطة نقائص كثيرة، خاصة خلال عامي 2002م و2003م.
- اخترع خطة التعذيب متعاقدان من مجال علم النفس، ولم يكن لديهما تجربة التحقيق ولا معلومات دقيقة حول القاعدة، والحال أن المتعاقدين شاركا بشكل أساسي في تحليل عمليات “سي آي أيه”، وبرامج الاستجواب.
- إن الأسلوب المروع الذي نهجته “سي آي أيه”، في تعذيب السجناء لم يكن مسموحا به من قبل المؤسسات القضائية الأمريكية ولا من قبل إدراة “سي آي أيه”، المركزية.
- لم تعد “سي آي أيه”، أي سجل للسجناء الذين تم تعذيبهم، كما لم تعد أي سجل للذين لم تحكم المعايير بتعذيبهم. لذلك إن تصريح “سي آي أيه”، حول الذين تم تعذيبهم والذين لم يتم تعذيبهم يبقى غير دقيق.
- لم تتمكن “سي آي أيه”، من مناقشة آثار وأساليب التعذيب الذي قامت به.
- قامت “سي آي أيه”، بشكل ضيئل بمحاسبة الذين ناقضوا الأسلوب، أو عملوا خارج القانون أو فشلوا في إجراء العمل الإداري والشخصي.
- هناك انتقادات داخلية كثيرة حول خطة الاستجواب، تجاهلتها “سي آي أيه”.
- انتهت خطة الاستجواب والتعذيب لـ”سي آي أيه”، عام 2006، على إثر المعلومات المسربة إلى وسائل الإعلام وما قامت به بعض الدول من ضغط عليها.
- سببت هذه الخطة التي سارت عليها “سي آي أيه”، ضربة لمكانة أمريكا العالمية، كما سببت خسارة مادية وغير مادية[4]،[5].
طرق تعذيب سي آي أيه:
أبو زبيدة كان أول من قامت “سي آي أيه”، بتعذيبه، وكانت القوات الباكستانية ألقت القبض عليه في باكستان وسلّمته لأمريكا. يقال إن القوات الأمريكية احتفظت به في سجن بغرام في أفغانستان. وكانت “سي آي أيه”، تعذبه يوميا وأسبوعيا. وكان العذيب يشمل ضربه، وضرب رأسه بالجدار، وإبقائه ساهرا لمدة طويلة.
كان من أساليب تعذيب السجناء لدى “سي آي أيه”، الإغراق الاصطناعي، وهو عمل مضر للغاية، يؤكد التقرير أثره الشديد على أبي زبيدة وأنه كان يستفرغ نتيجة ذلك. وبناءً على سجلات داخلية لـ”سي آي أيه”، وصل الأمر بخالد شيخ محمد، عدة مرات، إلى وشك الغرق الحقيقي[6].
وكان من أساليب التعذيب إبقاء السجين ساهرا، ويصل الأمر إلى 180 ساعات من السهر، وكانوا يوقفون السجين في هذه الحالة أو يربطون أيديه على رأسه. الإيقاف في الماء البارد، والعظام المكسّر، واغتصاب السجناء وغيرها من الأعمال غير الإنسانية كانت على قائمة التعذيب.
مع أن الأمريكان يؤكدون انتحار 7 أشخاص حتى عام 2012م، على إثر هذا التعذيب، إلى أن الأمر يبقى غامضا إن كان أولئك قتلوا أنفسهم أم استشهدوا؟ وقد استشهد في 20 من نوفمبر عام 2002م، كل رحمان الأفغاني على إثر تعذيبه المروع من قبل الأمريكان.
تعذيب “سي آي أيه”، وحقوق الإنسان
تعرف المادة الأولى من قانون الأمم المتحدة[7]، التعذيبَ كألم جسمي أو روحي يُعمله الجانب الثالث من أجل الحصول على معلومات. وتنص المادة الثانية لهذا القانون على منع هذا التعذيب من قبل المؤسسات القضائية والتنفيذية والإدارية في أي دولة.
ويمكن لنا أن نلخص أهداف هذا القانون في هدفين: أولا منع التعذيب وثانيا معاقبة من يقوم به.
هذا القانون الذي وقّعته كثير من الدول وفيها أمريكا، وصوّبه عام 1994م، بناءً عليه نقضت أمريكا حقوق الإنسان، وحقوق السجناء، وانتهك قانون الأمم المتحدة وعليها محاكمة الذين قاموا بهذا العمل الشنيع[8].
أمريكا في حرب مع قيمها!
يعتبر الإعلام الأمريكي والمسؤولون الأمريكيون، الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحرية، والقيم الإخلاقية من قيم أمريكا. ولكن ما هي صداقة أمريكا تجاه هذه القيم؟ لو ننظر إلى العقد الماض فقط، ندرك أن أمريكا حاربت قيمها هذه –إن كانت لأمريكا حقا أي قيم-.
فإنها من جانب تدعي الديمقراطية، وتحارب من يشكل خطرا لمصالحها، وتنتقد روسيا، والصين، وكوريا الشمالية وإيران لعدم مراعاة الديمقراطية، ولكنها تدعم في مصر انقلابا عسكريا ضد رئيس منتخب.
أمريكا تعتبر التدخل الروسي في أوكرانيا نقضا للسيادة الأوكرانية من جهة، ومن جهة أخرى تقوم في القرن الحادي والعشرين باحتلال أفغانستان والعراق، وتقوم أثناء الربيع العربي بالتدخل العسكري في ليبيا ودول أخرى. أ ليست هذه المواقف الأمريكية تدخلا في شؤون تلك الدول؟
أمريكا ترفع شعار حقوق الإنسان، وتنتقد كوريا الشمالية، وإيران، وروسيا، والصين، ودولا أخرى من أجل ذلك، وفي نفس الوقت تقوم بأعمال شنيعة في سجون أبو غريب، وبغرام، وغوانتانامو، وهي أعمال تبقى إلى الأبد وصمة عار للوجه الأمريكي. وقد ظهر للعالم كله، بأن أمريكا ليست لديها أي قيم. النهاية.
[1] United States Senate Select Committee on Intelligence
[2] مقدمة “فاينساين” 6 صفحات، استنتاج التقرير 9 صفحات، متن التقرير 499 ومجموع الصحفات 525 صفحة.
[3] مقدمة مسؤول اللجنة الاستخبارية- الصفحة 1.
[4] بناءً على تقرير مجلس الشيوخ صرفت أمريكا لهذه الخطة 300 مليون دولار، وأما تدهور العلاقات الأمريكية مع حلفائها يعتبر خسارة غير مادية كبيرة.
[5] صفحات (9-25) من التقرير، الرابط التالي:
Committee Study of the Central Intelligence Agency’s Detention and Interrogation Program (Pages: 9-25)
[6] أرجعت المعلومة في التقرير إلى بريد إلكتروني، من دون كشف المصدر، الرابط التالي:
Committee study of the Central Intelligence Agency’s Detention and Interrogation Program (Pp: 10-25)
[7] Convention against torture and other cruel, inhuman or degrading treatment or punishment
[8] رفعت الأمم المتحدة صوتا مناهضا، مطالبة تعذيب الذين قاموا بهذه الخطة، المقال في الرابط التالي:
http://www.hrw.org/news/2014/12/13/cia-torturers-should-be-prosecuted