تدهور الوضع الأمني جعل أفغانستان بلداً مستهلكاً للأدوية، وقد صرح المسؤولون بوزارة الصحة العامة بأفغانستان أن المبالغ المُنفقة في البلد في مجال الأدوية تصل إلى حوالي 650 مليون دولار أمريكي، منها 180 مليون دولار تُصرف في أدوية القطاع الحكومي (وزارة الداخلية ووزارة الدفاع ووزارة الصحة).
من جانب آخر تستورد أفغانستان حالياً 95% من حاجتها الدوائية من خارج البلد، ولكن ورود الأدوية الرديئة والمقلدة والمغشوشة والمنقضية الصلاحية إلى البلد عرّض صحة المواطنين للخطر. انعدام الجودة في الأدوية المستوردة تسببت في اختيار المواطنين السفر للخارج من أجل العلاج.
في هذا الجزء من تحليل الأسبوع نتناول أسباب استيراد الأدوية الرديئة والمقلدة والمغشوشة إلى البلد، وطرق معالجة هذه المشكلة.
الاستيراد غير القانوني للأدوية
شهد البلد في السنوات الأخيرة أعمالاً في مختلف مجالات الصحة بمبالغ تصل إلى ملايين الدولارات. تم إنشاء وصيانة مئات المستشفيات والمستوصفات في مختلف أنحاء البلد وطُورت تشكيلاتها الإدارية، إلا أنه لم يُلاحظ إنجاز محسوس وملموس في جانب تنظيم ومراقبة الأدوية؛ كما يُرى أنه مع تقدم الأيام تزاداد الأدوية المغشوشة والمقلدة المعروضة في السوق مما يرجع سببه إلى الضعف الإداري في الإدارات المعنية.
حسب المسؤولين بوزارة الصحة العامة فإن نسبة 40% إلى 55% من الأدوية المستوردة إلى أفغانستان تدخل إلى البلاد بالتهريب والطرق غير القانونية، الأمر الذي أدى إلى استيراد الأدوية الرديئة والمقلدة في أسواق أفغانستان. لذا يُعتبر تهريب الأدوية تحدياً صعباً أمام وزارة الصحة العامة والتجار الذين يستوردون الأدوية من الدول الأخرى بطريقةٍ قانونية.
تخضع الأدوية المستوردة إلى أفغانستان للرقابة من عدة جهات، إلا أن عدم وجود الآلية والتنسيق بين الإدارات الحكومية مثل وزارة الداخلية ووزارة المالية ووزارة الصحة العامة أفضى إلى ورود مئات الأطنان من الأدوية الرديئة والمغشوشة سنوياً من الدول المجاورة إلى البلد عن طريق التهريب.
ويشكل الفساد في الإدارات المعنية الحكومية عاملاً محورياً آخر ترتبط به جميع العوامل الأخرى؛ حيث يحكم الفساد جميعَ المراحل التي تمر بها الأدوية الرديئة منذ دخولها إلى أفغانستان إلى اكتمال عملية الضبط والمراقبة والإجراءات الجمركية وانتهاءً بعرضها في السوق.
مراقبة الجودة
في الوقت الراهن تعتمد أفغانستان في جلبِ أدويتها على باكستان بنسبة 35%، والهند بنسبة 25% وإيران بنسبة 15%، وتُستورد الكمية الباقية من الصين والإمارات والدول الأخرى. في السنوات الأخيرة الماضية أُنشئت نحو 300 شركة في باكستان وحدها لإنتاج الأدوية الرديئة وإرسالها إلى أفغانستان مختومة بشعارات مقلدة لشركات باكستانية معتمدة، وهذه الأدوية أُنتجت خصيصاً لتُستهلك في السوق الأفغاني.
تدخل هذه الأدوية عبر الحدود المشتركة مع الدول المجاورة وتخضع لإجراءات الجمارك تحت مراقبة وزارة الداخلية وإشراف إدارة الأمن الوطني ووزارة الصحة العامة، ونتيجةً لعدم التنسيق والتعاون المنسجم بين الإدارات المعنية تتم إجراءات دخول هذه الأدوية وتُعرض في السوق.
