في الثامن العشرين من سبتمبر/2019م عُقدت الانتخابات الرئاسية بجمهورية أفغانستان الإسلامية وكانت رابع مرة تنعقد فيها الانتخابات – لاختيار الرئيس الثالث – منذ سقوط حكومة طالبان، وشارك المواطنون بإدلاء أصواتهم لاختيار رئيس الجمهورية، حيث بدأ الاقتراع في السابعة صباحا واستمر حتى الخامسة مساء.
وقد تم تحديد تاريخ 19/أكتوبر/2019م موعدا لعرض النتائج الأولية للانتخابات، وتاريخ 7/ديسمبر/2019م موعدا لعرض النتائج النهائية.
الانتخابات في هذه المرة لم تخل من التحديات، وقد وردت لمفوضية الشكاوي الانتخابية حتى اللحظة نحو 2275 شكوى، كما أفادت الجهات الأمنية عن وقوع هجمات وقطع للطرق وشبكات الاتصال الهاتفية من قبل طالبان في عدة ولايات، ومع جميع التحديات المذكورة يبدو أن عملية الاقتراع في هذه المرة كانت أكثر شفافية مقارنة بالانتخابات البرلمانية السابقة.
في هذا المقال سنسلط الضوء على المشاكل التقنية التي اعترضت الانتخابات، مع تحليل لكمية السكان المشاركين في الاقتراع وتنبؤ بالسيناريوهات المرتقبة.
نظرة سريعة على عملية الانتخابات
كان من المقرر انعقاد الانتخابات الرئاسية بأفغانستان في 20/أبريل/2019م، وتم تأجيلها إلى تاريخ 20/يوليو/2019م، ومن ضمن أسباب التأجيل إحداث بعض التغييرات في هيكل مسؤولي مفوضية الانتخابات. وبسبب أعمال التزوير والاحتيال الفادحة تم تأجيل إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية المنعقدة في العام الماضي.
وفي مارس/2019 أصدر الرئيس أشرف غني مرسوما رئاسيا بتغيير أعضاء هيئة إدارة مفوضية الانتخابات البالغ عددهم 12 شخصا.
في الثامن والعشرين من شهر يوليو/2019 بدأت الحملات الانتخابية بين المرشحين لرئاسة الجمهورية وبلغ عددهم 18 مرشحا. فريق المرشح محمد حنيف أتمر انسحب من العملية بسبب بعض الخلافات الداخلية في الفريق، كما أن أربعة آخرين (شيدا محمد أبدالي، وزلمي رسول، وإبراهيم ألكوزي، ونور الحق علومي) انسحبوا لصالح مرشح فريق “مؤسس الدولة” محمد أشرف غني.
في 28/سبتمبر/2019م شارك 13 مرشح في الانتخابات، بحضور 100 ألف مراقب من الداخل والخارج، وكان منهم 30 ألف مراقب يتبع لفريق المرشح عبدالله عبدالله، و 30 ألف مراقب من فريق المرشح محمد أشرف غني، كما كان هناك مراقبين من مندوبي المجتمع المدني وأعضاء مفوضية الانتخابات والإدارات المستقلة والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإيران وبعض سفراء الدول المجاورة ودول المنطقة.
تحديات يوم الاقتراع:
۱- التحديات الأمنية
تنعقد الانتخابات الرئاسية في وقت اشتدت فيه الحرب بين الحكومة الأفغانية والمعارضة المسلحة. وقد طالبت حركة طالبان من أفراد الشعب مقاطعة الانتخابات وهددوا بأنهم سيبذلون قصارى وسعهم للأخلال بعملية الانتخابات. وقد صرح القائم بأعمال وزارة الداخلية مسعود أندرابي والقائم بأعمال وزير الدفاع الشعبي أسد الله خالد في مؤتمر صحفي بأن القوات الأمنية قدرت على الحفاظ على أمن العملية بشكل نسبي في جميع ولايات أفغانستان، وأضافا بأن تهديدات المعارضة كانت على أشدها في ولايات تخار، ولوجر، وكونر، وبكتيا، وبكتيكا، وجوزجان، وفارياب، وكندوز وقندهار. كما أن هناك تقارير تفيد حصول اشتباكات وتفجيرات في بغلان، وبدخشان، وغور، وفارياب، وغزني وكابل.
وأضاف مسؤول وزارة الداخلية أن تفجيرات المعارضة المسلحة أودت بحياة شرطيين وجرح ثلاثة جنود و37 شخص من المدنيين. عدد مراكز الاقتراع التي طالبت مفوضية الانتخابات بالحفاظ على أمنها بلغ 7300 مركز، إلا أن القوات الأمنية الحكومية اتخذت تدابير أمنية للحفاظ على عدد 2358 مركز اقتراع، وبقية المراكز كانت مغلقة وتُشكل نسبة 30% تقريبا من مجموع عدد مراكز الاقتراع.
