أثناء حكم كرزاي جرّبت كابول وإسلام آباد علاقات حرجة واتهم المسؤولون الأفغان الجانب الباكستاني بالسعي وراء عمق استراتيجي في أفغانستان، وبالاستولاء على سياسة أفغانستان الخارجية. وإضافة إلى ذلك تضاعفت التهم بخصوص توفير باكستان تأييدا لحركة طالبان الأفغانية.
بالنظر إلى العلاقات الباكستانية الأفغانية في العقد الماض، يبدو أن عوامل تدهور العلاقات الثنائية تكمن بمجملها، في تأييد باكستان لطالبان أفغانستان وفي الحضور الهندي القوي في أفغانستان. أظهر الجانب الأفغاني أن باكستان توفر ملاذا آمنا لطالبان أفغانستان وأنها تُجري حربا توكيلية ضد الهند في أفغانستان. والمثال على ذلك اتهام باكستان بالوقوف وراء الهجوم على القنصليات الهندية.
من جانب آخر، فإن امتناع حركة طالبان من محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية، قضية أخرى تضع باكستان موضع تهم تقول إنها تعرقل عملية السلام في أفغانستان. وإن إلقاء القبض على قادة طالبان من أمثال الملا برادر وقتلهم في باكستان أمر، تعتبره أفغانستان موقفا باكستانيا سلبيا في عملية السلام الأفغانية.
مخاوف باكستان
إن باكستان قَلِقة تجاه توسع الدور الهندي في أفغانستان، وهذا القلق يظهر دوما في تصريحات المسؤولين الباكستانيين. وترى باكستان الحضور الهندي في أفغانستان بعين الريبة من عدة زوايا.
أولا: أن تتدخل الهند عبر أفغانستان في الشؤون الباكستانية الداخلية، وبهذا الخصوص ومنذ فترة طويلة يروج الإعلام الباكستاني أن أفغانستان والهند تقفان وراء الاضطرابات في بلوشستان ووزيرستان.
ثانيا: يرى الباكستانيون أن الهند تريد من الحكومة الأفغانية أن تكون موالية لها، كي يكون العمق الاستراتيجي في أفغانستان لصالح الهند. ولكن قلق باكستان هنا في غير ملحه، لأن الهند ورغم دورها الاقتصادي الأبرز من باكستان في أفغانستان، إلا أن هذه القضية ليست محاولة هندية ضد باكستان كما أقلقتها. وقد صرّح حامد كرزاي الرئيس الأفغاني الأسبق في لقاء مع الإعلامي الباكستاني سليم صافي، في 2011م، قائلا: “لو هاجمت الهند باكستان، سوف نقف وراء الشعب الباكستاني”. وهذا أمر واضح أنه وفي حال الصدام بين الهند وباكستان لا تلعب أفغانستان دورا سلبيا.
ثالثا: تريد الهند أن تسد طريق باكستان إلى آسيا الوسطى وأن تهزم باكستان في أفغانستان في المجال التجاري والاقتصادي. لو نمعن النظر في العلاقات التجارية بين أفغانستان وباكستان، ندرك أنها كانت في صالح باكستان. لو نظرنا إلى الفترة ما بين عام 2000م، و 2008م، تظهر الأنشطة التجارية بين البلدين أنه من عام 2000م إلى 2001م، بلغت التجارة العامة بين البلدين 170 ملايين دولار، فيما بلغت هذه التجارة في التفرة ما بين 2007م، و2008م، 1236 ملايين دولار، وفي الأعوام (2000م، إلى2008)، بلغت التجارة العامة 5 مليارات و216 ملايين دولار، وقد اكتسح التصدير الباكستاني 4828 ملايين دولار من هذه المبالغ!
وعلى أساس إحصائية أخرى، استوردت أفغانستان في عام 2012م، أمتعة بتكلفة ملياري دولار من باكستان، وأما من الهند فقد استوردت أمتعة بتكلفة 212 ملايين فقط.
اللعبة الهندية الباكستانية في أفغانستان
مع أن العلاقات الثنائية بين البلدين في الأعوام الأخيرة من حكم كرزاي كانت متدهورة ولكن فور تشكيل حكومة أفغانية جديدة بزعامة د.أشرف غني أحمدزاي، نُشرت في تصريح رسمي من قبل القصر الرئاسي نشرة جاء فيها: “إنها فرصة جيدة لتحسين العلاقات بين البلدين”.
ومن جانب آخر أرادت باكستان أن تستغل هذا التغيير الجديد، فهنأت أشرف غني أحمدزاي رئيسا لأفغانستان، وأرسلت سرتاج عزيز مستشار الأمن الوطني لزيارة إلى كابول. رغم عدم ظهور تفاصيل اللقاء، هناك من يؤكد توافق الطرفين باستمرار اللقاءات بين قادة البلدين. إلى جانب ذلك قال أشرف غني أحمدزاي في لقائه مع سرتاج عزيز بأنه سيوقف سلسلة الاتهامات، وبأنه يغادر البيانات واللقاءات نحو المجال العملي. وقال سرتاج عزيز إن تشكيل حكومة جديدة في أفغانستان فرصة جديدة لإحلال الاستقرار في أفغانستان، وإن باكستان تريد علاقات جيدة مع أفغانستان.
مع أن هذه الزيارة كانت مراسمية، إلا أنها كانت فرصة لتحسين العلاقات بين البلدين، لو أراد الطرفان استغلالها في ذلك. وفي الوقت الحاضر ليس في صالح إسلام آباد أن تضطرب بشأن الهند وبزعم “العمق الاستراتيجي”، كما أنه ليس في صالح كابول –لو صح نقد الجانب الباكستاني- أن توفر للهند فرصة حرب توكيلية في كندهار وجلال آباد.
إن الهند لم تحصل على سمعتها الحسنة في أفغانستان عبر ترويج إعلامي فارغ عن الواقعية، بل إنها حصلت عليها عبر عملية التنمية، والمشارع العمرانية، وأنشطة اقتصادية، ومساعدات أخرى، وبذلك شكّلت لها قوة مرنة في أفغانستان. ولكن ينبغي لأفغانستان، من أجل الرقي والدبلوماسية الناجحة، أن تُحدث توازنا في علاقاتها مع باكستان والهند معا.
إنه رأي سائد في أفغانستان بأن باكستان لا تزال تستمر في ساسية مذبذبة تجاه أفغانستان. إنها إن تتحدث عن استقرار أفغانستان وأمنها فإن دورها لا يغيب عن الاضطرابات الأفغانية. لذلك على باكستان أن تدرك أن العلاقات الأفغانية الهندية ممتدة عبر آلاف من السنين، وأن اللعبة الجارية بشأن تلك العلاقات لا طائل من ورائها. وفي الصعيد نفسه على الهند أيضا أن تدرك أن المعارضة الأفغانية المسلحة جزء من الشعب الأفغاني، وأن السلام والرقي لن يحلا في أفغانستان دون إجراء محادثات معهم. النهاية