إن سلسلة إعدام الأفغان في إيران جارية منذ زمن طويل ولكنها تصاعدت كثيرا في السنوات الماضية. وفي المرة الأخيرة قبل بضعة أيام نفّذت الحكومة الإيرانية في مدينة أصفهان أحكام إعدام بحق بعض الأفغان.
هذه المرة أيضا وحسب العادة عبر المسؤولون الأفغان عن استيائهم، وكرروا مطالبهم من الحكومة الإيرانية. ولكن لماذا يستمر إعدام الأفغان رغم استياء الحكومة الأفغانية وطلباتها المتكررة؟ وما هي أهداف إيران من هذه السياسة؟ في هذه الورقة تم تحليل هذا الموضوع وإليكم التفاصيل:
الأفغان في إيران… أوضاع وإعدامات
إن الجالية الأفغانية في إيران تواجه عدة مشاكل من عدة جوانب، ولكن الأسوء في القضية هو تنفيذ أحكام الإعدام الجماعية بحق الأفغان خلافا لجميع القوانين الدولية، وفي بعض الأحيان لا يتم تسليم الجثث إلى ذويهم وأقاربهم أيضا.
نفّذت الحكومة الإيرانية قبل سنتين أحكام إعدام بحق 13 شابا أفغانيا، لم يتم تسليم جثثهم إلى ذويهم، بعدها خرجت في أفغانستان مظاهرات منددة بهذا السلوك الإيراني وفي ولاية هرات هجم المتظاهرون على القنصلية الإيرانية.
وبعد أشهر قليلة من هذه الحادثة، جاء خبر إعدام 80 أفغانيا تقريبا، و تم نقل جثث عشرة أفغان من الذين أعدموا في إيران، إلى ولاية تخار حيث استلمها أقربائهم، وأما البقية فقد تم دفنهم في الأراضي الإيرانية.
اعتبرت “منظمة العفو الدولية” لمرات عديدة إعدام الأفغان مخالفةً لجميع القوانين الدولية واعتبرت الوضع المعيشي للسجناء الأفغان في إيران مثيرا للقلق.
ليست هناك أية معلومات دقيقة حول عدد المحكومين بالحبس أو الإعدام في إيران، ولكن يقال إن هناك خمسة آلاف أفغان في السجون الإيرانية وهم محكومون بالحبس أو الإعدام.
مع أنه تم تسليم جثث المعدومين في بعض الأحيان إلى أقربائهم، إلا أن الجانب الإيراني لم يعط أية معلومات في أي وقت، حول أسباب الإعدام وإثبات الجريمة.
إعدام الأفغان في إيران… أسباب وأهداف
بداية يُعتبر القضاء الإيراني ليس للأفغان فقط وإنما للإيرانيين أنفسهم، شديدا بلارحمة، ويواجه انتقادات دولية من حين لآخر.
كثيرا ما يُعتبر تهريب المخدرات جريمة الأفغان المعدومين في إيران، ولكن الإمعان في كيفية الإعدامات يُظهر أن هناك أهداف أخرى يريدها الجانب الإيراني بهذه الإعدامات، ويبدو أن لهذه السلسلة دوافع أخرى.
إن الحكومة الإيرانية تستخدم إعدام الأفغان كورقة ضغط على الجانب الأفغاني وكلما نشب بين الجانبين خلاف، تقوم إيران إما بترحيل الأفغان في برودة الشتاء، أو تهاجم المناطق الحدودية أو تقوم بتنفيذ إعدامات جماعية للأفغان.
إن قضية المخدرات ذات أهمية كبيرة، وبسبب الحضور الأمريكي في أفغانستان، تعتبر إيران وروسيا أن تهريب المخدرات إلى أراضيهما خطوة مدبرة ضدهما، ولنفس السبب نفذت القوات الروسية مع “الناتو” في عام (2001م) في ولاية ننجرهار، مديرية أجين، عملية ضد المخدرات والتي نددت بها الحكومة الأفغانية أيضا.
يبدو أن هناك قضايا أخرى لها تواجد وتأثير كبير في القضية مثل الانسحاب الأجنبي من أفغانستان و سدا “سلمى” و”كمال خان”، وتريد إيران أن توجه رسالة بهذا السلوك إلى الجانب الأفغاني. إلى جانب هذا وعلى الصعيد الإقليمي ونظرا لاقتراب موعد الإنسحاب الأجنبي من أفغانستان وقضية السلام في البلد، تكون اللعبة السياسية قد دفعت إيران، مثل بعض الجهات الأخرى، إلى إبراز دورها المؤثر في أفغانستان، للأطراف الدخيلة.
