مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية
مقدمة
خلال الأشهر الماضية شهد ملف السلام الأفغاني تحولات أضفت غموضا ومخاوف متزايدة على مصير عملية المصالحة. أطروحة السلام الأفغاني المقترحة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية ولّدت أبعاداً جديدة لعملية السلام وأثارت آمالا ومخاوف وجدلا واسعا على الصعيدين المحلي والدولي. نظرا لما يمر به البلد من أوضاع حرجة، وانطلاقا من إدراك الأهمية الفائقة للطور الحالي من عملية السلام الأفغاني؛ عقد مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية اجتماعاً ضم عددا من الشخصيات السياسية والمفكرين وتمت مناقشة الأطروحات المقترحة للسلام الأفغاني والتحديات الراهنة بصورة شاملة. بإمكانكم من خلال هذا الرابط الاطلاع على تقرير موجز عن الاجتماع مع ذكر أسماء عدد من الشخصيات السياسية والأكاديمية التي شاركت في الندوة. إن الهدف الرئيسي من انعقاد المؤتمر النقاشي هو تزويد الجهات المؤثرة في عملية السلام بتصورات ومقترحات من شأنها أن تسهل حسم القضايا المختلف حولها وتقرّب الرؤى وتمهد الطرق لحل قضية أفغانستان عبر الحوار وتحول دون استمرار الحرب الدامية الجارية. تقرؤون في هذا المقال ما انبثق من نقاشات عن الاجتماع المذكور من تقييم للأطروحات المقدمة للسلام الأفغاني، واحتياجات المرحلة الراهنة ومقترحات مقدمة للجهات السياسية المؤثرة والأطراف الداخيلة بهدف إنجاح عملية السلام.
تقييم الأطروحات المقترحة للسلام
بصورة إجمالية لم تشهد السنوات الماضية تقديم أطروحات عملية للسلام تتسم بالواقعية وتكون سببا لحصول تطور ملحوظ في مسار السلام والتلاحم الوطني. قُدمت أطروحاتٌ للسلام من قبل الحكومة الأفغانية إلا أنها كانت غير قابلة للتنفيذ. وقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية مقترحا حديثا للسلام مما حدا بمختلف الأحزاب والجمعيات إلى الإدلاء بدلوها من خلال تقديم أطروحات جديدة للسلام أو إحداث تعديلات وإيجاد بدائل لمقترح الولايات المتحدة الأمريكية مع بيان مواقفها من المقترح الأمريكي.
إن النشاط الملحوظ في تقديم الأطروحات للسلام وليد الجزم بأن مقترح الولايات المتحدة الأمريكية مقترح متكامل وقابل للاعتبار والمناقشة؛ ولذا تم اعتباره مقترحا مركزيا أو أُضيفت عليه بعض التعديلات أو تم تقديم مقترحات للتعديل فيه. على أرجح تقدير يُعد المقترح الأمريكي للسلام هو الأساس الذي يُشكل أطر التفاوض بين الجهات الأفغانية؛ وذلك لأن الجهة الدولية الضاغطة والمحركة لعملية مفاوضات السلام والآخذة بيدها نحو التنفيذ هي الولايات المتحدة الأمريكية وتسعى لسحب قواتها من أفغانستان وفق ما تحتمه عليها المسؤولية. بالإضافة إلى كون المقترح المقدم مؤخرا من الولايات المتحدة الأمريكية غير عملي – بشكل ملحوظ – نجد أن به مكامن قصورٍ كذلك. إلا أن المقترح الأمريكي للسلام لم يُدرس ويُقيم بصورة فاحصة على مستوى أفغانستان، كما لم يتم تقديم أطروحات بديلة مناسبة تتسم بالواقعية المطلوبة.
كردة فعل للأطروحة المذكورة، قام المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية بأفغانستان بتقديم مقترح ادعى أنه موحد وجامع لنحو 30 طرحا ويهدف للوصول إلى اتفاق مع طالبان. إلا أن هذا المقترح ليس جديرا بالنظر والمناقشة لأنه يماثل أطروحة الولايات المتحدة الأمريكية مع تغييرات طفيفة؛ كما أن المقترح احتوى على جزء يسير من أطروحة الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني واشتمل على إضافات أخرى جعلت منه وثيقة متناقضة ومتضاربة.
توصل المؤتمر المنعقد بمركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية إلى نتيجتين حيال الأطروحات المقترحة للسلام وما تمر به البلد من أوضاع راهنة: أولها أن ملابسات الحالة السياسية للبلد تفيد الميل نحو مقترح السلام المشار إليه آنفا كما يبدو أنه سيصبح محل اتفاق بعد إحداث تغييرات طفيفة عليه. وقد رآى المشاركون في المؤتمر بأن المقترح المذكور به عيوب فادحة وقصور بالغ وإذا تم تقديمه كسبيل لحل القضية الأفغانية أو تمت الموافقة عليه مع تعديلات يسيرة فيه فسيؤدي إلى زعزعة الاستقرار وفشل عملية السلام. ثانيا: ينبغي تقديم مقترح جديد؛ وستتم الإشارة فيما بعد إلى الخطوط العريضة في المقترح المنشود؛ وفيما يلي نشير إلى الانتقادات الموجهة إلى المقترح الحالي المقدم للسلام الأفغاني.
الف: أصول إرشادية
يحتوي المقترح الأمريكي للسلام الأفغاني في الجزء الأول منه على عدد من الأصول التي إذا تم الاتفاق عليها فإنها ستشكل حجر الأساس للدستور الأفغاني المستقبلي. هذا الجزء من المقترح بحاجة إلى بعض التعديلات، وفيما يلي عدد من الأمثلة.
تم إعداد هذه الاتفاقية بصورة قابلة للتوقيع من طرفين – الحكومة الأفغانية وطالبان – وبناء على ذلك يبدو أن تجربة مؤتمر بُن وأخطاءها ستتكرر، وذلك بتنحية عدد من الجهات الأفغانية عن أزمّة السلطة ودوائر صنع القرار. وإذا اعتبر الجهات الأخرى ما سوى طالبان من الجانب الحكومي الأفغاني فلن يكون هذا التصنيف واقعيا وذلك لأن الكثير من الشخصيات والتيارات السياسية تعارض سياسات الحكومة وتخالف قراراتها. إذا تم تقاسم السلطة وفق هذا المقترح على الجانبين المذكورين فإن ذلك سيجر إلى تكرار التجربة المخفقة التي خاضتها حكومة الوحدة الوطنية قديماً. لذا ينبغي أن يشتمل المقترح بالكلية على إنشاء إدارة محايدة جديدة. كما أنه من الضروري أن يُصرح في المقترح أن الاتفاقية ستُعقد بين طالبان والحكومة الأفغانية والجهات السياسية الأخرى ويتم تعديل بقية المقترح وفق مدلول هذا البند. بالإضافة إلى ذلك، ذُكر في المقترح أن الولايات المتحدة الأمريكية تُعد طرفا وسيطا وضامنا لنجاح الاتفاقية؛ في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية طرف رئيس من أطراف القضية الأفغانية. وقد أغفل المقترح بيان تفاصيل الجهات الضامنة ومسؤولياتها المناطة بها.
إن أهم عامل مسبب للحرب الجارية في البلد بعد قضية حضور القوات الأجنبية هو الاختلاف بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان حول أسلمة نظام الحكم؛ وذلك لأن الدستور خلال العقدين الماضيين أكّد على كون القوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية، إلا أن المعارضة المسلحة لا تُقر بكون القوانين المتبعة في البلد موافقة لشرائع الإسلام. مع أن كافة الأطراف تدلي بتصريحات عامة حول أهمية أسلمة أنظمة الحكم إلا أنها لا تقدم معالم واضحة للنظام الإسلامي المنشود.
