لكل شعب مفاخره الوطنية. وهذه المفاخر المتشركة عوامل توحد عناصر لغة وعرق ودين مع بعضها البعض، وتشكل منهم أمة واحدة.
ويُعتبر استقلال أي بلد مفخرة وطنية عظمى. هذه أمريكا التي ترى نفسها أكبر قوة عالمية، تحتفل سنويا بذكرى استقلالها من البريطانيا.
لماذا ينبغي أن نحافظ على ذكريات المفاخر التاريخية؟ لأن المفاخر التاريخية دليل حيّ على ماض مشترك لأي أمة، ومن شأن هذه العناصر أن ترسخ الوحدة بين أبناء الوطن الواحد، وفي الأوساط الشعبية. إن آبائنا إذ قاموا بتحرير هذه البلاد من سلطة الاستعمار الإنكليزي قبل 95 سنة، فإن ذلك يعني أنهم تعلقوا جميعا بهذه الأرض فأحبّوها وضحّوا من أجلها.
من الاستقلال إلى الحرية
إن كلمتي الاستقلال والحرية يتم استخدامهما بصورة مترادفة أحيانا، ولكن بالمعنى الحقيقي هناك تعريف خاص لكل واحدة منهما. يرى الكثيرون أن الإستقلال يعني الحرية من أية سلطة أجنبية، ومن عبودية أي فرد أو مجموعة أو شعب آخر، وإن البقاء تحت سلطة الغير، وعدم الحرية في أخذ القرار للنفس نوع من الرق والعبودية، وهو يعني عدم وجود الاستقلال.
وأما الحرية فهي تخص نوعية تعامل الدولة مع الشعب في مجال السياسة الداخلية. وبعبارة أخرى إذا كان القانون يحمي حريات مشروعة لأي شعب وإذا كان هناك تنفيذ عملي لتلك الحرية فإنه يكون شعبا حرا. إن بلدا يخضع للقمع والاستبداد قد يكون بلدا مستقلا من السطان الأجنبي، ولكنه لا يكون بلدا حرا. ولذلك يمكن القول إن الحرية والاستقلال يستلزم واحد منهما الآخر حتما، ولا معنى لواحد منهما دون غيره.
ولكن ما يحدث كثيرا، أن الأنظمة القمعية تستغل الاستقلال كحربة في قمع المعارضين، وكلما قاومت مجموعة القمع الداخلي وصمدت أمام النظام القمعي، سيتم اتهامها بالعمالة للأجانب وبمعادة الاستقلال.
إلى جانب الاعتقاد بالقمع، هناك نظرية أخرى اليوم تقول إن الحرية الداخلية والرفاه المادي أكثر أهمية من الاستقلال السياسي لأي بلد. ففي لقاء جماعي لعدد من المحللين الأفغان في السفارة البريطانية في كابول، خاطب محلل أفغاني السفير البريطاني قائلا ومتأسفا: “إن ثورة آبائنا ضد الاستعمار الإنكليزي كانت ثورة ضد المدنية، ولولاها، لكنا اليوم مثل باكستان في رقي اقتصادي!”.
دور الاستبداد
عندما ننظر إلى تاريخ دول العالم الثالث، وإلى تاريخ بلدنا بالذات، نرى أن تاريخه الداخلي يزخر بالاستبداد الداخلي. فإن مستبدي الداخل توسلوا دوما إلى الاستعمار الخارجي لبقاء حكمهم عبر عملية القمع بإعانة الأجانب.
في أي بلد عندما يكون هناك استبداد داخلي، فإن حكامه يضطرون للتوسل إلى الأجانب لاستمرار حكمهم. في مثل هذه الحالات وإن تظهر تلك الأمة حرة، لكن الاستعمار يحكمها بطريقة خفية. هي حالة عاشها الأفغان بعد اعتراف الاستعمار الإنكليزي باستقلال بلدهم.
