في تاريخ 26/يوليو من العام الجاري أعلنت شركة الطاقة الأفغانية (شرکة بریشنا) بشكل مفاجئ أن دولة طاجكستان قللت معدل الطاقة التي تُصدرها إلى أفغانستان من 350 ميجا واط إلى 40 ميجا واط بدءا من الساعة السابعة والنصف.[1] ومن هنا واجه سكان كابل وعدد من سكان المناطق المجاورة مشاكل كثيرة بسبب انقطاع الكهرباء.
خلال العقدين الماضيين رغم تلقي المساعدات الخارجية على مستوى كبير، هل ما زال إنتاج الطاقة داخل أفغانستان في حالة ركود؟ متى ستصل أفغانستان إلى حالة الاكتفاء الذاتي من الطاقة المُنتجة داخليا؟ ومتى ستكفي الطاقة المستوردة الاحتيجات داخل البلد؟ سنلط الضوء على في هذا المقال على الأسئلة المذكورة.
إلى متى سنستورد الطاقة من الخارج؟
في الوضع الراهن تدفع أفغانستان لاستيراد الطاقة شهريا مبلغ 25 مليون دولار لدول طاجكستان وأوزبكستان وإيران بما يعادل سنويا مبلغ 300 مليون دولار. ومع ذلك شهدنا قبل أيام قليلة تقليل معدل الطاقة المستوردة من طاجكستان من 350 ميجا واط إلى 40 ميجا واط وذلك بسبب قلة المياه في محطة إنتاج الكهرباء.
بعد تلقي هذا الخبر من دولة طاجكستان أعلنت شركة بريشنا أنها ستستورد من دولة أوزبكستان طاقة بمعدل 400 ميجا واط، في حين أن دولة أوزبكستان كانت قد أعلنت قبل عدة أشهر أنها ستقطع تصدير الطاقة إلى أفغانستان إذا لم تدفع الأخيرة مصاريف الطاقة وتصفيها. كل هذا يعني أن الدول الأخرى التي تُصدّر الطاقة إلى أفغانستان تتخذ خطواتها وفق مصالحها في الوقت الذي ترغب فيه وتقدر أن تقطع الطاقة على أفغانستان التي تنعم نسبة 30% من سكانها بالطاقة المُستوردة في الوقت الحالي.
حتى هذه الفترة تم صرف ملايين الدولارات لأجل استيراد الطاقة من الخارج، وإذا صُرفت هذه الأموال لأجل إنتاج الطاقة في الداخل وذلك بإنشاء سدود المياه على نحو مؤثر لم يكن بعيدا أن تصل نسبة من تتوفر لديهم الطاقة المُنتجة داخليا إلى أكثر من 30% من إجمالي عدد السكان.
بالإضافة إلى تقلص مساعدات الدول الأجنبية فإن الضعف الاقتصادي في البلد يجعلنا نعلم أنه ليس من المستبعد أن تقوم الدول المصدرة للطاقة بتقليص نسبة الكهرباء المستوردة إلى أفغانستان أكثر مما مضى في حال عدم تلقيهم لمصاريف الطاقة المُصدرة.
خلال العقدين الماضيين أصدرت السلطات الأفغانية وخصوصا شركة بريشنا وعودا فارغة ولم تعمل على إنشاء سدود الكهرباء التي كان من المفترض أن يتم إنشاؤها لإنتاج الطاقة داخل البلد.
اعمار سدود إنتاج الکهرباء؛ الحل الأساسي للمشكلة
في الوقت الذي تبلغ الطاقة الاستيعابية الممكن إنتاجها في أفغانستان إلى 318 جيجا واط [2] فإن أفغانستان تستورد من الخارج قرابة 80% من احتياجها من الطاقة، ويبلغ احتياجها نحو 2500 ميجا واط. محافظة كابل تحتاج بمفردها 750 ميجا واط في حين أن ما يصلها من الطاقة حاليا يبلغ 450 ميجا واط فقط. انعدام الطاقة الكهربائية لم يؤثر على الاستثمار الداخلي فحسب وإنما تسبب كذلك في عرقلة استثمارات الجهات الخارجية داخل أفغانستان.
