الحكومة الأفغانية وراء السلام.. عبر الصين أو الهند أو السعودية

 

في الأيام الأخيرة قام كل من أشرف غني الرئيس الأفغاني وعبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي لأفغانستان بزيارة إلى السعودية والهند. وتزامنا مع هذه الزيارة أجرت وزارة الخارجية الأفغانية جلسة مع مسؤولين صينيين في كابول.

وكان الهدف من وراء كل هذه الخطوات، هو الحصول على تأييد بعض الدول لعملية السلام الأفغانية. ففي زيارته إلى السعودية طلب أشرف غني من الجانب السعودي أن يستغل تأثيره الموجود على الساحة الباكستانية لصالح هذه العملية.

 

لغز المفاوضات الجديدة

منذ أن تعهد المسؤولون الباكستانيون في زياراتهم إلى كابول بحمل طالبان على أن يجلسوا خلف طاولة الحوار، انتشرت شائعات كثيرة حول مفاوضات السلام بين الطرفين، وهو أمر رفضته حركة طالبان بشدة.

وفي الماضي كانت الحركة تنفي مثل هذه الشائعات عبر تصريحات لمتحدثيها، ولكن في المرة الأخيرة نفى مكتب الحركة السياسي في قطر وفي خطوة غير مسبوقة أي محادثات أو حتى أي اتصال مع الحكومة الأفغانية. وفي البيان الإعلامي الذي أصدره مكتب الحركة السياسي أعتبر السلام أملا قديما لدى الأفغان وأمرا مطلوبا لدى الحركة، إلا أن البيان يشترط نهاية الاحتلال الكاملة لإحلال السلام.

اعتبر البيان أن هذه الشائعات دعايات ضد حركة طالبان، وتضمن تأكيدا على عدم حدوث أي محادثات حتى الآن، وأنه لم يتم اختيار شخص لإجراء هذه المحادثات. وفيما تجري محادثات فإنها لن تكون سرّية وسيقوم مكتب الحركة في قطر بإخبار الناس حول الموضوع.

وعلى أساس هذا نرى أن طرفا مهما في المحادثات وهو حركة طالبان تعتبر أخبار المفاوضات بين الطرفين حربا دعائية نشأت من هزيمة عدوها في ميدان المعركة.

 

بين الإخبار ونشر الشائعات

وكانت الصحف الباكستانية منذ بدء هذه الشائعات مصدرها الأول، وقد نقلت أخبار هذه العملية على لسان مصادر غير معلومة. وبدورها تقوم وسائل الإعلام الأفغانية بنشر هذه الأخبار على نطاق واسع، والذي يصبح أساس التحليل والمناقشة لدى بعض المحللين، فيكون منهم من ينتقد الرئيس الأفغاني من أجل إجراء حوار سرّي وفي مكان مجهول.

ويتم نشر هذه الأخبار في الصحف الباكستانية في حال تظهر شكوك بشأن التزام باكستان بتعهداتها تجاه عملية السلام الأفغانية. ففي آخير المستجدات عزى الإعلام الباكستاني سبب تأخير المفاوضات إلى خلاف داخلي في الحركة بين الملا أختر محمد منصور والملا ذاكر، وأن الأول يوافق مع العملية فيما يخالفها الأخير.

 

فيما امتثلت حركة طالبان لأمر باكستان!

إن حركة طالبان قبل أن تكون مجموعة سياسية هي حركة مذهبية بآرائها الخاصة. وإن تصور الحرب والسلام لديها مختلف عما يكون بين المجموعات السياسية، وأنهم لا يرون إلى الحصول على الكراسي عبر المفاوضات كفوز حقيقي. فإن الفوز لدى الحركة هو تطبيق الشريعة في النظام الإسلامي في أفغانستان، وهو أمر يضحي أفراد الحركة أرواحهم من أجله.

لو افترضنا أن حركة طالبان تقبل مقترح باكستان، وتجلس خلف طاولة الحوار مع الحكومة الأفغانية ومن أجل تقاسم السلطة، فإلى أين يتجه مصير الحركة؟

فقد أكّد قادة الحركة دوما بأن أسمى هدف يجاهدون من أجله هو تحرير البلد من الاحتلال الأمريكي وإقامة شرع الله فيه. والآن لو يقبل القادة بطلب من باكستان أن يفاوضوا الحكومة الأفغانية، فسوف يفكر المقاتلون في الحركة بأن حربهم طيلة 13 سنة الماضية، ضد أمريكا والحكومة الأفغانية إنما كانت بأمر من باكستان، وأن قادتهم لا يملكون شيئا من الأمر. وسوف ينتج عن هذه القضية انقسام بين المقاتلين والقادة في الحركة، وهو أمر يقضي على حركة طالبان كقدرة عسكرية إلى الأبد.

