امان الله کاکر
قامت دولة الهند التي يرأسها نريندرا مودي رئيس حزب BGP بحذف المادة رقم 370 من الدستور والمتعلقة بكشمير بعد مُرور نحو 70 سنة عليها، وقد تضمنت المادة إثبات امتيازات وحقوق لكشمير والاعتراف بها كمنطقة حرة. عقب ذلك أعلنت السلطات الباكستانية أن مشكلة كشمير مرتبطة بالسلام الأفغاني، وسنقوم في هذا المقال بالنظر في مدى صحة ذلك من عدمه.
نظرة عابرة على مشكلة كشمير
منذ استقلال الهند وباكستان عن الإمبراطورية الإنجليزية في الفترة التي تلت عام 1940م، ادعت كلٌّ من الدولتين أن كشمير جزء من أرضها، وقد قامت بينهما حربان حيال كشمير وقع ضحيتهما نحو 70 ألف قتيل. يوجد في كشمير مقارنةً بغيرها من بقاع الأرض قوات عسكرية كثيرة، أما الكشميريون المحليون فإنهم يخالفون بشدة تواجد القوات الهندية على أراضيهم، ويؤيدون الانقلابيين الذين يواجهون القوات الهندية.
محو المادة رقم 370 والوضع الحالي بكشمير
في الخامس من أغسطس/ العام الجاري قامت الهند بحذف المادة رقم 370 من دستورها والمتعلق بكشمير الواقعة تحت سلطتها، وقد تضمنت المادة المذكورة حقوقا وامتيازات لكشمير تضمن لها استقلاليتها ومنع غير أهلها من الاستثمار والمتاجرة بأراضيها، كما تضمنت المادة اعترافا بحق كشمير في أن يكون لها دستورها وعلَمها الخاصان بها، أما في الشؤون الخارجية وشؤون الدفاع فقد كانت مثل بقية مناطق الهند تخضع للحكومة الهندية المركزية. وبعد إزالة هذه المادة صار بإمكان مواطني الهند المتاجرة والاستثمار بأراضي كشمير، كما أن استقلاليتها قد زالت. توجد حاليا أعداد كبيرة من القوات الهندية في كشمير
وقد تم فرض حظر التجوال كما تم اعتقال الكثير من القادة السياسيين والمتظاهرين. اعتبر الوزير الكشميري السابق عمر عبدالله حذف المادة المتعلقة بموطنه تصرفا انحيازيا، كما صرحت الوزيرة الحالية محبوبة مفتي –والتي تخضع لحبس منزلي منذ الخامس من أغسطس – أن يوم إنهاء المادة رقم 370 يوم أسود لديمقراطية الهند، كما وجهت انتقادات لاذعة للحزب الحاكم بدولة الهند. وفق ما ذكرته الصحف العالمية فقد تم تعذيب الكثيرين في سرينجر وتم قطع خدمة الهاتف والإنترنت، أما المراكز الصحية فإما مغلقة أو نشطة بشكل جزئي، والمراكز التعليمية مُغلقة كذلك، مع توقف بقية القطاعات والمرافق الهامة.
مشكلة كشمير من منظور عالمي
أظهر مؤتمر التعاون الإسلامي وبعض الدول مثل تركيا ردود أفعال حازمة تجاه قضية كشمير، كما رفعت باكستان شكوى رسمية للمجتمع الدولي بأهمية منع التجاوزات الحاصلة من القوات الهندية في حق الكشميريين المظلومين. وقد ألقى شاه محمود قريشي وزير الخارجية الباكستاني كلمة في الدورة الثانية والأربعين لحقوق الإنسان بجنيف وبلّغ عن اعتداءات القوات الهندية على كشمير، وقد تم رفض مزاعمه بشكل قاطع من قِبل الهند، مصرحة أن هذا الشأن شأنٌ داخلي ولا تسمح لأي طرف بالحديث عنه، كما ادعت الهند احترامها الكامل لحقوق الإنسان وأنه لم يتم إيقاف إلا دعاة الاستقلال بكشمير، وأن إزالة المادة رقم 370 يصب في صالح تطور جميع محافظات الهند.
كما صرحت باكستان بأن كشمير وقعت تحت اعتداء الهند، وطرقت أبواب الصين وتركيا والدول الإسلامية لدعم القضية الكشميرية. وباستثناء الصين وتركيا فإن بقية الدول اعتبرت المشكلة مختصة بباكستان والهند، ودعوا هاتين الدولتين إلى الوصول لحل يُنهي النزاع.
وقد أهدت الإمارات العربية المتحدة وساما رفيعا لرئيس وزراء الهند عقب محوها للمادة المذكورة، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة في باكستان تصرح بأن هذا الإهداء ظلم وتعدي على حقوق الكشميريين المظلومين.
