رغم الاختلافات والمشادات التي حفل بها المشهد الأفغاني حيال السلام، تم افتتاح الجلسة العليا للسلام يوم الاثنين الماضي بتاريخ 29 أبريل واستمرت لخمسة أيام. كان الغرض من الجلسة هو تحديد أطر السلام والخلوص إلى توصيات حيال السلام للحكومة. عدّتِ الحكومةَ انعقادَ الجلسةِ فاتحةً لمحادثات السلام بين الأفغان، ومن ثم تسعى الحكومة من خلال الجلسة المنعقدة للانخراط في عملية السلام.
لدى الحكومة الأفغانية تعريف معين وأطر محددة للسلام، إلا أن هذا التعريف وهذه الأطر ليست محل اتفاق، وعلاوة على ذلك فإن رؤية الحكومة أوقفتها على أرضية هشة لا تسمح لها بلعب دور بارز في عملية السلام كما أن الحكومة – برؤيتها – تكاد تقف موقف المعارض لعملية السلام. وقد لاقى موقف الحكومة الأفغانية تجاه الصلح انتقاد الرأي العام والأحزاب السياسية والنشطاء المدنيين والرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي وبعض الشخصيات البارزة، كما تم وصف موقف الحكومة من قِبل هؤلاء بالخمول. بالإضافة إلى المذكورين فإن زلمي خليلزاد المبعوث الخاص من الولايات المتحدة الأمريكية حيال السلام الأفغاني انتقد الحكومة عدة مرات كذلك. ولأجل هذه التوبيخات والانتقادات وما حصل للحكومة من عزلة سياسية، شعر غني بضرورة عقد جلسة الشورى الوطنية لتعزيز موقفه.
انتخاب رئيس وأعضاء الجلسة
أعلنت الحكومة أنه ستعقد انتخابات لاختيار أعضاء الجلسة. ضمن المشاركين البالغ عددهم 3200 شخص، يمثل ولاية كابل 1000 مندوب ويُمثل بقيةُ المشاركين الولايات الأخرى. في الولايات تم تشكيل لجان تتضمن رئيس مجلس شورى الولاية ومسؤول شؤون المرأة في الولاية، ورئيس شورى العلماء وآخرون، وتقوم هذه اللجنة بانتخاب الأعضاء المشاركين في المجلس الوطني للسلام.
نشرت الصحافة شكاوى حول عملية انتخاب الأعضاء المذكورين، ونشرت دعاوي تفيد بأن الأعضاء المنتخَبين كانوا إما مسؤولين حكوميين أو مقربين من حاكم الولاية أو من مجلس شورى الولاية.عندما عزمت الحكومة على إعلان انعقاد الجلسة الوطنية للشورى بدأ النزاع منذ ذلك الحين. وسمت الأحزاب السياسية الجلسةَ على أنها دعاية انتخابية لصالح أشرف غني للانتخابات الرئاسية القادمة ومن ثم قاطعوا الجلسة. رغم أن حامد كرزاي وافق على انعقاد الجلسة بدايةً إلا أنه مؤخرا اعتبرها غير ضرورية وشكك في نتائجها، كما وصف قلب الدين حكمتيار رئيس الحزب الإسلامي الجلسة بأنها غير ضرورية وعدّها حجرا معيقا في طريق السلام. والأهم من ذلك موقف عبدالله عبدالله الرئيس التنفيذي للحكومة الذي اشتكى من عدم التشاور معه حيال عقد الجلسة الوطنية حيال السلام وقاطعَ المشاركة فيها.
رغم مقاطعة الشخصيات البارزة إلا أن غني استطاع أن يُقنع القائد الجهادي السابق عبد رب الرسول سياف باستلام قيادة الجلسة، الشخص الذي ما زال يحتل مكانه بين قادة الجهاد والشخصيات السياسية في البلد، كما أنه أستاذ جامعي (بروفيسور) في العلوم الشرعية ويملك مهارات خطابية مؤثرة، وهذه الصفات لا تتوافر في الرئيس غني أو أي من المشاركين في جلسة السلام، لذا كان سياف هو المنقذ لمشروعية جلسة السلام تجاه أزمة مقاطعتها من قبل الأحزاب والشخصيات البارزة.
داخل القاعة
قاعة الجلسة والجلسة نفسها أُعدت على نحو يوصل رسالة بكون الجلسة اجتماعا وطنيا. رغم أن عبدالله عبدالله قاطع الجلسة إلا أن صورته قد عُلقت قرب المنصة. كما أن القناة التلفازية الوطنية انفردت بنشر فعاليات اليوم الأول من الجلسة ولم يُسمح لباقي الوكالات بدخول القاعة والحديث إلى الأعضاء المشاركين. قرر المنظمون للجلسة أن تبقى الأنشطة وأحاديث الأعضاء واللجان خلف الأبواب، رغم أن المفترض هو إتاحة الفرصة للأعضاء بالحديث والتعبير عن آرائهم دون أدنى خوف أو قلق. وبعد اعتراضات الوكالات الإخبارية تم السماح لبعض المراسلين بالدخول إلى القاعة والحديث مع الأعضاء. رغم وجود الصور والشعارات في القاعة إلا أن التغطية الإعلامية الموحدة للجلسة تدل على أن المنظمين أرادوا التحكم في الجلسة بالكامل وأن يُجنبوها وقوع أي أحداث غير مرتقبة.
بالإضافة إلى حصر الجهة الناشرة لأنشطة الجلسة فإن تعيين رئيس المجلس من قبل رئيس الجمهورية وتعيين الهيئة الإدارية للمجلس من قِبل رئيس المجلس يدلان على السعي إلى التحكم في مراحل مجلس الشورى الوطني ومن ثم التحكم في نتائج المجلس.
أسئلة للمناقشة
أعدت الحكومة أسئلة محددة مسبقا ليتم مناقشتها في الجلسة. الأسئلة التي تم طرحها على المشاركين وتم ترتيبها وفق أهميتها ارتكزت حول المواضيع التي أكدت عليها الحكومة خلال الأشهر القليلة الماضية في مفاوضات السلام.
أهم قضية طرحت هي حول كيفية إقناع طالبان بالسلام. لم يكن الغرض هو الإفادة بعدم رغبة طالبان بالسلام وإنما معرفة كيفية دفع طالبان نحو المفاوضات. حتى الآن فإن طالبان رفضت التفاوض مع الحكومة واعتبرت التفاوض معها مُسقطا لمشروعية مناهضتها العسكرية لها. يُصرح تنظيم طالبان بأن مفاوضاته ستتم مع المدنيين والأحزاب السياسية لا مع مسؤولي الحكومة. أما الحكومة فإنها حاولت من خلال الجلسة الوطنية للشورى أن تضغط على طالبان وعلى الولايات المتحدة لأجل البدء بالمفاوضات مع الاعتراف بالحكومة الأفغانية كطرف مفاوض.
اختلفت أجوبة الأعضاء المشاركين حيال الأسئلة المطروحة، وهناك إجابات مشابهة شملت افتتاح مكتب لطالبان في أفغانستان، وتعيين أوقات انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، ووقف إطلاق النار، وإطلاق سراح السجناء لإعادة جو الثقة بين الحكومة وطالبان.
قضية خروج القوات الأجنبية ليس من صلاحيات الحكومة، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية وافقت على سحب قواتها في حال كانت الشروط مرضية. إطلاق سراح السجناء خطوة معقولة إلا أنها لن تُجبر طالبان على التفاوض مع الحكومة. فتح مكتب لطالبان في أفغانستان كان مطلبا للحكومة وقد أبدت الحكومة استعدادا له. إلا أن هذا المطلب غير قابل للتنفيذ، كما أن طالبان ليسوا مستعدين للتفاوض حيال السلام تحت مظلة الحكومة الأفغانية.
الموضوع الثاني تمحور حول حفظ القيم. قبل الجلسة أصرت الحكومة على توخي رعاية الدستور في محادثات السلام. وقد لاقى توجه الحكومة انتقادا مبطنا من الولايات المتحدة وانتقادا صريحا من الأحزاب السياسية والشخصيات البارزة الأفغانية. أرادت الحكومة إضفاء المشروعية على موقفها عبر الجلسة الوطنية العليا للسلام التي ساندت بدورها موقف الحكومة. أكد المجلس الوطني للسلام على قيم عديدة أخرى وكان من أبرز ما احتاجت الحكومة إلى التأكيد عليه مواضيع مثل الحفاظ على الدستور، والانتخابات ونظام الحكم.