ويشكل بدء فعاليات “تنظيم الدولة الإسلامية”، والذي أظهر تواجده بخطف 31 من الشيعة الأفغان، وضعا خطرا لطالبان، وفي مثل هذه الظروف سوف يدفع خطأ واحد للحركة عددا كبيرا من مقاتليها إلى صفوف التنظيم، وهو أمر سوف يتحتم معه التقاتل بين الطرفين.

من جهة أخرى تسلك أمريكا نهجا معوجا تجاه جدول انسحاب قواتها من أفغانستان، وهناك من يرى إلى شائعات ظهور داعش في أفغانستان، كذريعة لبقاء القوات الأمريكية.

وعلى ذلك فإن حركة طالبان مع أنها تظهر رغبة في المحادثات، ولكنها وبالنظر إلى الأوضاع الحالية تعتبر الشائعات المتعلقة بالمحادثات حربا دعائية ضدها، هذا فضلا عن أن تنخرط الحركة فعلا في عملية المفاوضات التي ستكون حركة انتحارية من قبلها.

 

الحكومة الأفغانية تعتبر طالبان عدوا

من جهة أخرى إن الخلاف إزاء عملية السلام في داخل الحكومة الأفغانية لهو خلاف أعمق بكثير مما يكون بداخل الحركة. وتعني شروط بعض الأطراف الحكومية بأن تعترف حركة طالبان بالدستور الأفغاني أن هذه الأطراف تطلب من طالبان الاعتراف بهذا النظام. ولو تقبل حركة طالبان بهذا الشرط فإن المقاتلين فيها سيطرحون سؤالا بسيطا أمام القادة: لماذا قاتلنا هذا النظام طيلة 13 سنة، إن لم يكن به مشكل شرعي؟ وستظهر هناك أسئلة شرعية أخرى، منها أ كان قتالنا جهادا أم بغاوة؟ أ كان قتلانا شهداء أم لا؟

من جهة أخرى وفي داخل الحكومة الأفغانية ليس هناك إجماع على ضرورة المفاوضات مع طالبان. فعندما يصرّح ظاهر طنين مندوب أفغانستان الدائم في الأمم المتحدة بأن طالبان هم الأعداء الحقيقيون للحكومة الأفغانية، لا يبقى هناك طريق نحو السلام!

 

الزيارات الأخيرة للمسؤولين الأفغان.. أهداف وأثمار

والآن نرجع إلى دلالات الزيارات التي قام بها كل من أشرف غني وعبدالله عبدالله والتي أشرنا إليها في مطلع البحث.

عندما تعهدت باكستان للحكومة الأفغانية الجديدة بأن تحمل حركة طالبان بالجلوس خلف طاولة الحوار، اعتبر بعض الأفغان هذه الخطة الباكستانية لعبة أخرى من قبل الحكومة الباكستانية. يبدو الآن أن أشرف غني وصل إلى نفس الرأي فسافر إلى السعودية وهي دولة ذات نفوذ في باكستان، ليطلب من السعودية أن ترغب باكستان في التزام تعهدها إزاء عملية السلام الأفغانية.

إضافة إلى ذلك، ومع أن زيارة عبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي لأفغانستان جاءت بدعوة من صحيفة هندية، إلا أن هذه الزيارة تحمل في نفس الوقت رسالة إلى باكستان تفيد بأن أفغانستان وفي حال نكوص باكستان عن تعهدها تملك خيار الصداقة الهندية.

وتزامنا مع هذه الزيارة عُقدت جلسة في وزارة الخارجية الأفغانية شارك فيها مسؤولون صينيون مع مسؤولين أفغان، تم فيها مرة أخرى تأكيد على أهمية الدور الصيني في عملية السلام الأفغانية، لأن الصين دولة ذات تأثير في باكستان. ويعني ذلك أن تطلب الصين من باكستان أن تلتزم بتعهدها للحكومة الأفغانية. ولكن هل ستجلب هذه الزيارات أثمارا مطلوبة لأفغانستان؟ وهل ستكون هناك ضغوط على باكستان؟ فبالنظر إلى ما مضى، يبدو السلام الأفغاني بعيد المنال.

النهاية

الحكومة الأفغانية وراء السلام.. عبر الصين أو الهند أو السعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى