من دون أن تعلن لجنة الانتخابات الأفغانية المرشح الفائز بناءً على نتائج الأصوات، أعلنت أشرف غني أحمدزاي رئيسا لأفغانستان كما أعلنت عبدالله عبدالله مسؤولا “لـلرئاسة الإجرائية”. إن هذا الإعلان وصمة عار كبيرة على هذه اللجنة، وعلى العملية الانتخابية كلها، وهو تلاعب كبير مع قوانين البلد. فقد كانت مسؤولية اللجنة تملي عليها أن تعلن فائزا واحدا للرئاسة الأفغانية، ولا أن تستسلم للمساومات السياسية. لا تعني الانتخابات أبدا أن يُقبل الشعب على صناديق الاقتراع ويصوت كل لمرشحه المفضل فيفوز في النهاية كلا المرشحين ويقسموا القدرة بالنسبة 50% بينهما.
رغم أن توافق الطرفين لتوقيع معاهدة تقاسم السلطة وفّر على أقل التقدير ولأول مرة الجو لانتقال السلطة السلمي، وهو أمر جنّب البلد من إمكانية الوقوع في نزاعات أشد، فمع ذلك لا يمكن أن ننسى أن حل أزمة الانتخابات الأفغانية بُحث عنه خارج إطار الدستور الأفغاني، ونتيجة ذلك تم تشكيل ما سُمّي “حكومة الوحدة الوطنية”. وفيما يبقى الشرط الأول في محادثات السلام مع المعارضة المسلحة القبول بالدستور، وبعد ما جرى في الساحة السياسية وتم تجاهل الدستور، كانت هذه فرصة كبيرة، للمراودة اللينة مع المعارضة المسلحة تنفيذا للوحدة الوطنية.
مما يؤسف له، أن التوافق الذي تم التوقيع عليه من قبل المرشحَيْن، كتب في نهايته اسم مندوب الأمم المتحدة “يان كوبيش” واسم السفير الأمريكي “جيمز كوننجهام” للشهادة على تلك الوثيقة ولضمان مفادها، وهو إهانة حقيقية للأفغان. وإن كان ذكر اسم مندوب الأمم المتحدة في تلك الوثيقة أمرا يقبل التوجيه إلا أن اسم السفير الأمريكي فيها، بيان واضح بأن أفغانستان غير مستقلة، وأن ادعاء استقلالها ادعاء باطل.
حل قصير المدى… بداية الأزمة أم نهايتها؟
إن أفغانستان دوما تصبح ضحية الحلول قصيرة المدى التي تُفرض عليها من قبل الأجانب، وهذه المرة أيضا لم يكن حل الأزمة إلا من تلك النوعية. تحت عنوان “حكومة الوحدة الوطنية” وبضغط أجنبي كبير، تم تقاسم السلطة بين المرشحين بنسبة متساوية، وهي عملية سياسية لا تنتج منها إلا حكومة ضعيفة ناقصة أخرى لخمس سنوات توفر الفرص للمؤامرات الغربية الأمريكية وللتدخل الأجنبي من قبل الجيران.
إن وصول المرشحين معا إلى السلطة، ومن خلال العملية الانتخابية، نقض صريح للدستور الأفغاني وهو في الحقيقة يعني تشكيل حكومة غير دستورية. وتأسيس كرسي “الرئاسة الإجرائية” بضغوط داخلية وأجنبية ليس حلا نهائيا بل هو بداية لأزمات مستقبلية أخرى.
يتوقع بعض الأفغان، أن الطرفين سوف لا يتجاوزان اختلافاتهما إلى إدارة نافعة للبلد، وأن عهود الطرفين لا تجد طريقا سهلا نحو العمل، وهو أمر واضح أيضا، أن القدرتين الموازيتين في حكومة واحدة لا تستطيعان أن تدوما دون تنازع، فهذا الهاجس قد يخطر ببال المرشحين أشرف غني أحمدزاي وعبدالله عبدالله كما يخطر ببال الشعب. لأن هناك ملفات كبيرة أمام الحكومة الجديدة تحمل إمكانية الصراع بين الطرفين. وأما السؤال عن قيمة الحكومة المشكلة من فريق فائز وخاسر فسيجيب عنه المستقبل.
إن الانتخابات الأفغانية نموذج فريد على مستوى العالم، إذ أخّر الفريق الخاسر فيها نتائج الانتخابات لمدة ستة شهور، وفي النهاية تم إعلان فوز كلا المرشحين، فبعد هذا لا ينبغي للشعب أن يتوقع من حكومة كهذه أي توقعات ايجابية، بل عليه أن يعرف أن هناك تحديات كبيرة أمامه هو.
وتحمل المعاهدة الموقعة بين الطرفين كثيرا من الازدواجية وهو أمر سيسبب دوام النزاع بينهما. بدءً من انتخاب الوزراء إلى المسؤولين الأخرين سيستمر النزاع بين الفريقين. وإن نهاية أزمة الانتخابات الأفغانية لهي نهاية مسرحية واحدة لتتبعها مسرحية أخرى.
قد يسر أشرف غني أحمدزاي وفريقه الانتخابي بأن منصب الرئاسة الأفغانية صار لهم رسميا، ولكن سوف يظهر بعد فترة أنه يكون مكبل اليدين مثل حامدكرزاي. ودون أي تشاؤم بنوايا المشرحين، يمكن لنا أن نقول إن الحكومة المشكلة من الفريقين ليس من شأنها أبدا أن تخلص البلاد من الأزمات المستقبلية.
