باكستان عنصر مهم في خارجية الرئيس الأفغاني الجديد

يبدو من الزيارات الخارجية الثلاث للرئيس الأفغاني الجديد بأنه يعطي أهمية كبيرة للدول الجارة وللعالم الإسلامي، وله أمل في ذلك يخص عملية إحلال السلام في بلده. رغم عدم وضوح إمكانية نجاحه في إحلال الاستقرار إلا أن خطواته الأخيرة جديرة بالتقدير.

وقد أظهر الرئيس الأفغاني أشرف غني خلال زيارته لباكستان أمام الصحفيين أملا بأن تتحسن العلاقات الثنائية بين كابول وإسلام آباد. ويعول السيد غني على تحسين هذه العلاقات لأنه يرى بأن المسؤولين الأفغان السابقين كانوا يقومون بزيارات مفاجئة لباكستان والحال أنه هو رتب الأمور لزيارته وتوجه إلى إسلام آباد حاملا معه برنامجا تفصيليا.

 

إلى أين تتجه العلاقات الباكستانية الأفغانية؟

بما أن أشرف غني قام قبل زيارة باكستان بزيارة السعودية والصين، فإن زيارته إلى باكستان ليست فقط حلقة من تلك السلسلة، بل هي مرآة أيضا لدبلوماسية كابول النشيطة في عملية السلام. وتكمن أهمية تينك الدولتين في أنهما صديقتا باكستان الاستراتيجيتان، ويرى كثير من المحللين بأن أشرف غني ينوي وضع ضغوط عبر هاتين الدولتين على باكستان لتعلب الأخيرة دورا إيجابيا في عملية السلام الأفغانية.

إن كان ذلك هدف أشرف غني الحقيقي فإنه سيحققه إلى حد ما، لأن المسؤولين الباكستانيين رفيعي المستوى أكّدوا إجراء محاولات جادة ليجعلوا حركة طالبان مستعدة للمحادثات. ولكنه إذا أراد بذلك ضرب طالبان وإجراء علمليات ضدهم ففي نهاية الزيارة سينعدم الأمل بتحقق الهدف، لأن تصريحات “مولانا فضل الرحمان” من جانب، ومن جانب آخر التصريحات الأخيرة لمستشار الأمن الوطني الباكستاني سرتاج عزيز مثيرة للشكوك لدى الشعب الأفغاني، وهي نموذج آخر من ازدواجية السياسة الباكستانية.

ومع وصول أشرف غني إلى سدة الحكم سنحت للطرفين فرصة كبيرة لتحسين العلاقات. مع أن تصريحات سرتاج عزيز الأخيرة عكّرت العلاقات مرة أخرى، إلّا أن الطرفين، إلى الآن وإلى حد ما، استغلا هذه الفرصة نوعا ما.

يكن الرئيس الأفغاني أهمية كبيرة للعلاقات الجيدة وللصداقة مع باكستان، لذك دعى من طرفه الرئيس الباكستاني ممنون حسين إلى حضور حفل تنصيبه، وفي الخطوة الثانية قال لسرتاج عزيز المستشار الأمن الوطني الباكستاني إن على الطرفين إنهاء تبادل التهم. وفي زيارته إلى إسلام آباد صرّح السيد غني بأنه ينبغي نسيان الماضي وأن لا ندعه يفسد الحاضر.

 

الفرص المشتركة

إن هناك فرصا وتحديات مشتركة أمام البلدين، ويتصدر الفرص مشروعا “تابي” و”كاسا1000″ اللذان يصلان آسيا الوسطى بآسيا الجنوبية. وهما مشروعان يكون من شأنهما إلى جانب مصلحة البلدين أن يؤثرا على المنطقة بطريقة إيجابية.

وتعتبر غرف التجارة في البلدين المحادثات التجارية الثنائية فرصة كبيرة، وتتطلع إلى تقارب اقتصادي بين الجارتين. ومن جانب آخر يريد أشرف غني عبر مشروع “مؤتمر قلب آسيا” ومشروع طريق الحرير الجديدة والمراكز الاقتصادية بأن يحسن العلاقات الثنائية بين البلدين.

 

تصريح أشرف غني المهم بشأن إسلام آباد

مع أن التفاصيل المهمة من تصريحات أشرف غني في إسلام آباد لم تجد طريقا إلى الإعلام، إلا أنه خفّض في مشروع “كاسا1000”[1]، إتاوة النقل التي تدفعها باكستان إلى أفغانستان إزاء كيلو وات واحد من الكهرباء، من 2.5 سنت إلى 1.25 سنت. وبناءً على كتابات لدبلوماسيين باكستانيين فسخ استيراد الأسلحة من الهند الذي كان تحكم به اتفاقية هندية أفغانية استراتيجية.