حسب الدراسة الصادرة من وزارة الصحة العامة عام 2015 فإنه من جملة 1000 شركة مسجلة بوزارة الصحة العامة توجد فقط 200 شركة تستورد الأدوية بالجودة المطلوبة. وطبقا لدراسة اللجنة المشتركة للرقابة والتقييم بمركز مكافحة الفساد الإداري فقد وُجد أن إدارة دعم الاستثمار بأفغانستان (AISA) أو وزارة التجارة والصناعة تمنح تصاريح الاستثمار للراغبين بدون تطبيق أي معايير وبعد ذلك لا تتم مراقبة عمل الشركات التي حصلت على التصاريح. من جانبٍ آخر فقد مرت سبع سنين ولم تُجدد قائمة الأدوية المسموحة في حين أنه يُضاف سنوياً 50 إلى 60 نوع دواء إلى هذه القائمة.
عدم وجود المختبرات الحديثة والمعيارية على الحدود وقلة الكوادر المتخصصة التي تحسن استخدام الأجهزة الحديثة بالمختبرات وخصوصاً في المحافظات عاملٌ آخر من عوامل استيراد الأدوية الرديئة إلى أفغانستان. يُذكر أن وزراة الصحة العامة في السنوات الأخيرة أمّنت أجهزة طبية متطورة إلا أن انخفاض المستوى التخصصي وعدم وجود الكوادر الخبيرة في مجال التقنية الطبية بالبلد أدى إلى عطب عدد من هذه الأجهزة بسبب الاستخدام الخاطئ.
ومن المشاكل أيضا في هذا الصدد عملية نقل الأدوية بالشاحنات التي تقطع مسيرة 15 إلى 30 يوماً في طريقها من باكستان وإيران مع عدم توافر أجهزة التبريد بهذه الشاحنات وأحياناً تصل درجة الحرارة داخل الشاحنات إلى أعلى من 40 درجة مئوية وتبقى عالية لمدة أيام في بعض المدن وخاصة في كراتشي و لاهور و بيشاور وقندهار و ننجرهار.
الحاجة إلى تعديل قانونالإمدادات
قانونالإمدادات بأفغانستان قاصر وليس عمليا (تطبيقيا) لتأمين الوسائل والأجهزة ليس فقط في المجال الطبي بل كذلك في المجالات التجارية والمهنية الأخرى كما هو مُشاهدٌ في شركة برشنا (الشركة المولدة للكهرباء بأفغانستان) وشركة آريانا للخطوط الهوائية الأفغانية، وهناك حاجةٌ لإعداد آليات مستقلة لكل هذه المراكز بما يتطابق مع نمطها التجاري. قانون الإمدادات المعتمد عام 2008 لا يوضح كيفية استيراد الأدوية جيدا، وسهّل قانون الأدوية الصادر عام 2007 إلى حدٍ كبير.
نظام التسعير لتوفير البضائع وتقييد الأسعار المنخفضة في قانون الإمدادات بأفغانستان يُعتبر أحد المشاكل المهمة في طريق تأمين الأدوية حيث أن النظام يُلزم الشركات المستوردة أن تبحث عن الأدوية الأقل سعرا في أسواق الدول المنتجة للدواء وتكون المنافسة بين الشركات المستوردة على أساس هذه الأسعار النازلة.
يشكل هذا الأمر تحديا هاما وفي الوقت ذاته ذريعةً لتجار الأدوية ويهيئ المناخ للفساد في الإدارات المرتبطة.
سبل العلاج
من أجل منع استيراد الأدوية الرديئة يلزم اتخاذ الخطوات التالية:
- سن قوانين صارمة مقابل الأفراد والشركات الناشطة في تهريب وبيع الأدوية الرديئة.
- تقنين وتطبيق آلية إنتاج واستيراد الأدوية والإشراف على تنظيمها.
- رفع الكفاءة المهنية والتخصصية لدى الكوادر في مجال استخدام التقنية الطبية خصوصاً في المحافظات.
- إيجاد آلية معينة لتعزيز التنسيق بين الإدارات المعنية باستيراد الأدوية ومعالجتها.
- دعم استثمارات القطاع الخاص في مجال إنتاج الأدوية داخل البلد.
- الحصول على تصديق وتوثيق للأدويةِ أفغانيةِ الإنتاج من أحدى الشركات العالمية المعتبرة في إنتاج الأدوية.
انتهى