وفي هذا الصدد تضمن المقترح إشارات عابرة، ومن أمثلة ذلك التصريح بأن الدين الرسمي للدولة المستقبلية هو الإسلام، وهو أمر يؤكد عليه الدستور الأفغاني الحالي. وقد كان من الضروري على أقل تقدير أن يُصرح بأن كافة قوانين الدستور والقوانين الأخرى يجب أن تكون مطابقة لأحكام الشريعة وأنه لا يُسمح بوضع أي قانون مخالف للشريعة، وأن هذه المادة من الدستور غير قابلة للتعديل وأنها حاكمة على جميع بنود الدستور؛ وذلك لمنع حصول أي تفسير للدستور بما يعارض أحكام الشرع؛ وذلك يضمن عدم اعتراض أي فئة في المستقبل على الدستور من ناحية مخالفة بنوده للشريعة الإسلامية.
بالإضافة إلى ذلك، أُشير في هذا الجزء من المقترح إلى تأسيس كيان شرعي تحت مسمى (المجلس الاستشاري السامي للفقه الإسلامي) والذي يقوم بتقديم المشورة لكافة الإدارات الوطنية والمحلية. ويلاحظ أولا أن الهدف من تأسيس هذا المجلس هدف مبهم وغير واضح – ما المراد بتقديم المشورة؟ – ويُخمن أن الهدف من تأسيس هذا المجلس هو أسلمة القوانين وجعلها موائمة للأحكام الشرعية؛ إلا أن هناك قلقا حقيقيا من أن يُستغل هذا المجلس لشرعنة الفكر الاستبدادي والقرارات الجائرة الصادرة عن السلطة المتسترة بستار المرجعية الشرعية، كما حصل في عدد من الدول الإسلامية. لذا من الضروري أن يتم تحديد الهدف بوضوح مع بيان أن صلاحية إصدار الفتوى لن تكون حكرا على المجلس المذكور. ولأجل حفظ الصبغة الإسلامية للقوانين يُقترح عوضا عن المجلس المذكور أن يتم إحداث وحدة قانونية عبر آلية واضحة، مثل أن تُنشأ محكمة دستورية (تقوم بمراقبة تنفيذ القوانين وخصوصا القانون المشار إليه آنفا والحاكم بأن تكون كل القوانين موائمة للشريعة الإسلامية) أو أن يتم إنشاء مفوضية مستقلة. وعلى كل حال فإن الهدف هو أسلمة القوانين؛ ومن ثم لا بد أن تكون قرارات هذه الوحدة مُلزِمة حتى تحصل الثقة بعملية مواءمة القوانين مع الشريعة الإسلامية.
كذلك تمت الإشارة في المقترح إلى العدالة الانتقالية لضحايا الحروب خلال مدة 42 سنة الماضية. هذا الجزء من المقترح يحاول أن يُعمل ضغطا على كافة المجاهدين السابقين وعناصر طالبان، ولكن في الوقت ذاته يغفل قضايا الفساد الكبرى حتى يحصل عدد من الفاسدين على البراءة من الإدانة ويبقوا في دوائر السلطة. إذا رُفع الحديث عن العدالة الانتقالية فمن الضروري كذلك أن تُضاف إليها التحريات حول قضايا الفساد خلال العقدين الماضيين. إن الفساد الإداري خلال العقدين الماضيين ضرب بأطنابه على البلد وكان عاملا مهما من عوامل تخلف أنظمة الحكم وتوقف عجلة التنمية وتدهور الأمن واستمرار الحروب؛ إلا أن المقترح في هذا الجزء لم يتحدث عن الفساد والمفسدين. من جانبٍ آخر قد يتبدل النقاش حول العدالة الانتقالية إلى قضية مثيرة للجدل، وذلك لأن البلد شهدت قرار عفو عامٍّ سنة 2007م من قِبل حامد كرزاي وتم اعتماد القرار من قبل مجلس النواب. في تلك الفترة أثار القرار المذكور انتقادات واسعة في الداخل والخارج وذلك لأن القرار يقضي بالعفو عمن ارتكبوا جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان وإعفائهم عن الملاحقة القانونية والمساءلة. إن رفع قضية العدالة الانتقالية قد يُقلق بعض الجهات ومن ثم ستحاول عرقلة عملية السلام. مع أن إعمال هذا النوع من الضغوط في المؤتمرات له آثار إيجابية إلا أن مصطلح – العدالة الانتقالية – مصطلح مبهم لم يتم توضيحه كما لم يُتطرق إلى آلية الوصول إلى هذه العدالة. إن إضافة مثل هذه المواضيع الشائكة في وثيقة مؤقتة لن يُضيف إليها شيئا سوى المزيد من المشاكل.