الاستقلال والتجريد
وكان الحكام المستبدون وعملاء الاستعمار يحاولون في الماضي أن يسدوا الباب على وجه كل رقي اجتماعي في المجمتع، لعلهم بذلك يحافظون على جهل الشعوب، ويحكموا حياة الأمم كما يرغبون. ومثل هذه الأنظمة القمعية تحاول دوما تجريد البلد وإبعاده عن بقية الدول، وكانوا يتخذون الاستقلال ذريعة لهذا العمل. إن قضية زيارة أتباع دول الجبهة الشرقية خارج بلدانهم، أثناء الحرب الباردة، وزيارة الأفغان إلى الدول الأجنبية فترة حكم ظاهر شاه وداؤد خان، خير مثال لتلك الحالة.
ولكن اليوم وبسبب ثورة الاتصالات، لا يمكن لأي بلد أن يحس بالاستقلال في حالة التجريد. فترة حكم طالبان مثال لذلك، إذ تجريد البلد لم ينفع في الحفاظ على استقلاله من الأجانب شيئا. فإن الحفاظ على الاستقلال الوطني يمكن بالمشاركة الوطنية في الحكم فقط وذلك ليشعر كل فرد أنه صاحب الأرض والديار، ويستعد كل أبناء الوطن للتضحية من أجل البلاد.
دور الأبطال في التاريخ
يقول توماس كارلايل، إن الأبطال هم صانعو التاريخ. مع أن الفلسفة الاجتماعية لا تُرجع التغيير الذي يحدث في التاريخ إلى عنصر واحد، إلا أننا نعرف جيدا أن التغييرات التاريخية في معظم الأحيان تتشكل نتيجة أفكار وأعمال القادة والزعماء والنخبة لكل شعب وأمة. وهؤلاء الفئة بأنفسهم يُعتبرون نتيجة للتغيير والرقي في مجتمعهم.
في أفغانستان أيضا، عندما يُذكر استقلال البلد الحاصل قبل 95 سنة، يأتي معه ذكر أمان الله خان كملك ذي همة للبلد، إذ حصل على الاستقلال في 1919م.
استقلال اليوم
وقد ظهر في الأوساط الأفغانية بعد عام 2001م، “مفكرون مثقّفون” يكررون للشعب أن الاستقلال بمعنى عدم وجود أي سطلة أجنبية على رقاب الشعب، مفهوم خاص لفترة الحرب الباردة. وأن الاستقلال قد فقد مفهومه القديم، والعالم الآن أصبح قرية صغيرة، ولا يمكن لأي بلد أن يقوى على السير والرقي دون الاتكاء على الدول العظمى.
ومثل هذا التعريف للاستقلال من شأنه أن يخدع عامة الناس بشكل كبير، لأن “الاتكاء” و”سلطة الأجانب” شيء، و”العلاقة” مع الأجانب شيء آخر. إن الأمم الحرة تحفظ مصالحها العليا في علاقاتها مع الدول الآخرى. والمصالح العليا هي وسائل وعدة تمكن الأمة من الحفاظ على نفسها في مواجهة التحديات والتهديدات الأجنبية المختلفة.
وفي هذا المجال يرّغب الشاعر والمفكر الإسلامي محمد إقبال المسلمين بالرجوع إلى “الذات” ويرى أن سلطة الأجانب تستنزف قوى الأمة وتقتل الذات وتوفر لسلطة الاستعمار النفَس الطويل للبقاء.
في أفغانستان، يرى الجميع أن الأزمات المختلفة يرجع أساسها إلى أننا فقدنا الثقة بيننا واليقين على قدراتنا، ولذلك ربطنا مستقبلنا بمساعدات أجنبية. إن الحضور الأجنبي في البلد سبب في بقاء هذا الإحساس الفتاك، ويسد رجوعنا إلى أنفسنا. وما دمنا على هذه الحال فإن الاحتفال بالاستقلال، عادة مكررة، وما دام الأجانب يحكموننا، فإن الاحتفال بالاستقلال لا يذكرنا بعظمة مفخرة وطنية كبيرة، بل ويذكرنا بالدنية، إذ لم نحافظ على استقلالنا بعد تلك التضحيات الجسام. النهاية