التشكلات الموازية
بعد أن تم إعلان أشرف غني أحمدزاي رئيسا لأفغانستان، وفي كلمته الرسمية الأولى أكد أحمدزاي مرة أخرى وعوده الانتخابية وقال إن الحكومة الجديدة سوف تقضي على التشكلات الموازية، والمراد من التشكلات الموازية في الأغلب يكون ولاية بلخ وحاكمها المقتدر عطا محمد نور.
حتى بعد التوافق بين المرشحين، قال عطا محمد نور في حديث مع الوسائل الإعلام أنه لا يعتبر أشرف غني أحمدزاي رئيسا منتخبا، وبأنه لا يشارك في حفل تنصيب الرئيس الجديد.
وبخصوص القضاء على التشكلات الموازية صرح عطا محمد نور أن عزله من منصبه ليس أمرا سهلا. ويبدو أن شراكة فريق عطا محمد نور في السلطة، بالنسبة العالية، ستحول بين أشرف غني أحمدزاي وبين القضاء على التشكلات الموازية.
الاتفاقية الأمنية
فور إنهاء أزمة الانتخابات الأفغانية، بدأ المسؤولون الأمريكيون يتحدثون لأسبوع كامل، عن الاتفاقية الأمنية بين أمريكا وأفغانستان، الأمر الذي يمهد الطريق للمؤامرات الأمريكية في أفغانستان وفي المنطقة.
فلو تم توقيع هذه الاتفاقية كما كانت من قبل وكما تم عرضها من قبل حامد كرزاي على المجلس القومي الاستشاري، ستكون هذه الاتفاقية مصدر أزمات كثيرة لأفغانستان. ولا توجد بها أي مواد تلزم أمريكا أن تساعد أفغانستان كما يروج لها بعض مؤيدوها.
هناك شائعات تقول إن المعاهدة الأمنية الثنائية، سيتم توقيعها بعد حفل تنصيب الرئيس خلال 24 ساعة. فقد واجه حامد كرزاي بسبب عدم توقيعه على هذه الاتفاقية كثيرا من الضغوط الداخلية والأجنبية، ولكن كرزاي أدرك خطورة هذه الاتفاقية على مستقبل البلد، واشترط لتوقيعها رفع خطوات جادة لإحلال السلام في البلد، الأمر الذي لا تريده أمريكا.
والآن وبعد أزمة الانتخابات الأفغانية فورا، صرح عبدالله عبدالله في حوار له مع قناة سي إن إن، بأن الاتفاقية الأمنية بين كابول وواشنطن سيتم التوقيع عليها بعد حفل تنصيب الرئيس خلال أسبوع واحد، وقبل ذلك أظهر أشرف غني أحمدزاي رغبة في توقيع الاتفاقية أيضا، ولكنه في موقف الرئيس قد يحس بمسؤولية أكبر تجاه القضية، لأن المسودة الحالية للاتفاقية تشبه معاهدة بين منتصر ومهزوم، وليست فيها تعهدات تلزم أمريكا لمساعدة أفغانستان، وأما عبدالله عبدالله فقد أبدى موقفه مبكرا وهو يظهر وجود ضغوط أجنبية عليه.
إن إطالة العملية الانتخابية وتخريب سمعتها كانت مؤامرة مدبرة من أجل تشكيل حكومة ضعيفة مليئة بالخلافات، وتنوي أمريكا في النهاية أن تستغل الخلافات الموجودة بين الرئيس الأفغاني و”مسؤول الرئاسة الإجرائية” لتصل إلى أهدافها.
لقد بدأت الضغوط على الحكومة الجديدة، من أجل توقيع الاتفاقية الأمنية ولكن توقيعها كما هي، سيكون بداية سيئة لسلسلة من الأزمات والتحديات الكبيرة.
السلام
إن إحلال السلام أصبح شعارا عند الأفغان، إلا أن الاتفاقية الأمنية بين أمريكا وأفغانستان، ستعرقل عملية السلام كثيرا، ولا يعدو رفع شعار السلام رغم تواجد القوات الأجنبية في أفغانستان إلا أن يكون خداعا للشعب.
لقد كرر حامد كرزاي في كلمته الأخيرة ولمرات عديدة أن مفتاح السلام في أفغانستان، تملكها أمريكا وباكستان، وهي حقيقة أدركها الآن الشعب الأفغاني، وإن أمريكا ترى مصالحها في استمرار الحرب في أفغانستان، ولو أرادت غير ذلك لاستقرت الأحوال في أفغانستان منذ سنوات كثيرة.
مع أن أشرف غني أحمدزاي قطع على نفسه وعودا كثيرة، وفي أول كلمة له بعد إعلانه رئيسا للبلد، صرح أن محادثات السلام مع المعارضة المسلحة ستكون على صدر قائمة أعماله، وأكد أن القضايا السياسية لابد لها من حلول سياسية، ولكن عملية السلام تعرقلها أمور كثيرة، منها تواجد مواقف مخالفة داخل الحكومة. فقد قال عبدالله عبدالله في حواره مع سي إن إن، بأنه فيما استمر القتال من قبل حركة طالبان المسلحة، فإن على الحكومة أن تعاملها بالقتال بدلا من السلام. النهاية