أكد الرئيس الأفغاني الجديد أشرف غني أحمدزاي في كلمة له بأن إحلال السلام يتصدر قائمة أولوياته، وصرّح بأن الرقي الاقتصاد يبقى رهن السلام في بلده، هذا وقد عرقل هو بنفسه عملية السلام بتوقيعه الاتفاقية الأمنية الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
قبل توقيع الاتفاقية الأمنية روّجت كل وسائل الإعلام المدعومة أمريكيا، في أفغانستان، بأن حل أزمات أفغانستان كلها يكمن في توقيع هذه الاتفاقية. فعند تدني العملة الأفغانية أمام الدولار الأمريكي كان اللوم على حامد كرزاي بسبب عدم توقيعه للاتفاقية، وعند شكاية وزارة المالية من قلة الدخل كان اللوم موجها إلى حامد كرزاي بدليل عدم توقيعه للاتفاقية، وعند قصف القوات الباكستانية المناطق الحدودية كان اللوم أيضا على حامد كرزاي بسبب عدم توقيعه للاتفاقية. فوسائل الإعلام هذه كلها كانت ترد المشكلة إلى عدم توقيع هذه الاتفاقية الأمنية مع أمريكا.
ولم يجب حينها أحد عن سؤال يقول ما هي الفقرة التي تتعهد فيها أمريكا بأن تحل المشاكل الاقتصادية لأفغانستان، وما هي التي تتعهد فيها بالدفاع عن أفغانستان أمام الهجمات الباكستانية.
وأخيرا تم توقيع هذه الاتفاقية في ثاني يوم من حكم الرئيس الجديد، ولكن استمر ارتفاع سعر الدولار الأمريكي، وتستمر وزارة المالية في شكواها من شح الموارد وتتحدث عن خفض نصف مليار دولار في الميزانية، وتستمر الهجمات الباكستانية أيضا. كل هذا ووسائل الإعلام الممولة أمريكيا تبقى صامة.
استخراج المناجم
أفغانستان بلد محاط بالبر ولها موارد اقتصادية شحيحة. القطاع الزراعي في البلد لم يتم توسيعه ليكفي على أقل التقدير لضروريات البلد، وليس فيها ما يجلب السياحة الأجنبية. ويبقى الأمل الوحيد للرقي الاقتصادي في البلد المناجم.
وأما استخراج المناجم في أي مكان فيتطلب بُنا تحتية واستثمارا قويا له. وهو أمر مستحيل دون وجود خط سكة حديد شاملة لنقل المواد الخامة إلى المعامل. وفي بلد لا توجد فيها شوارع صالحة للسفر العادي فإن سكة حديد شاملة يبقى حلما فقط.
الكفاءات اللازمة
ولاستخراج المناجم بطريقة مهنية واقتصادية لابد من خلق كفاءات لازمة. طيلة 13 سنة الماضية لم تُتخذ أي إجراءات لازمة في هذا القطاع مثل بقية القطاعات التحتية. ربما كان رجال الحكم في أفغانستان يحلمون بسيلان الدولار الأجنبي إليهم فترة طويلة من الزمن.
إن تدريب الكوادر المهنية لهذا القطاع خطوة ذات أهمية بالغة في مجال إعداد الكفاءات اللازمة، وإلا سيكون على أفغانستان استخدام المهندسين الأجانب برواتب غالية. ولكن للأسف في السنوات الماضية تم إهمال تدريب كوادر مهنية لهذا القطاع. حاليا تتواجد في أفغانستان مئات الجامعات الأهلية، دون أن تتواجد في 1% منها كلية عالية لدراسة المناجم والـ”جيولوجي”.
دور الأمن في استخراج المناجم
إن للأمن دور حيوي في الرقي الاقتصادي وأفغانستان خير مثال لما يقال، لأنها في 13 سنة مضت ورغم المساعدات الدولية الكبيرة، لا يزال البلد يعاني من مشاكل اقتصادية. والسبب وراء ذلك هو استمرار الحرب والقتال.
تقع مناجم أفغانستان في مناطق جبلية وبعيدة وأمنها مهمة صعبة للغاية. بناءً على ذلك لو تريد شركة أجنبية أن تستثمر في استخراج المناجم لا يمكنها العمل دون توافق مع المعارضة المسلحة. ومن جانب آخر شكّلت حركة طالبان قسما خاصا فيها لإدارة المناجم وتقوم في المناطق الخاضعة لسيطرتها باستخراج المناجم عبر شركات ترغب ذلك. حتى وإن يقع منجم في منطقة خارجة عن سيطرة الحركة فإن نقل مواده يحتاج موافقة من طالبان لعبوره من مناطق تحكمها المعارضة المسلحة.
وعلى سبيل المثال فإن جزءا كبيرا من (لازَوَرْد) يتم استخراجه من مناجم ولاية بدخشان، ويُنقل إلى باكستان عبر طريق “طوبخانه”، هي طريق تسيطر عليها حركة طالبان.
ولذلك فإن استمرار الحرب يقطع الأمل باستخراج المناجم في أفغانستان، وإن يتم استخراج منجم ما، فستحصل حركة طالبان على جزء منه وهو ما يعني استمرار القتال.
ويكون من شأن استمرار الحرب أن يضعف الحكومة، ويمهد الطريق نحو تشكل قوات محلية وهي الأخرى ستفوز بجزء من المناجم. ويمكن أن تصبح الحرب على المناجم أقوى من الحرب الأيديولوجية. وقد جرّبت بعض الدول الأفريقية هذه اللعبة الممية بالقتل أو حتى الإبادة الجماعية.
بناءً على هذه يمكن لنا القول إن الرئيس الأفغاني الجديد إذ يؤكد بأن الأمن يتصدر قائمة أولوياته، فإن كلامه هذا صحيح ولكن وبأول خطوة رفعها ووقّع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا عارض هدفه المعلن ووضع خيار السلام والأمن بيد أمريكا.
يرجع الآن مستقبل السلام والحرب في أفغانستان إلى المفاوضات المستقبلية بين أمريكا وحركة طالبان، والسياسة الأمريكية في أفغانستان تبقى هي نفسها في الدول الإسلامية الأخرى. وعلى هذا يكون التنبؤ بالسلام في أفغانستان أمر في غاية الصعوبة. النهاية