تبلغ نسبة من يعيشون في الأرياف في أفغانستان نسبة 75%، كما أن نسبة 9% من هؤلاء الريفيين ينعمون باستخدام الطاقة الكهربائية في حين أن نسبة 67% من إجمالي الناتج المحلي الأفغاني إنما هو إنتاج تلك المناطق الريفية.[3] من النماذج التي تدلنا على شؤون إنشاء السدود داخل البلد سد (مجلغو) في مديرية أحمد آباد بولاية بكتيا حيث بدأ العمل فيه قبل تسع سنوات (عام 2011) وأُعلن حينها أن المُنشأة ستُفعّل خلال ثلاث سنوات، إلا أن العمل على ذلك السد قد توقف لأجل الفساد الإداري.
في عام 2017م تم تسليم أعمال إنشاء السد لشركة روسية، وفي المرة الثالة تم تفويض أعمال إنشاء السد لإدارة العمليات التابعة لمكتب رئاسة الجمهورية، وقد أظهرت الإدارة أملها بأن يتم تفعيل السد خلال 16 شهرا في حال استقرار الأمن في المنطقة. لقد كان السد ليُفعّل قبل سنوات إذا وُجدت خطة منظمة لتفعيله، إلا أن السد حتى الآن لم يُفعّل ولم تكتمل من أعمال السد إلا إجراءات لا تتخطى نسبة 7% من أعمال الإنشاء، مع صرف مبلغ 1.1 مليار أفغاني.[4]
بالإضافة إلى السد المذكور فإن هناك سدودا أخرى داخل البلد مرت بنفس السيناريو وبدأ العمل عليها ظاهريا إلا أن أعمال إنشائها قد توقفت لأجل ما تخللها من الفساد على مستوى كبير.
إذا أرادت الحكومة الأفغانية أن توجد حلا جذريا لمشكلة الكهرباء من داخل البلد فيجب أولا منع الفساد في استيراد الطاقة من الخارج، حيث إن العديد من الإدارات الحكومية والإدارات العاملة في القطاع الخاص لا تدفع فواتير الكهرباء مع مرور السنوات المتتالية[5]، ومما يُعيق تركيز شركة بريشنا على إنتاج الطاقة داخل أفغانستان انشغال الشركة بدفع مصاريف الطاقة المُستوردة من الدول الأخرى المُنتجة للطاقة، ذلك أن هناك نقصا توفير المبالغ الواجب تسديدها لتلك الدول بسبب الفساد الداخلي في تسديد فواتير الكهرباء من قِبل بعض الجهات، ومن ثم فإن الحكومة مُضطرة لإكمال المبالغ الواجبة الدفع من الميزانية الحكومية. وهذا يزيد في تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلد كما أن إنشاء السدود داخل أفغانستان يُؤجل بسبب الضعف الاقتصادي والفساد إلى أمد غير معلوم ويتم الاعتماد على الطاقة المُستوردة من الخارج لمدة أطول.
ينبغي أن لا يقتصر دعم المجتمع الدولي لملف توليد الطاقة داخل أفغانستان على الدعم المالي وإنما ينبغي كذلك التركيز على المراقبة والتقييم لكل ما يتعلق بإنتاج الطاقة. مخطط توليد الطاقة الصادر من شركة بريشنا عام 2004م يحتاج إلى إعادة نظر كما ينبغي البحث عن أسباب عدم اكتفاء أفغانستان ذاتيا من الطاقة المُنتجة الداخلية رغم تدفق المعونات الكبيرة لهذا القطاع. لا شك أن هناك تحديات أمنية تعترض إنشاء السدود داخل البلد، إلا أنه بإمكان العاملين في قطاع الطاقة أن يطوروا إنتاج الطاقة الشمسية والطاقة المُنتجة عبر حركة الرياح، ولكن ضعف السياسات في هذا المجال حال دون اتخاذ الخطوات المؤثرة فيه.
فيما يتعلق بالعثور على حلول لمشكلة عدم إنشاء السدود داخل البلد تسعى الجهات المسؤولة إلى التحجج بذرائع التحديات الأمنية وتقول بأن الاختلال الأمني هو العائق الأكبر أمام إنشاء السدود. إلا أن الدراسات أفادت عدم صحة ذلك في كثير من الأحيان، من ذلك على سبيل المثال نموذج سد مجلغو الآنف الذكر حيث إنه في السنين الأربع الأولى من تخطيطه لم تكن ثمة تحديات أمنية في مكان إنشاء السد، ومع ذلك لم تجر أعمال الإنشاء حسب الخطة المُعدة وكان السبب في ذلك هو الفساد فقط، ولذا مازال العمل على إنشاء السد متعثرا حتى هذه اللحظة.