السلام الأفغاني ومشكلة كشمير
يزعم المسؤولون الباكستانيون أن قضية كشمير مرتبطة بالسلام الأفغاني، وهو ادعاء لا أساس له من الصحة. من ذلك ما صرح به شهباز شريف وألقى باللائمة على عمران خان رئيس الوزراء الباكستاني حيث وصفه بأنه أجرى صفقة مع ترامب حيال السلام الأفغاني. من جانبه رفض عمران خان هذه التهمة وأكد على أن تصريحات ترامب تجاه السلام الأفغاني يأتي ضمن مواقف أمريكا الداعمة للتنمية الاقتصادية في دول جنوب آسيا.
من جانب آخر فإن التاريخ يفيدنا بعدم وجود أي ارتباط مباشر بين قضية السلام الأفغاني ومشكلة كشمير، كما أن الشعب الأفغاني كان ولا يزال داعما لحقوق الكشميريين ويأملون انتهاء أزمتهم. الدعاوي التي أصدرها المسؤولون الباكستانيون لا تُقلل من نفوذ الهند كما أنها ليست ناجحة في لفت أنظار دول العالم. ينبغي إفساح المجال للكشميريين بأن يتخذوا قراراتهم المصيرية، كما أن على المجتمع الدولي ان يتخذ خطوات مؤثرة في هذا الصدد ولا يسمحوا بوقوع مزيد من التجاوزات على حقوق الشعب الكشميري.
لا شك أن اضطراب دولةٍ يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على إقليم ذلك البلد، إلا أن تصريح المسؤولين الباكستانيين بأن قضية كشمير مرتبطة بالسلام الأفغاني بشكل مباشر لا يؤدي إلا إلى إفساد العلاقات بين البلدين. مشكلة كشمير تُعد إحدى القضايا المُعقدة التي خرجت عن السيطرة منذ زمن طويل، والمؤسف هو أن الهند وباكستان ترغبان في استغلال هذه المشكلة مع جعل أفغانستان ميدانا لمنافساتهما، وهو أمر مرفوض تماما وبكل المقاييس من قِبل الشعب الأفغاني.
السياسات الخاطئة التي انتهجتها كلُّ من الهند وباكستان حيال كشمير وضعت المستقبل الاقتصادي للمنطقة في وضع حرج حيث إن أفغانستان ليس لها ارتباط مباشر مع البحار وتتم التعاملات التجارية بين أفغانستان والهند عن طريق باكستان. مع أن باكستان اتخذت خطوات إيجابية ساندت التجار الأفغان إلا أن هناك قلقا من قضية كشمير حيث تؤثر على تردد التجار الأفغان على باكستان، وكل هذا له تأثيرات سلبية على الاقتصاد الباكستاني، فأفغانستان لديها طرق تجارية بديلة بإمكانها أن تستخدمها للتبادل التجاري مع الدول الأخرى.
إذا أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تستغل الخلاف بين الهند وباكستان وارتباطهما باضطراب الأوضاع في أفغانستان فإن ذلك سيضع أمن المنطقة كلها أمام تحديات صعبة. من جانبٍ آخر فإن على الصين أن تلعب دورها وتدعو إلى الوصول لحل نهائي حيال قضية كشمير، وفي حال لم تفعل ذلك فإن مشاريع كبرى ممولة من الصين مثل مشروع CPEC ومشروع (حزام واحد، طريق واحد) ستقف أمام طرق مسدودة، حيث إن أمن المنطقة واستقرارها ضروريان لنجاح مشاريع الصين التنموية.
النتائج
ادعاء المسؤولين الباكستانيين بأن قضية كشمير مرتبطة بالسلام الأفغاني ادعاء لا أساس له من الصحة. ينبغي إيجاد حل جذري لمشكلة الكشميريين التي مرت عليها نحو سبعين سنة ولم تخرج بعد عن النزاع بين باكستان والهند، كما ينبغي ألا تقع المنطقة – على أهميتها اقتصاديا وتاريخيا وثقافيا – ضحية للسياسات الخاطئة التي انتهجتها الهند وباكستان. على منظمة التعاون الإسلامي والمجتمع الدولي وخصوصا الدول الإسلامية أن تستمع لصيحات الشعب الكشميري المظلوم وأن يُنهوا سكوتهم وأن يهتموا بحقوق الشعب الكشميري. وإذا فعلوا ذلك فلن تقتصر النتيجة على خلاص منطقة كشمير الجميلة من المعاناة فحسب وإنما ستنتهي كذلك الذرائع التي يُظهرها المسؤولون الباكستانيون حيال السلام الأفغاني، وستُمهد الطرق لإحلال السلام المستمر بأفغانستان.