إن قضية الانتخابات قضية أساسية وهامة وتُعد مصدراً رئيسا للفساد والفوضى؛ ومع ذلك نجد أن المقترح لم يبحث في آلية الانتخابات، في حين أن هناك علاقة مباشرة بين الانتخابات والفساد وتُعد الانتخابات السبب الرئيس للفساد في أفغانستان. إذا دققنا النظر في مراحل الانتخابات في أفغانستان سنجد أنها هي المُنتجة للكثير من المشاكل والنكبات؛ ويكاد يصح القول بأن جميع الفترات الانتخابية شهدت تزويرا وجورا واسعا ولذا لم تفرز سوى تدهور في الأمن وزعزعة للاستقرار. وبصورة خاصة مرت الانتخابات الرئاسية في الفترتين الماضيتين بهذه التجربة ونتج عنها تأسيس الحكومات الائتلافية التي عرضت البلد للكثير من الاضطراب.
من المواضيع الهامة كذلك موضوع عودة المهاجرين إلى وطنهم، حيث لم يُشر المقترح إليه. في حين أن قضية المهاجرين كانت خلال العقدين الماضيين قضية شائكة ولم يتم الاتفاق خلال العشرين سنة الماضية على أي طرح لعودة المهاجرين وإعادة دمجهم في المجتمع.
ب: الحكومة الانتقالية
تم تقسيم الحكومة مناصفة بين إمارة طالبان وجمهورية أفغانستان وقد جرى هذا التقسيم في كافة أجزاء الاتفاقية. إن هذا يُعد إشكالا كبيرا بالاتفاقية وذلك لأن اتحاد الجهات المتصادمة فكريا لن يُنتج كيانا إداريا متناسقا. لذا يُناسب عوضا عن خيار الحكومة المشتركة أن تستند الاتفاقية على تأسيس إدارة محايدة جديدة.
في هذا المقترح لم يتم تعيين مدة الحكومة المؤقتة وهذا الأمر سيتم حسمه من خلال اتفاقٍ تعقده الأطراف ذات العلاقة بالأمر. الجدير بالملاحظة هنا أن بعض الجهات تؤيد تطويل الفترة الانتقالية في حين أن طول الفترة الانتقالية لن يكون أبدا في صالح البلد وسيمهد الطريق للفساد وتدخل الأجانب والعديد من المشاكل الأخرى. لذا ينبغي أن تحدد مدة 18 شهر كحد أقصى للفترة الانتقالية.
الاتفاقية المذكورة تطرقت في بعض المواضع إلى قضايا مثيرة للخلاف. على سبيل المثال تم طرح خيارين لنوع الحكومة: خيار النظام الرئاسي وخيار النظام البرلماني. من جانب يُعد هذا الأمر مثيرا للخلاف إلى حد كبير ولا يمكن حسمه في مؤتمر واحد، ومن جانب آخر فإن حسم هذه القضية ليس موكولا إلى عدد محدود من الأشخاص وإنما يرجع هذا الأمر إلى إرادة الشعب.
وفيما يتعلق بمصير مجلس النواب يقدم المقترح خيارين، أولهما أن تقدم حركة طالبان عددا من أفرادها لتتم إضافتهم في مجلس النواب ويستمر عمل المجلس، والخيار الثاني هو أن يتم تعليق عمل المجلس. مع أن الخيار الأول يواجه مخالفات عديدة يستدل أصحابها بأن فلسفة البرلمان ستضمحل في حال تم تنفيذ الخيار الأول وذلك لأن إضافة أعضاء إلى مجلس النواب دون أن ينتخبهم الشعب يضع علامات استفهام على فلسفة تشكيل المجلس (الذي ينوب عن الشعب)؛ إلا أننا إذا ركزنا على هذا الملحظ فينبغي حينها أن نضع علامة استفهام على حكومة السلام بأكملها، وذلك لأن حكومة السلام إنما تتأسس نتيجة لتوافق الأطراف المتنازعة؛ في حين أن عملية السلام لا يمكن أن تنجح دون فترة حكم انتقالية.