إن اتفاقية أخذ الأسلحة من الهند كانت قد استفزت باكستان كثيرا، واهتمت الهند أيضا بالقلق الباكستاني ولم تبعث أسلحة هندية إلى أفغانستان وكانت تعمل على إبرام اتفاقية أخرى لتحصل على الأسلحة من روسيا لأفغانستان. وقد عمل أشرف غني كل ذلك من أجل تحسين العلاقة مع باكستان وبناء الثقة بين الطرفين.

يرى بعض المحللين بأن زيارة أشرف غني إلى مقر الجيش الباكستاني كان خارج البرنامج ولكن وبالنظر إلى هذه الخطوة يظهر أنه كان يهم ذلك وكان يعرف أن جيش باكستان واستخباراتها تلعب دورا كبيرا في سياسة باكستان، ولذلك أراد أشرف غني الحديث مباشرة مع صناع القرار بشأن أفغانستان في باكستان.

وفي هذا الصعيد أرسلت باكستان سرتاج عزيز إلى كابول ليقترح على أشرف غني زيارة إسلام آباد. بعدها زار قائد الجيش الباكستاني راحيل شريف كابول، وعلى حد مصادر رسمية أكد تعاونه في عملية السلام الأفغانية. إلى جانب ذلك قام رضوان أختر رئيس الاستخبارات الباكستانية بزيارة إلى كابول، ورغم عدم ظهور تفاصيل زيارته، يقال إن حديثه انصب على الجانب الأمني بين الطرفين.

 

محاولة باكستان لتحسين سمعتها

لم تملك باكستان بعد تشكيلها سمعة حسنة في أفغانستان، ولكن بعد الغزو السوفيتي سنحت لها الفرصة لتحسين السمعة وللحصول على عقول الأفغان. ومن هنا فكر قائد الجيش الباكستاني حينها ميرزا أسلم بيك على أن تعمل باكستان من أجل الحصول على عمق استراتيجي في أفغانستان.

وأثناء الحرب الأهلية الأفغانية كان الدور الباكستاني موجودا خلف كل نزاع، وبعد مجيء حركة طالبان اشتد الأمر كثيرا. منذ سبتمبر/أيلول2001م، إلى عام 2008م، كانت قوة باكستان المرنة في أفغانستان متجهة نحو التدني، ولذلك أرادت باكستان باختيارها محمد صادق سفيرا لها في أفغانستان أن توسع قوتها المرنة. ولذلك بدأ الجانب الباكستاني إعطاء منح دراسية للطلبة الأفغان، منذ عام 2009، وحتى الآن يدرس 2000 طالب أفغاني في الجامعات الباكستانية. وإضافة إلى ذلك ولتحسين السمعة شرعوا في الداخل الأفغاني بالمشارع الآتية:

  • جامعة لياقت علي خان للهندسة في ولاية بلخ الأفغانية.
  • مدرسة رحمان بابا في كابول العاصمة.
  • كلية تحليل أدب ولغة الشاعر محمد إقبال في جامعة كابول.
  • كلية “سر سيد” للعلوم في جامعة ننكرهار.
  • مركز “نشتر كردي” في جلال آباد.
  • مستشفى جناج 400 سرير في كابول.
  • مستشفى نايب أمين الله خان 200 سرير في لوجر.
  • الطريق السريع بين جلال آباد طورخم[2].

 

العلاقة الأمنية الدفاعية مع باكستان

بعد عام 2011م، تدهورت العلاقات بين كابول إسلام آباد كثيرا. عندما قُتل في هذا العام الأستاذ رباني من جانب، ومن جانب آخر وقعت أفغانستان اتفاقية استراتيجية مع الهند اتسعت رقعة انعدام الثقة بين البلدين أكثر، وظهر ذلك جليا في تصريحات قائد الجيش الباكستاني الجنرال إشفاق كياني كما في تصريحات الرئيس الأفغاني حامد كرزاي.

انتقد حامد كرزاي الجانب الباكستاني لتأييده طالبان وشعرت باكستان بقلق شديد من اتساع الدور الهندي في أفغانستان ومن قيام الهند بتدريب الجيش الأفغاني. وحينها اقترحت باكستان تدريب الجيش الأفغاني ولكن برودة العلاقة بين كابول وإسلام آباد حالت دون ذلك. وكان ذلك مقلقا جدا للجانب الباكستاني، لأنه راى في عدم قبول أفغانستان ذلك خسارة مستقبلية لباكستان في أفغانستان وأن تفوز الهند بالقوى القادمة في أفغانستان.