بشكل عام يعتبر إعدام أتباع أية دولة في دولة أخرى مخالفةً للقوانين الدولية والمواثيق الثنائية ويعني تماما الإهانة والتهديد وبسط النفوذ.
الموقف الحكومي الأفغاني الضعيف
في كل مرة تم إعدام الأفغان في إيران نددت وزارة الخارجية الأفغانية بالذي وقع، ولكن وإلى الآن لم تتخذ أي إجراء مهم لحل هذه الأزمة. إن الموقف الحكومي الأفغاني تجاه إيران ضعيف منذ زمن بعيد ولقد قدمت لها دوما التنازلات. في السنة الماضية عندما كانت سلسلة إعدامات الأفغان متصاعدة في إيران، سمي شارع باسم الإيرانيين، في مدينة “مزارشريف” في ولاية بلخ.
حتى إن الحكومة الأفغانية كلما تم إعدام الأفغانيين في إيران لم تستدع السفير الإيراني، ولم تجب الحكومة الإيرانية لأي طلب من الجانب الأفغاني أيضا.
تم إعدام الأفغان في إيران حتى الآن دون إخبار المندوبين السياسين الأفغان ولقد طلبت الحكومة الأفغانية مرارا من المسؤولين الإيرانيين أن يسمحوا للسجناء الأفغان كي يستفيدوا من القنصلية الأفغانية وأن لا ينفذوا أحكام الإعدام دون التواصل مع الجانب الأفغاني.
إن الحصول على المحامين أثناء المحاكمة وأن يكون المسؤولون السياسيون على علم بمحاكمة الأفغان في إيران جزء مهم من الفعاليات الدبلوماسية، ولكن السجناء الأفغان في إيران لا يتمتعون لا بهذه الحقوق ولا بأية حقوق إنسانية أخرى.
هذه المرة أيضا طلبت وزارة الخارجية الأفغانية من المسؤولين الإيرانيين، أن يخفضوا عقوبات الأفغان، من الإعدام إلى المؤبد، وأن يخبروا الجانب الأفغاني قبل إعدام السكان الأفغانيين.
في السنة الماضية سافر وفد أفغاني إلى إيران بهدف ايجاد تعاون ثنائي في الأمور القضائية والعدلية بين البلدين، وبناءً على اتفاقية تبادل السجناء تم خفض أحكام إعدام 50 أفغاني إلى السجن المؤبد. ولكن يبدو إلى الآن أن محاولات الجانب الأفغاني باتت فاشلة ولم تنجح في تحسين أوضاع السجناء الأفغان في السجون الإيرانية.
إن قضية إعدام الأفغان تظهر في العلن كل سنة عدة مرات، وتثير قلق الحكومة الأفغانية والأحزاب السياسية والشريحة الشعبية، ولكن الحكومة الأفغانية لم تحصل على أي اتفاق بشأن هذه القضية مع الجانب الإيراني. ولأن الحكومة الأفغانية لم تدافع عن أتباعها بجدية لازمة في مثل هذه الوقائع، يبدو موقفها للحكومة الإيرانية، بلا أهمية تذكر و نتيجة لذلك لا تهتم بمطالب الحكومة الأفغانية.
إن إيران لم تراع أبدا المطالب الأفغانية ولا المعاهدات الثنائية، بل عملت دوما على نيل أهدافها بالأسلوب الذي تراه مناسبا، ولكن الحكومة الأفغانية إلى الآن لم تستطع معرفة الإحصائيات الدقيقة لأتباعها السجناء في السجون الإيرانية والذين حكم على كثير منهم بالإعدام، كما لم تستطع معرفة أحوال السجناء، وحتى عندما يتم إعدام الأفغان في إيران، لا تستطيع الحكومة الأفغانية أن تحصل على جثثهم.
كان على الحكومة الأفغانية على أقل تقدير أن تُبرز هذه القضية إلى المحافل الدولية وأن تقدم شكاوى إلى جهات دولية. وعلى صعيد متصل يظهر أن لإيران أنشطة سرية كثيرة، وكان على الحكومة الأفغانية أن تضع حظرا على أنشطة بعض المؤسسات الإيرانية التي هي متهمة بالعمل من أجل أهداف استخباراتية. النهاية