لذا يرى العديد من الخبراء أن يتم الحفاظ على عمل البرلمان ودوره مع إجراء تغييرات عليه؛ وذلك لأن مجلس النواب بصفته مؤسسة شعبية يقدر أن يلعب دورا إيجابيا، خاصةً إذا قدمت حركة طالبان مرشحيها للانضمام إلى البرلمان وتم دمجهم في المجلس حيث سيكون لوجود البرلمان حينها أثر بالغ في تقليل التحديات ومواجهتها.
مع أن المقترح أكد على حيادية أفغانستان وصرح بأن أرض أفغانستان لن تُستغل ضد أي بلد؛ إلا أن المقترح لم يوضح أي آلية تمنع تدخل القوات الدولية والإقليمية وقوى الدول المجاورة عن التدخل في الشأن الأفغاني الداخلي. وإذا لم يكن هناك اتفاقية أخرى موقعة من قبل هذه الدول بجانب الاتفاق بين الأفغان فلن تنعم أفغانستان بالسلام والاستقرار، وذلك لأن حضور القوات الأجنبية وتدخل الدول الأخرى في الشأن الأفغاني من أهم عوامل إطالة لأزمة الأفغانية.
كما لم يتضمن المقترح أي تأكيد على دعم حكومة السلام بعد تأسيسها من قبل المجتمع الدولي. في حين أن البلد في تلك الفترة ستتضاعف حاجتها للدعم الدولي مقارنة بالوضع الحالي؛ حتى تستمر الاتفاقية ساريةً بنجاح.
ج: وقف إطلاق النار
لا يحتوي المقترح على تصريح واضح حيال وقف إطلاق النار، حيث اقتصر المقترح على ذكر مفوضية متابِعة يتم إبلاغها حين يُنقض أو يُنتهك وقف إطلاق النار. ولم يُبين المقترح أي عقوبة مترتبة على انتهاك وقف إطلاق النار. إن ذلك يعني أن الاتفاقية لا تحوي سوى تعريفا بمفوضية مراقبة لهذا الشأن في حين أن الأوضاع لا تستوجب إنشاء جهة مراقبة لوقف إطلاق النار وإنما تستوجب قوة لوقف إطلاق النار، سواء كانت قوة محلية أو دولية أو مشتركة. كما أن آلية عمل المفوضية المراقبة لوقف إطلاق النار تم بيانها بشكل ناقص جداً.
علاوة على ما ذُكر، لم يتطرق المقترح إلى ذكر آلية نزع السلاح، في حين أن جزءا كبيرا من نجاح عملية السلام يتوقف على نزع سلاح الفئات المسلحة ودمجها في المكونات الشعبية المسالمة. في هذه المرحلة ينبغي على الأقل حصول اتفاق على القضايا الهامة والكلية حتى تُتخذ خطوات أكبر في هذا الصدد.
بصورة إجمالية يتسم المقترح بقصور آخر وهو عدم تعريفه بمهمة الإشراف والمراقبة وعدم ذكره لأي آلية للمراقبة، مما قد يؤدي إلى فشل الاتفاقية بعد توقيعها بوقت وجيز. على سبيل المثال اتسمت الاتفاقية الموقعة بين الحزب الإسلامي والحكومة الأفغانية بنفس القصور وكان عاقبة ذلك في الوقت الراهن أن كلا من الطرفين يتهم الآخر بعدم تقيده بالاتفاقية مما فتح باب الاختلاف بين الطرفين على مصراعيه.