وللحد من القلق الباكستاني، بشأن انفراد الهند بتدريب الجنود الأفغان دون باكستان، اقترح أشرف غني على الجانب الباكستاني بأن يقوم بتدريب الجيش الأفغاني. ومع ذلك تبقى تفصيلات ذلك غير واضحة، وهل يكون هذا التدريب قصير المدى أو طويل المدى.

ومن جانب آخر أوضح أشرف غني في لقائه مع قائد الجيش الباكستاني بأنه يريد اتساع الصداقة مع باكستان إلى الحقل الأمني والدفاعي. وبشكل عام يرى كثير من المحللين الأفغان والباكستانيين، أن خارجية أشرف غني في رفع القلق الباكستاني مع الحفاظ على السيادة الوطنية ستكون نجاحا كبيرا، وهو أمر رفع نحوه الرئيس الأفغاني خطوات جادة.

 

العلاقات التجارية

لأن أفغانستان ليس لها طريق إلى البحر، وبناءً على القانون الدولي[3] الذي ينص على أن يكون لمثل هذه الدولة حق على بقية الدول وخاصة الدول الجارة أن توفر لها طريق نقل إلى البحر. وقبل تشكيل باكستان كانت بين أفغانستان والهند البريطانية علاقات تجارية قوية، وكانت أفغانستان تستخدم ميناء كراتشي للتجارة مع دول أخرى.

بناءً على دراسة، منذ عام 1971م، إلى عام 1990م، تم تبادل الأمتعة بتكلفة 493 مليون روبية باكستانية كل عام، وهو يشكل 1.6 من مجموع التجارة الباكستانية السنوية ويشكل 5% من التجارة الأفغانية[4].

وفي عام 2000م، بلغت التجارة بين البلدين 170 مليون دولار، وبلغت في عامي 2010م و2011م، 2.5 مليار دولار، وإلى جانب ذلك وصلت تجارة النقل الأفغاني من عام 2000م، ومن 161 مليون دولار إلى 1.07 مليار دولار في عام 2009م[5].

واتفق في هذه الزيارة وزيرا المالية من الطرفين بأن تبلغ الأنشطة التجارية الثنائية خلال ثلاثة أعوام (إلى 2017م) 5 مليار دولار. وتم توقيع اتفاقية بشأن ذلك ومن أجل رفع العوائق الموجودة كالآتي:

  • تبادل المعلومات الجمركية بين الطرفين.
  • إحداث جمرك مشترك في معبر طورخم.
  • ازدياد أيام العمل في الجمارك الحدودية إلى سبعة أيام في الأسبوع.
  • نقل الأمتعة الأفغانية من كراتشي إلى بيشاور عبر خط سكة الحديد.
  • تساوي تكلفة نقل الأجناس بين باكستان وأفغانستان.
  • في حال إحلال الاستقرار في وزيرستان إعمال النقل الأفغاني عبر معبر غلام خان.
  • ينبغى منح التجار الأفغان والباكستانيين تاشيرات “متعددة الدخول” لمدة عام.
  • إيجاد علاقات وثيقة في الأمد القريب بين غرف التجارة والصناعة في لاهور وأفغانستان[6].

النهاية

[1] هو مشروع نقل الكهرباء من طاجكستان إلى باكستان عبر أفغانستان.

[2] Muhammad Asif AhmadZai, Pakistan Promises Scholarships for Afghans, Pajhwok afghan news, see online: <http://www.pajhwok.com/en/2013/11/09/pakistan-promises-scholarships-afghans>

[3] Convention on Transit Trade of Land-Locked States.

[4] Rahim, Tariq (1990). Pakistan-Afghanistan Trade (1971-1990), Area Study Centre (Central Asia), University of Peshawar.

[5] Chaudhry, sajid( July 17, 2010). Pak-Afghan Transit Trade Agreement: Afghanistan says high import duties causing smuggling. Daily Times.

[6]President’s Trip to Pakistan and Significant Outcomes in Improving Trade Transit of Two Countries. See online:<http://www.acci.org.af/component/content/article/38-news/531-presidents-trip-to-pakistan-and-significant-outcomes-in-improving-trade-transit-of-two-countries.html>

باكستان عنصر مهم في خارجية الرئيس الأفغاني الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى