إن هجوما انتحاريا وقع في مدينة جلال آباد الأفغانية، وأسفر عن جرح وقتل أكثر من 100 شخص، كان حدثا دمويا للغاية. في البداية صوبت أصابيع الاتهام تجاه حركة طالبان، إلا أن الحركة رفضت المسؤولية عنه، وقبلت مجموعة باسم خراسان وهي تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية”، في أفغانستان عبر حسابها في الفيسبوك مسؤولية هذا الهجوم الشرس.
إنه أول هجوم في أفغانستان يعلن داعش مسؤوليته عنه، ولكن سؤالا يُطرح بقوة. هل وصل تنظيم الدولة في أفغانستان إلى هذه الدرجة بأن ينفذ هجوما كبيرا كهذا؟ وهل هناك صلة بين التنظيم التابع لأبي بكر البغدادي والمجموعة الموجودة في أفغانستان؟ وإن كان كذلك فمن هم قادة داعش في أفغانستان، ولمَ لمْ تنتشر لهم سمعة حتى الآن؟
غموض تنظيم الدولة في أفغانستان وباكستان
إن أخبار تواجد داعش في هذه المنطقة ظهرت أول مرة في وزيرستان. حينما أعلن شاهد الله شاهد المتحدث الأسبق لحركة طالبان الباكستانية، وعبدالرحيم مسلم دوست مبايعتهما لتنظيم الدولة. وقد نُشرت مبايعة مسلم دوست في الموقع الرسمي لتنظيم الدولة. وكان شاهد الله شاهد قد فُصل منذ فترة من حركة طالبان باتهام التواصل مع المخابرات الباكستانية، ولم يكن مسلم دوست عضوا في حركة طالبان الأفغانية.
وكان من المتوقع أن يتم من قبل تنظيم الدولة تعيين أحدهما زعيما لولاية خراسان، إلا أن التنظيم وبشكل مفاجيء عيّن حافظ سعيد خان من المنطقة القبلية أوروكزاي أميرا لخراسان كما وعيّن عبدالرؤف خادم من أعضاء اللجنة العسكرية لحركة طالبان نائبا لولاية خراسان، وقُتل الأخير في 9 من فبراير/شبّاط 2015م، على إثر عملية نفّذتها طائرة أمريكية بلا طيّار في ولاية هلمند في مديرية كَـجَـكِيْ، ولم يعين التنظيم خلفا له حتى الآن. بعد ذلك لم تُنشر أخبار دقيقة حول حافظ سعيد خان وشاهد الله شاهد، وهناك شائعات تقول إن مسلم دوست سافر إلى سوريا.
الحكومة الأفغانية وداعش
في عام 2014م، نُشرت تقارير مختلفة عن تواجد داعش في أفغانستان. ونُشرت هذه التقارير كثيرا من قبل الحكومة الأفغانية، وخاصة من قبل المسؤولين المحليين في ولاية غزني، إلا أن الجنرال كمبل قائد قوات أيساف صرّح في 12 من فبراير/شبّاط 2014م، أنه لا توجد تقارير دقيقة حول تواجد داعش في أفغانستان.
قبيل مؤتمر مونيخ الآلمانية في 6 من فبراير/شبّاط 2015م، نُشرت تقارير حول تواجد تنظيم الدولة في أفغانستان وسط صخب إعلامي كبير. وكان ذلك على صلة قوية بمؤتمر مونيخ والذي كان من المقرر أن يدرس تحديات داعش على المستوى العالمي. وكان أشرف غني الرئيس الأفغاني بحاجة إلى هذا السناريو من أجل جلب دعم أجنبي وتمديد مهلة بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان.
وكان ملف خزّان أسلحة أمريكية في ولاية زابل، والذي كان في طريقه نحو تنظيم الدولة وقبضت عليه الشرطة، ومحاولة مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة من أجل سراح المحمولة قد ظهر في الإعلام إلا أن الأمر انتهى إلى الغموض ولم يجر تحقيق حول القضية.
عزى البعض خطف 31 مسافرا، في طريق هرات-كابول إلى أفراد داعش. وتم في ولاية غزني إلقاء القبض على شخص ادعى أنه كان متحدثا لتنظيم الدولة، وكان الرجل على صلة مع حاكم ولاية غزني، وفي الأيام الأخيرة ادعى حاكم ولاية بكتيكا بأن مكتب المستشار الأمني الوطني في أفغانستان قد دفع ما يبلغ 200 ألف دولار دعما ماديا لأسر داعش في هذه الولاية. وليس من شأن مسؤول حكومي على هذا المستوى بأن يتفوه بمثل هذا من دون أي شواهد وبراهين.
ومع الهجوم الدموي المنسوب إلى تنظيم داعش في مدينة جلال آباد، تصاعدت وتيرة القلق حول تواجد التنظيم في أفغانستان، وحتى خلال زيارة أشرف غني إلى طهران كان ملف تواجد داعش في أفغانستان على صدر قائمة الأمور بين زعيمين.