من الناحية اللغوية هناك كلمات ومصطلحات تم إدراجها في الاتفاقية إلا أنها غامضة أو لها تفاسير ومعاني متعددة. على سبيل المثال تم ذكر مصطلح (المشاركة ذات المعنى) ومصطلح (لعب الدور أو منح الدور) ومصطلح (المشورة) ومثلها الكثير من المصطلحات التي كان من المفترض أن يحل محلها ذكر المسؤوليات بشكل واضح. هذا النمط من المصطلحات كفيل بإيجاد نزاعات كثيرة بين أطراف الاتفاقية وذلك لأن الثقة منعدمة بينهم.
ضرورات المرحلة الراهنة
النتيجة الثانية التي توصل إليها المشاركون في الاجتماع من الشخصيات السياسية والأكاديمية هي أن الاتفاق المنشود لا ينبغي أن يكون تفصيليا على النحو الملحوظ في المقترح الأمريكي للسلام، وذلك لأن القضايا الكبرى والكلية لا خلاف فيها، وكثير مما ذكر بالمقترح يرجع إلى جانب القيم وتفصيلاتها التي لا يمكن مناقشتها أو الاتفاق حيالها. الضرورة الماسة في الوقت الراهن هي وقف إطلاق النار ومنح السلطة لإدارة مستقلة انتقالية ومن ثم توكل مهمة مناقشة القيم للشعب الأفغاني، وبشكل عام فإن مثل هذه النقاط إنما تُحسم عبر المجلس الشعبي الأعلى (اللويا جيرغا) الذي من صلاحياته تعديل الدستور ومن ثم يُمهد الطريق نحو تأسيس الحكومة المنتخبة. من جانب آخر تفيد التجارب الماضية أن مفاوضات السلام لا تمضي قدما دون ضغط الجهات الدولية، ومن الضروري أن يحصل اتفاق بين الجهات الأفغانية حيال القضايا الأساسية والكلية تحت إشراف وضغط المجتمع الدولي، ويتم وقف إطلاق النار.
إن الرأي العام الذي نتج عن مؤتمر مناقشة قضايا السلام بعد النظر في جوانب القضية الأفغانية ووضع البلد هو أن الحديث حول تفاصيل النزاع بين الأطراف والحديث حول القيم سيعرض عملية السلام لعقبات كبيرة. من الأمثلة القريبة البارزة لذلك ما حصل في المرحلة الأولى من المفاوضات الأفغانية حيث حصل اختلاف حول تفاصيل آلية التفاوض واستغرقت مناقشة آلية التفاوض ثلاثة أشهر وكادت أن تنتهي المرحلة الأولى من المفاوضات دون الحصول على نتيجة. إن ضرورة الفترة الراهنة تكمن في إنجاح عملية السلام عبر ثلاث مراحل:
أولا: ينبغي قبل كل شيء تمهيد السبل لوقف إطلاق النار وإيقاف الحرب في كافة اراضي البلد، وذلك لأن السبب الرئيس لاستمرار الحرب – حضور القوات الأجنبية – آخذ في الزوال.
ثانيا: تأسيس إدارة انتقالية محايدة؛ دون أن يكون تأسيسها من خلال إدارة مشتركة ناتجة عن تقاسم السلطة بين الأطراف الدخلية (وهذه الإدارة المحايدة تقدر أن تكون محوراً للمفاوضات).
ثالثا: ثم يتم تعديل الدستور من قِبل الحكومة الانتقالية، ويتم الحصول على الإجماع الشعبي حيال التعديل من خلال المجلس الوطني الأعلى (اللويا جيرغا)، ثم تتخذ الخطوات لتشكيل الحكومة المنتخبة الجديدة وفق الدستور المُعدل الذي تم اعتماده.
إن القضايا التي يجري النقاش حولها حاليا تدور حول ثلاث محاور: الحرب والسلام، وتقاسم السلطة، وقيم الحوكمة. يرى الكثير من الخبراء أن أي مؤتمر ينعقد للسلام وتتم فيه مناقشة القيم مثل قضية تحديد نوع النظام وتفاصيل الحقوق – كما طُرح في المقترح الحالي للسلام – سرعان ما يواجه عقبات كبيرة من شأنها أن تعرقل عملية السلام، وذلك لأن الخلاف في هذه القضايا بلغ حدا لا يمكن معه أن يتم حسمها في مؤتمر أو مؤتمرين. كما أن اتخاذ القرار حيال هذه المسائل ومثيلاتها ليس من صلاحية عدد محدود من الأشخاص وإنما ترجع صلاحية ذلك لكافة الشعب. لذا ينبغي النقاش والبحث في آلياتٍ لحسم هذه القضايا ويتم اتخاذ القرار فيها وفق تلك الآليات.