الموضوع الثالث تعلق بتشكيل فرق التفاوض لمحادثات السلام وهو موضوع شعرت الحكومة بأهميته حيث برزت مخالفات في المرة الأخيرة التي أعلنت فيها الحكومة عن قائمة الأشخاص المعينين للتفاوض مع طالبان في محادثات السلام. سعت الحكومة إلى إيجاد طريقة لحل الموضوع من خلال الجلسة ليتم عرض النتيجة في شكل قرار وطني في المستقبل. وقد توصل أعضاء الجلسة إلى حل مشترك وهو أن تكون القائمة شاملة ومتضمنة للخبراء وبعض الأعضاء المشاركين في المجلس الوطني للسلام، وقد أدلى الرئيس جوابا مناسبا على هذا الطلب.
الموضوع الرابع ارتبط بموقف الحكومة من الدول الدخيلة، وهو موضوع يفوق صلاحية وخبرة المجلس الوطني المنعقد، وقد كان مقترح المجلس حيال هذا الصدد عاما وغير واقعيا بسبب ضحالة فهمهم للأوضاع الحالية.
قرار المجلس الاختتامي وتأثيراته على عملية السلام
بعد خمسة أيام من المشورة أصدر المجلس بيانا اختتاميا مشتملا على 23 فقرة. طالب المجلس بالسلام الدائم وتعيين جدول خروج القوات الأجنبية بعد اتفاق كافة الأطراف الدخيلة في الموضوع حيث أنه لم تتم مناقشته بالتفصيل. كما أكد المجلس على الحفاظ على المنجزات الوطنية والنظام الحالي، وكذلك رعاية الدستور وتعديله عند الحاجة. وصى المجلسُ الحكومة الأفغانية وتنظيم طالبان بالتعامل الإنساني مع السجناء ومبادلة إطلاق سراحهم. كما شدد المجلس على أهمية إيقاف الإشاعات الخاطئة وضرورة الإسراع بإعلان وقف إطلاق النار.
طالب المجلسُ الأحزابَ السياسية والشخصيات البارزة والحكومة ببدء مفاوضات السلام كطرف وطني واحد. كما طالبوا بإعداد قائمة محايدة من الشخصيات الجهادية والشعبية والخبراء والعلماء ليُشاركوا في مفاوضات السلام.
في اختتامية المجلس، أعلن غني عن استعداده لإعلان وقف إطلاق النار، إلا أن هذه الخطوة ستنجح بشرط استجابة طالبان وإيقافهم الحرب من جانبهم أيضا. وقد أعلنت الحكومة إطلاق سراح عدد 175 من سجناء طالبان بسبب ما توصل إليه المجلس ومراعاة لِحرمة شهر رمضان المبارك.
لا شك أن حكومة الوحدة الوطنية قد خرجت عن عزلتها السياسية بعقد هذا المجلس الوطني، وأخذت زمام المبادرة بيدها وأوضحت لطالبان والعالم أن السلام لن يكون متحقق الإمكان دون حكومة الوحدة الوطنية.
اختتم المجلس الوطني حيال السلام في حين عُقد في الأسبوع الماضي جلسة ثلاثية في موسكو جمعت الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا. وقد ورد في البيان الصادر من وزارة الخارجية الروسية أن خروج القوات المسلحة الأجنبية من أفغانستان يجب أن يحصل بطريقة مسؤولة ومدروسة، وقد صرحوا بأهمية وقف إطلاق النار كأول خطوة في طريق السلام، كما أكدوا بدعمهم لمفاوضات السلام بين الأفغان وبقيادة الأفغان لأجل استقرار الأمن والرخاء في أفغانستان.
كما أن زلمي خليلزاد رحب وثمن هذه الجلسة وصرح بأنها خطوة مهمة لأجل إحلال السلام وأن العالم متفق على ضرورة السلام في أفغانستان. الحكومة الأفغانية بدورها أيضا ثمنت الجلسة المنعقدة في روسيا حيال السلام في أفغانستان.