مضت عدة شهور على تشكيل الحكومة الجديدة في أفغانستان، وصوت البرلمان لصالح وزير الخارجية الأفغاني أيضا. مع أن أفغانستان تواجه حاليا مشاكل وتحديات كثيرة في مجال السياسة الخارجية، وهي أحوج ما تكون من أي وقت آخر إلى خطة استراتيجية، إلا أنه ليس معلوما ما يستطيع أن يقوم به وزير الخارجية في الحكومة الائتلافية.
تحتاج أفغانستان الآن إلى خطة استراتيجية تضمن مصالحها العليا، وتوفر للسياسة الخارجية استقرارا، وأن تحفظها من التغيّرات. وقد جرّبت أفغانسان في العقد الماض نقائص عدة في سياستها الخارجية وفشلت في أمور كثيرة.
نقائص السياسة الخارجية 2001م-2014م
لو ننظر إلى إخفاقات السياسة الخارجية الأفغانية طيلة 13 سنة مضت، ندرك أن عوامل هذا الفشل كان في التالي:
- السياسة المتغيرة
- العلاقات السيئة مع الجيران
- عدم وجود توازن في العلاقة مع الجيران والقوى الإقليمية.
- عدم وجود خطة استراتيجية.
ويكمن السبب الأساسي في عدم وجود توازن بين العلاقات السياسية مع الدول الأخرى في السياسة المتغيرة وفي الإرتكان إلى قرارات قصيرة المدى لحل القضايا.
وقد عُززت العلاقة مع الصين وروسيا بعد أن سائت مع أمريكا بعد عامي 2008م، و2009م، وقد كان لهاتين الدولتين دور حيوي في أفغانستان، وكان من الضروري بناء علاقة معهما. مع أن روسيا والصين كانتا تنويان تعزيز العلاقة مع أفغانستان بعد 2001م، إلا أن السيطرة الأمريكية في الأمور كلها همشت دورهما في أفغانستان.
وبعد تدهور العلاقة بين كرزاي، وأوباما وهالبروك، توجه كرزاي في محاولة منه نحو روسيا وقدّم رسالة لميدويدوف وقام بعده بزيارات كثيرة إلى الصين وروسيا، أمر لعب دورا في تحسين العلاقة بين هذه الدول. وبعد أن عُقدت جلسة خاصة لـ”منظمة شانغهاي للتعاون”، عام 2009م، عفت روسيا جميع القروض الماضية لأفغانستان، وأبدت الدولتان جاهزية لتدشين مشارع جديدة في أفغانستان. وفي عام 2012م، زار الرجل الثان في الحزب الشيوعي أفغانستان وفي نفس العام مُنح لأفغانستان كرسي العضو المراقب في المنظمة.
ومن جهة أخرى بدلا من تحسن العلاقات مع الدول الجارة وخاصة مع باكستان، ساءت الأمور أكثر من ذي قبل، وسبب ذلك عدم توازن في السياسة الخارجية مع دول المنطقة والدول الجارة.
إضافة إلى ذلك، عدم وجود خطة استراتيجية في بضع سنوات مضت، أحدث كثيرا من الأزمات في السياسة الأفغانية الخارجية، وأشار إلى ذلك الرئيس التنفيذي في حفل إعلان وزير الخارجية، وأبدى أملا في إعداد خطة استراتيجية.
ما هي الخطة الاستراتيجية؟
تعني الخطة الاستراتيجية، تعريف المسيرة السياسة، وإعداد الآليات للمراقبة على السياسة، وكما تعني تنفيذ الخطة. وفي السياسة الخارجية تحتل الخطة الاستراتيجية مكانة عالية، لأن تعريف السياسة، يكون “إجراء المصالح العليا”، فتكون هناك ضرورة للأساليب التي تساعدنا على أن نحصل على المصالح العليا وهي تكون الاستراتيجي. ويمكن للاستراتيجي أن يتغير مع الزمن، لأن الخطط الاستراتيجية تكون قصيرة المدى، كما تكون طويلة المدى وكما تكون بين الاثنين.
وكتب وزير سابق في الخارجة الأمريكية في كتابه حول الخطة الاستراتيجية: “رؤية المستقبل، ليس المستقبل القريب، بل الرؤية التي تفوق رؤية الرجال الدبلوماسيين والتي لا تكون بعدها رؤية، رؤية مستقبل الأحداث الموجودة، إعداد الخطة لها، وتقييم السياسة الحالية[1].
الأمور الخارجية والخطة الاستراتيجية
وينبغي أثناء إعداد الخطة الاستراتيجة مراعاة ثلاثة نقاط:
- التحديات الخارجية
- التحديات الداخلية
- الرسوم الأفغانية
التحديات الخارجية التي تواجه خارجية البلد، اللعبة الجارية الكبرى خارج أفغانستان، ومعها المصالح المشتركة للدول الأخرى. على سبيل المثال ينبغي لأفغانستان أن تعمل على خط يقربها من مصالح عبر أنابيت النفط، وطريق الحرير، ونقل الأمتعة، وأن لا تصبح ميدان لمصالح الآخرين فحسب. وعلى أفغانستان أن تبني ثقة لصوتها أمام الدول.