بناء على ذلك فإن أول خطوة ضرورية هي إيقاف الحرب ووقف إطلاق النار، وذلك لأن السبب الرئيس للحرب والهدف من اندلاعها هو انسحاب القوات الأجنبية من البلد وخروجها. ينبغي – بالإضافة إلى قضية وقف إطلاق النار – الاتفاق بشكل موجز على الكليات والقضايا الكبرى ويتم استحداث إدارة شاملة محايدة مؤقتة، ويُشترط لنجاح عملية السلام أن لا تكون هذه الإدارة ناتجة عن تقاسم السلطة أو التفاوض في القضايا القيمية. من أبرز ما يظهر على الساحة في الفترة الراهنة أن نقاط الاختلاف بين الطرفين قليلة جداً، إلا أن السعي نحو حل القضايا الخلافية قبل حصول اتفاق في جو من الثقة سيعرض عملية السلام لمواجهة عقبات دون أدنى شك.
من الموضوعات التي قد يُحتاج إلى الاستفاضة في مناقشتها قضية الحكومة الانتقالية أو المؤقتة التي يمكن أن تتخذ أشكالا عديدة. ولعل التفاوضات حيال ذلك ستُسفر عن نتيجة متفق عليها. أما الحديث والتفاوض حول القيم فمن صلاحيات الشعب، ومن المستحسن في اتفاقية السلام أن يُتفق فقط على إدارة محايدة، أو يتم التدقيق في آليات لحسم القضايا المتنازع عليها ويحصل اتفاق على الأصول الكلية.
علاوة على ذلك، ينبغي عدم إغفال قضية الحصول على الإجماع الإقليمي. في الفترة الراهنة هناك العديد من الدول التي اختارت السكوت تجاه ملف السلام الأفغاني وخصوصا الصين والهند وإيران وباكستان. ينبغي أن يُؤمَن التدخل من جانب دول المنطقة وذلك لأن هذه الدول إذا رأت في الاتفاقية المحتملة للسلام مخاطر تواجه مصالحها فإنها ستسعى لإفساد عملية السلام. من جانب آخر تستطيع هذه الدول أن تلعب دورا إيجابيا في حث جانبَي النزاع الأفغاني على الانضمام لعملية السلام وإنجاحها.
ملخص للمقترحات والمحاور الهامة:
- إن البلد يمر حاليا بظروف حرجة وأوضاع حساسة، لذا من الضروري أن تُدرك النّخب خطورة هذه الأوضاع وتستغل الفرصة بأكبر قدر ممكن لوضح حد للحرب الدامية، وتتخذ خطواتها من منطلق إدراكها للمسؤولية.
- إن الامتناع عن المشاركة في المفاوضات الأفغانية للسلام ووضع العقبات في طريقها يتسببان في تضييع الفرصة السانحة للوصول إلى السلام، ولن يُنتج عن ذلك سوى استمرار الحرب المميتة وسقوط المزيد من الضحايا من أبناء الشعب الأفغاني. لذا على الجهات المعنية بقضية السلام أن تعي ملابسات الأوضاع الحالية وأن تلج المفاوضات الداخلية للسلام برؤية واقعية وعملية.
- في الفترة الراهنة لا يوجد إجماع سياسي في البلد وهناك خلاف واسع بين القادة السياسيين الأفغان في الكثير من القضايا وخصوصا أطروحات السلام والمصالحة. لذا من الضروري قبل أي شيء آخر أن يتم إيجاد إجماع داخلي بين الساسة الأفغان. ومع ذلك فإن الخلافات الداخلية بين الأطراف المختلفة ولا سيما داخل الحكومة الأفغانية يجب ألا تتسبب في جمود العملية برمتها.