۲- تحديات تقنية وميدانية
كابل إحدى الولايات التي كان بها أمنٌ نسبي، ولم يُشارك في التصويت عدد كافٍ من المواطنين. المشكلة الأخرى برزت من ضعف إدارة مفوضية الانتخابات حيث تم افتتاح المراكز في كثير من المناطق في ساعة متأخرة، ولذا تم تأخير موعد إغلاق صناديق الاقتراع لساعتين إضافيتين. قوائم أسماء المقترعين نُقلت إلى مراكز خاطئة ونتيجة لذلك لم يُوفق الكثيرون للتصويت، ومن صوّت منهم لم يتم إضافة صوته لقاعدة البيانات الإلكترونية. ومن التحديات كذلك الأعطال التي وُجدت في أجهزة تسجيل البصمة وعدم إجادة الموظفين لاستخدام الآلة المخصصة لذلك.
صرحت مؤسسة الانتخابات النزيهة بأفغانستان TIFA بأن أكبر التحديات التي أخلّت بعملية الانتخابات وُجدت في قوائم أسماء المقترعين وأجهزة تسجيل المصوتين حيث افتقدت الأجهزة لأسماء المقترعين. وفق تصريح المؤسسة المذكورة فإن نسبة 88% من المراكز بـ 34 ولاية وُجدت بها هذه المشكلة. تُضيف المؤسسة أن قائمة الأسماء افتقدت لأسماء الكثير من المؤهلين للتصويت، كما أنه وُجدت فروق بين عدد السكان في المناطق التابعة لمراكز الاقتراع وعدد الأسماء المسجلة في قوائمها. على سبيل المثال سُجل عدد 380 شخص للتصويت بمدينة المهاجرين بولاية غزني، إلا أن عدد المراجعين في يوم الانتخابات بلغ 2500 شخص وكلهم يؤكدون على أنهم سجلوا أسماءهم في هذا المركز.
۳- المشاركة الشعبية الضئيلة في التصويت
في هذه المرة كان عدد المصوتين قليلا بشكل منقطع النظير، ولعل ذلك يرجع لعدة أسباب، منها: أن الشعب يعُد السلام أهم أولوياته ويرون أن الانتخابات تأتي بعده في الأهمية، إلا أن الفريق الحاكم لم ينقد لهذا المطلب. السبب الثاني هو أن الشعب شارك بشكل واسع في انتخابات عام 2014م إلا أن مشاركتهم لم تقع محل تقدير كما لم تُصن نزاهة نتائج التصويت، ومن ثم حُسمت قضية زعامة البلد من قِبل وزير الخارجية الأمريكي. ولعل المشكلات الأمنية وضعف الإدارة في عملية الانتخابات أثّرا كذلك في تقليل عدد المشاركين في الاقتراع.
كما أن الاحتيال الحاصل في الانتخابات البرلمانية المنعقدة في العام الماضي تسبب في انصراف الكثيرين عن التصويت في هذا العام. وفق تصريح مؤسسة الانتخابات النزيهة فإن المقترعين كانوا قليلين، كما أن عدد النساء المشاركات في التصويت في ولايات خوست وبكتيا وجوزجان وغزني ونيمروز وبدخشان وكابل وتخار وفراه وكندهار وسربل كُنّ قليلات. وصلت أوراق التصويت من عدد 3736 مركز اقتراع إلى مراكز الولايات، مشتملة على أصوات 2,200,000 شخص، ويظهر أن العدد الإجمالي للمصوتين يقرب من 3 ملايين شخص، في حين أن التقارير الرسمية تفيد تسجيل 9 ملايين شخص أسماءهم في قوائم الاقتراع مُسبقا.
السيناريوهات المرتقبة
التسويق للفريقين المتنافسين الحكوميين تم بشكل موسّع، ولعل السبب في كون الفريقين استطاعا أن يبسطا مساحة حملاتهم الانتخابية أكثر من بقية المرشحين هو استغلالهم للصلاحيات الحكومية التي بأيديهم، وحاليا يزعم كلا الفريقين فوزَه في الانتخابات، إلا أن نتائج هذه الدورة لن تفرز عن فائزٍ وستنتقل العملية إلى الشوط الثاني.
تعيين رئيس الجمهورية وفق نتائج صناديق الاقتراع لوحدها أمر غير ممكن بالنظر في مجريات الأحداث السابقة في هذا الصدد. الاحتمال الأقوى هو أن إعلان النتائج سيتأخر وسيفضي ذلك إلى نزاعات ثم يؤول الأمر إلى قرار البيت الأبيض. إذا اعتزمت الولايات المتحدة الأمريكية أن يتم السلام في أفغانستان فستُشكل حكومة مؤقتة، وإذا لم يتعهد البيت الأبيض بإحلال السلام في أفغانستان فعلى الأغلب ستُشكل حكومة ائتلافية في أفغانستان.