هل داعش فعلا وراء هجوم جلال آباد؟
وأما حول مسؤولية هجوم جلال آباد، فهناك سؤال يُطرح بقوة. إن لم يكن لدى التنظيم أي مندوب في أفغانستان، وليس له ذكر في مواقع التنظيم الرسمية، كيف يمكن أن ننسب الهجوم إلى داعش؟
بالنظر إلى أوضاع أفغانستان من المحتمل بأن يتم توظيف أفراد بالمال بأن يوصلوا انتحاريين إلى مناطقة حتى آمنة، وأن يوفروا إمكانية هجوم لداعش. إن ذلك عمل يمكن أن يقوم به داعش كما يمكن أن تقوم به جهة استخبارية أجنبية. من جهة رفض عبدالرحيم مسلم دوست أول مبايع لداعش في أفغانستان والذي يقال إنه يعش الآن في سوريا مسؤولية داعش عن هذا الهجوم وذلك عبر تواصل هاتفي مع وسائل الإعلام. إن رفض الهجوم من قبل مسلم دوست وقبوله من قبل شخص مجهول في الفيسبوك يظهر أن وراء الهجوم أيادي كثيرة أخرى.
إن أكبر مجموعة بايعت داعش في أفغانستان هي حركة أزبكستان الإسلامية. إن هذه الحركة تضم مقاتلين أجانب من دول آسيا الوسطى، وقوقاز، والأيغور، زعيمها عثمان غازي. وكانت هذه المجموعة في الماض مع حركة طالبان وبعد أن انصرفت حركة طالبان عن برنامجها العالمي انفصلت هذه المجموعة عنها. وقبل فترة بايع زعيم هذه المجموعة أبا بكر البغدادي بسبب غياب الملا عمر الطويل عن الساحة كما أبدى.
إن حركة أزبكستان الإسلامية نظمت من قبل عمليات عسكرية معقدة في أفغانستان وباكستان، كاغتيال الجنرال داؤد داؤد في ولاية تخار، واغتيال أحمد خان سمنكاني في ولاية سمنكان، والهجوم على مطار بيشاور، وهجمات دامية أخرى، كما ويمكن أن تُتهم الحركة بهجوم جلال آباد.
النتيجة
يرى المسؤولون الأفغان بأن تنظيم داعش هو نفس حركة طالبان، أفراد غيّروا عَلـَـمهم من الأبيض إلى الأسود، ولكنهم لا يصرحون بأي أسماء انضمت إلى داعش. يدعي المسؤولون الأمنيون بأن داعش يعمل على التجنيد في ولاية هلمند، ويتكلمون عن بعض الاشتباكات بين داعش وطالبان، إلا أن حركة طالبان تعتبر كل هذه الأخبار عارية عن الصحة، وتدعي بأن السيطرة الكاملة في المنطقة تكون لها.
رأى البعض إمكانية اتفاق بين داعش وطالبان في المستقبل، ولكن بعد أن صرّح أبوبكر البغدادي بشأن الملا محمد عمر بأن زعامته أصبحت على وشك النهاية فإن ذلك وضع نهاية لهذا التوقع.
رغم قراءة مختلفة بين داعش وطالبان عن الشريعة، وبالنظر إلى أن داعش وطالبان لا يرحبان بأي قوة أخرى في المناطق الخاضعة لهما، لو أرادت داعش أن تنشط في أفغانستان فإنها تواجه مخالفة من قبل طالبان، كما واجهت في سوريا من قبل جبهة النصرة. لذلك يرى مراقبون بأن المسؤولين في باكستان وأفغانستان وصلوا إلى قرار وضع طالبان أمام عدو جديد، وأن يتم بذلك تضعيف حركة طالبان في البلدين وإجبارهم على الاستسلام. بالمنظار الأمريكي أيضا قد يكون داعش وسيلة لإحداث مشكلة للصين، وإيران، وآسيا الوسطى وروسيا، إلا أن أفغانستان وفي كل ذلك تواجه أكبر جزء من الأزمة.
وقد جرت قديما تجربة تضعيف جهة بجهة أخرى في المواجهات بين المجاهدين الأفغان وحركة طالبان بعد عام 1995م، وأدّى الأمر إلى تضعيف مجموعات مثل الحزب الإسلامي لحكمتيار، وحزب الوحدة، إلا أن الحكومة لم ينفعها ضعف المنافسين، ووصل الأمر إلى تضعيف الحكومة وظهور قوة عسكرية أخرى قاومت أكبر قوة عالمية طيلة 13 سنة الماضية.
من جهة أخرى فإن ترويج الحكومة الأفغانية وأمريكا بشأن تواجد داعش في أفغانستان، وإظهار الأمر في هيئة كبيرة يثير أسئلة كثيرة. ونشر مقطع فيديو من قبل قناة “سي إن إن”، يظهر مقاتلين لداعش يتدربون في مناطق قريبة من كابول يثير سؤالا يقول من أين لقناة أمريكية هامة أن تحصل على هذا الفيديو؟
النهاية