ما هو الحل؟
لقد تم صرف ملايين الدولارات في مجال رفع كفاءات الأفغان في التخصصات الفنية، ومع ذلك نجد أن تصميم شبكات إنتاج الطاقة يُحال إلى الجهات الممولة الخارجية. يرى محسن أمين المتخصص في الطاقة والحاصل على ماجستير من جامعة أوريغون الأمريكية أن الإدارات المالية الدولية الكبرى بما فيها البنك الدولي لم ترغب في إنشاء السدود المُنتجة للطاقة على مستوى كبير في أفغانستان.[6]
في حال رغبت الحكومة في رفع مستوى إنتاج الطاقة داخليا مع تقليل الاعتماد على الطاقة المُستوردة من الخارج فينبغي إحداث إدارة أمنية خاصة بأمن المُنشآت العامة داخل البلد، وأن لا يقتصر عمل هذه الإدارة الأمنية على الدفاع الأمني عن مناطق السدود وإنما تتولى الإدارة مهمة منع وردع كافة صور الفساد في ملف إنشاء السدود. المعارضة المسلحة التي تطلب نسبة من مبالغ إنشاء المرفقات العامة عليها أن تمتنع عن أخذ أي نسبة في إنشاء سدود الطاقة[7] كما عليها أن تُبدي استعدادها للمساهمة في الحفاظ على أمن أماكن إنشائها، وهذا كفيل بفضح الجهات الداخلية التي ضلعت أيديها في الفساد وعرقلت عملية اكتفاء البلد ذاتيا من الطاقة. على الحكومة كذلك أن تمتنع عن العمل على إنشاء السدود في عدة مواقع بشكل متزامن حيث لوحظ أن ذلك لا ينتج منه إلا شكليات تظاهرية. كما أن هناك سدودا تقدمت أعمال إنشائها منذ سنوات عديدة إلا أنها قد تضررت بأعمال العنف التي تخللت العقود الماضية ولم يتم الاهتمام بترميم وإصلاح ما طرأ عليها من خلل. بعد النظر في الحالة الاقتصادية والأمنية وما يعتورهما من تحديات ينبغي العمل على تسريع إنشاء السدود التي ينتج عن تفعيلها مصالح كبرى على المدى الطويل، وهذا سيساعد على بذل جهود مركزة في عمليات الإنشاء كما سيحل التحديات الناجمة عن التدهور الاقتصادي. في ملف إنتاج الطاقة ينبغي إشاعة روح المسؤولية تجاه حفظ ورعاية السدود بين عامة الشعب، كما أن على مستهلكي الطاقة المُستوردة أن يدفعوا الفواتير في وقتها المحدد. على الحكومة كذلك أن تنشط في درء جميع صور الفساد في هذا الملف وذلك لأن الاحتيال فيه يُشوه صورة البلد على المستوى الدولي. وقّعت مجموعة غضنفر الاستثمارية مذكرة تفاهم مع البنك الدولي في مجال إنتاج الطاقة لمشروع بتكلفة 89 مليون دولار. على الحكومة أن تُرغّب الجهات الأخرى في القطاع الخاص بالاستثمار في هذا المجال وأن تتخذ خطوات مؤثرة للحفاظ على أمن هذه المشاريع.[8]
[1] https://main.dabs.af/News/NewsDetail/3470
[2] https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2352484717303219
[3] https://www.adb.org/sites/default/files/linked-documents/47282-001-ssa.pdf
[4] https://www.pajhwok.com/en/2020/08/03/decade-7pc-work-dam-costs-1b-afs
[5] https://www.bbc.com/pashto/afghanistan-52348132
[6] – لقاء حصري – برنامج مُبتكر من مركز الدراسات الإستراتيجية والإقليمية.
[7] https://www.pajhwok.com/en/2020/08/03/decade-7pc-work-dam-costs-1b-afs
[8] https://ifcextapps.ifc.org/IFCExt/Pressroom/IFCPressRoom.nsf/0/52551D37792EEDA58525858A004249CF