- لا يمكن الوصول إلى اتفاق حيال القضايا التفصيلية والقيمية في أي مؤتمر ينعقد للتفاوض الداخلي بين الجهات الأفغانية. وإذا سعت الأطراف لذلك فسيكون بمثابة تعريض عملية السلام للفشل. لذا من الضروري أن يتفق الطرفان على القضايا الكلية ويتم اتخاذ القرار حيال القضايا التفصيلية والقيمية من قِبل الشعب في فترة لاحقة.
- إن مقترح إيجاد حكومة مؤقتة يُعد في الفترة الراهنة مقترحا معقولا ولا يوجد أي بديل عن إيجاد الإدارة المؤقتة؛ إلا أنه هذه الإدارة يجب أن تكون محايدة ومستقلة وأن لا تكون ناشئة عن تقاسم السلطة بين طرفي النزاع الأفغاني.
- إن الأطروحات المقدمة للسلام الأفغاني وخصوصا الأطروحة المقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية بها إشكالات ومواطن خلل بارزة، ومن الضروري عوضا عنها أن يتم إعداد أطروحة مختصرة للمرحلة الأولى من التفاوض بين الجهات الأفغانية وتكون مقتصرة على قضية وقف إطلاق النار وتسليم أزمة الحكم لإدارة محايدة مؤقتة، ثم بعد ذلك تُتخذ الخطوات للتفاوض حول القيم، والدستور، وانعقاد المجلس الوطني السامي لتعديل الدستور، وتأسيس الحكومة المنتخبة المبنية على الدستور المعدل المعتمد.
- بالنظر إلى المقترح المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية يظهر أن السلطة سيتم تقاسمها مناصفة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، ويُقلق من ذلك تكرار تجربة مؤتمر بن المخفقة. لذا تُعد مشاركة كافة الجهات الأفغانية في السلطة قضية محورية وجديرة بالاهتمام.
- مع أن المقترح لم يحدد مدة حكومة السلام المؤقتة، إلا أن أوضاع البلد تحتم أن يتم تقليص مدة الحكومة المؤقتة؛ حيث إن تطاول مدة الحكومة المؤقتة يزيد في تعقيد القضية الأفغانية ويفتح السبل لتدخل الأجانب ويمهد الطرق للفساد. لذا من المستحسن أن لا تزيد مدة الحكومة المؤقتة عن 18 شهرا.
- يوجد قلق من انهيار الإدارة المؤقتة بعد تسلّمها لأزمّة الحكم. وفي هذا الصدد لا بد من استمرار الدعم المقدم من المجتمع الدولي، حتى لا تتهاوى المؤسسات الإدارية في البلد.
- فيما يتعلق بالمجلس الاستشاري السامي للفقه الإسلامي هناك قلق من أن يصير في المستقبل المصدر المخول الوحيد لإصدار الفتوى وأن يجر ذلك إلى مشاكل أخرى. والأصل المفترض في حال الحاجة إلى أسلمة القوانين أن يتم إنشاء محكمة مخولة بذلك، وإذا تم إنشاء مجلس استشاري إسلامي فقهي فينبغي حينها أن يُصرح بأن هذا المجلس لن يكون المجلس الوحيد المخول بالفتوى وإنما يعمل كلجنة مختصة في نطاق مراقبة القوانين ومواءمتها مع الشريعة ومنع تقنين ما يخالف الشريعة.
- لم يتم ذكر آلية في المقترح تمنع تدخل دول العالم والمنطقة والدول المجاورة في الشأن الأفغاني الداخلي بعد توقيع اتفاقية السلام، في حين أن السبب الرئيس للحرب الجارية في أفغانستان هو هذا التدخل. من الضروري وضع آلية محكمة وواضحة في هذا الصدد.
- بصورة إجمالية، هناك حاجة ماسة لإحداث جو من الثقة بين أطراف النزاع الأفغاني، الأمر الذي يمكن تحقيقه من خلال الحكومة الانتقالية، ومن الضروري أن تعمل كافة الأطراف في الداخل والخارج على تعزيز الثقة المتبادلة، مع تجنب أدبيات المواجهة والاحتراب.
النهاية