وتتلخص التحديات الداخلية التي تواجه الأمور الخارجية في الاضطرابات الأمنية، وملف السلام، غياب المفاوضات مع المعارضة المسحلة، والفساد الإداري. وتأتي هذه الأمور في التحديات الداخلية للأمور الخارجية لأنها تؤثر على موقف الدول المستثمرة في أفغانستان والتي يكون لاستثمارها في البلد أثر كبير على الاقتصاد الأفغاني. عندما لا يمكن للحكومة الأفغانية أن تدشن مشارع تجارية وصناعية في البلد تكون هنا ضرورة للاستثمار الخارجي والذي يتطلب بشكل طبيعي الاستقرار والأمن.
إلى جانب ذلك ينبغي في الخطة الاستراتيجية مراعاة الرسوم الأفغانية، وخاصة تلك الخطط التي بُنيت على الرسوم الأفغانية المؤثرة على الخارجية السياسية، ونذكر منها سياسة الحياد. إن العالم اليوم ليس قطبا واحدا كما ليس قطبان اثنان، بل هو عالم الأقطاب والقوى الكثيرة، فعل أفغانستان أن لا تربط نفسها بطرف واحد فقط.
تحتاج أفغانستان حاليا إلى المساعدات الغربية والدعم السياسي، كما تحتاج إلى الاستثمار الصيني. وهناك ضرورة للعلاقة مع روسيا القوة التي أخذت مكانة كبيرة في العالم من جديد، وهناك ضرورة للمساعدات الهندية القوة الاقتصادية الكبيرة، وفي كل هذه الحالات يتحتم الحفاظ على السيادة الوطنية وعلى حرية البلد.
إن أهم عنصر في الخطة الاستراتيجية هو عدم أخذ القرار بشأن القضايا الكبيرة بعدم البصيرة. كما أن الاتفاقية الأمنية مع أمريكا تم توقيعها بتوقعات الأمن والدعم الاستراتيجي ولكن من دون بصيرة في الأمر، لأن الشهور الماضية أظهرت أن هذا الأمر لم ينفع أفغانستان بل جعلها أكثر من ذي قبل ميدانا لمعارك الدول الأخرى.
وفّرت الحكومة الائتلافية الأفغانية وثيقة لبقاء القوات الأمريكية طويلا في أفغانستان، وبجانب نقض سيادتها الوطنية منحت للمعارضة المسلحة جوازا للحرب، وأما تصريحات[2] أشتن كارتر متحدث وزارة الدفاع الأمريكي تشطب جميع خطط وزارة الخارجية الأفغانية إذ صرّح: “في حال تدهور الأوضاع في أفغانستان، تسحب أمريكا قواتها منها”. فإن توقيع الاتفاقية الأمنية عرقلت عملية السلام من جانب وأثارت قلقا لدى دول المنطقة من جهة أخرى[3].
المقترحات:
- على الحكومة الأفغانية أن تضع خطة استراتيجية على أمد قصير ومتوسط وطويل، كي نسيّر من جانب سياستنا نحو استقرار ومن جانب آخر ننفذ مصالحنا في كل مجال.
- ينبغي أن توضع الخطة في ضوء التحديات الداخلية والأجنبية، والتهديدات والاضطرابات.
- وعلى الخطة أن تحتوي طريقة انتخاب الدبلوماسيين الأفغان أن يكون عبر منافسة تظهر قدراتهم، وأن تشمل طريقة تفصيلية لهذا الانتخاب.
- أن يكون في مقايس هذه الخطة، فهم دبلوماسي واحد أكثر مما مضى.
- لا ينبغي لصناع القرار في أفغانستان أن يتجاهلوا ما بين الهند وباكستان من المنافسة، وأن يدركوا أهمية البلدين في أفغانستان. ينبغي أن تكون الخطة بطريقة تجعل البلدين يتعاونان في أفغانستان بدلا من إجراء منافسة وحرب نيابية[4].
- وأن تحث الخطة على تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية مع دول العالم وخاصة مع الدول الجارة. النهاية
[1] Dean Acheson, Present at the Creation (New York: W.W. Norton, 1969), p. 214.
[2] قال كارتر في إجابة على سؤال لعضو في لجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ الأمريكي: “في حال تدهور الأوضاع هناك، نفكر بالجاد بسحب قواتنا”. صحيفة ويسا، 4فبرابر2015، الصفحة الأولى.
[3] أعلنت أمريكا منح تجهيزاتها العسكرية لأوكرانيا، ما جعل روسيا تظهر تصريحا شديدا. وتحس الصين مع روسيا بقلق شديد من التواجد الأمريكي العسكري في المنطقة، ولذلك تصفان مكافحتها مع الإرهاب والمخدرات بفشل.
[4] يمكن لأفغانستان أن توفر أرضية صداقة واسعة لباكستان والهند. تفاصيل ذلك في الرابط التالي:
Sadika Hameed, Prospects for Indian-Pakistani Cooperation in Afghanistan, CSIS, 2012. See it online in the following link:
<http://csis.org/files/publication/120821_Hameed_ProspectsIndianPakistan_Web.pdf>