مقدمة
وفق جدول الانتخابات الرئاسية بجمهورية أفغانستان الإسلامية، بدأت المنافسات بين المرشحين في 28/يوليو/2019 وستستمر لمدة ستين يوما.
في اليوم الأول من فترة الحملات الانتخابية ألقى كل من محمد أشرف غني، وعبدالله عبدالله، وعنايت الله حفيظ كلماتهم على مسامع مشجعيهم. طالب محمد أشرف غني من الشعب أن يصوتوا له حتى يُكمل الفصل الذي افتتحه في السنوات الخمس المقبلة، كما أكد أن السلام يُشكل رأس أولوياته وربط نجاحه بالفترة الرئاسية المقبلة. في كلمته وجه عبدالله عبدالله انتقادات لاذعة تجاه أشرف غني وأكد بأنه لم ينفذ في فترته الرئاسية المطالب التي طالب بها الشعب، كما ذكر أن أشرف غني فوض صلاحيات الدولة إلى من لديه قضايا فساد حاليا لدى النيابة العامة. المرشح الآخر عنايت الله حفيظ بدأ حملته الانتخابية والتي عنون لها بشعار : (خَدَم الشعب) وافتتح فعالياته بحملة تنظيف للشوارع. في اليوم الخامس من بدء المنافسات الانتخابية ألقى جلبدين حكمتيار كلمته على مشجعيه، وأعلن مخالفته لإنشاء منصب رئيس الوزراء في البلد.
سنسلط الضوء في هذا المقال على الانتخابات المقبلة ونتائجها المحتملة وما يعترضها من تحديات وصعوبات، كما سنتطرق إلى الوضع الحالي في البلد، والمفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وطالبان، ومصير الانتخابات بالنظر إلى كفاءة مفوضية الانتخابات الأفغانية.
الانتخابات المقبلة ونتائجها المحتملة
رشح 18 شخصا أنفسهم للانتخابات الرئاسية المقبلة. ضمن هذه الفرق تظهر فرق انتخابية قوية بإمكانها المنافسة على كرسي الرئاسة، كما أن هناك فرقا ليس لديها نفوذ سياسي كافي وسط كُتل الشعب مما يُظهر ضعفها. بالإمكان تقسيم الفرق الانتخابية إلى النوعين التاليين:
الأول: هناك فرق انتخابية تعُد نفسها جديرة بالرئاسة وتنافس للوصول إلى القصر الرئاسي. يُذكر ضمن هذا النوع فريق محمد أشرف غني، وعبدالله عبدالله، ومحمد حنيف أتمر، ويُتوقع حصول منافسات محتدمة بين هذه الفرق للوصول إلى كرسي الرئاسة.
الثاني: هناك فرق انتخابية يظهر ضعف فُرصها في الفوز بالرئاسة، وقد نرى خلال فترة الحملات الانتخابية انصراف بعضهم لصالح بعض المرشحين المتقدمين، ولعل البعض الآخر يختبر حظه ويُكمل رحلته الانتخابية.
الفرق الانتخابية القوية
فريق المرشح محمد أشرف غني: دخل محمد أشرف غني ميدان المنافسات للانتخابات الرئاسية وأعلن عن نائبيه أمر الله صالح و محمد سرور دانش، تحت شعار “مؤسسي الدولة”.
في الانتخابات المقبلة عُين أمر الله صالح نائبا أولا لأشرف غني، وبالنظر في حالة الحزب الذي كان صالح منتميا إليه – الجمعية الإسلامية – وانقسامه إلى عدة أقسام يظهر أن صالح قد لا يجلب الكثير من الأصوات لفريقه الانتخابي. كما عُين سرور دانش ليجلب أصوات عرقية الهزارة إلا أن اتجاهات هذه العرقية انقسمت كذلك في الفترة الأخيرة حيث انضم محمد محقق لفريق محمد حنيف أتمر وانضم كريم خليلي لفريق عبدالله عبدالله، والمذكوران – محقق وخليلي- يُعدّان في مكانة شعبية أوسع وأقوى من غيرهم بين عرقية الهزارة.
بالإضافة إلى جميع ما ذُكر فإن تواجد أشرف غني على رأس الحكومة الحالية هو العامل الذي يزيد من فُرص فوزه في الانتخابات الرئاسية، وكذلك تأكيده على الحكومة الرئاسية المركزية وعزمه على إزالة منصب الرئاسة التنفيذية. يرى المحللون أن أشرف غني أخّر الانتخابات الرئاسية لعدة أسباب، منها: أولا حتى يُري الشعب أن دخل الدولة في العام الهجري الشمسي المنصرم (1397) بلغ 193 مليار أفغاني مما يُظهر ارتفاعا بنسبة 12% مقارنة بالعام الماضي، كما أن الحكومة صرفت في العام المنصرم 93% من الميزانية السنوية وهي نسبة لم يُلحظ لها مثيل في مدة 18 سنة الماضية، كما يُذكر أيضا أن تصديرات أفغانستان في العام المنصرم بلغت قيمتها 800 مليون دولار
كما تم افتتاح المجمع الإداري الحكومي، واتُّخذت ترتيبات واسعة ليوم الاستقلال الوطني، وتم تسريع عمل صيانة قصر دار الأمان. كما يُخمن أن تقترض الحكومة الأفغانية من صندوق النقد الدولي مبلغ 8.3 مليار دولار ليتم افتتاح مشاريع كبرى قبل الانتخابات الرئاسية، ويظهر من جميع ما ذُكر أن فرص انتصار فريق محمد أشرف غني في الانتخابات واعدة.
فريق المرشح عبدالله عبدالله: وهو المرشح من حزب الجمعية الإسلامية، وحزب “جنبش إسلامي” وحزب الوحدة الإسلامية. يقف في صف هذا الفريق كل من الجنرال دوستم، ومحمد كريم خليلي وصلاح الدين رباني، كممثلين لفئات شعبية واسعة ويتمتعون بنفوذ سياسي كبير.
علاوة على انضمام الجنرال دوستم وكريم خليلي، ازداد ثقل فريق المرشح عبدالله عبدالله بائتلافه مع حزب الجمعية الإسلامية. مع أن أذرع الجمعية الإسلامية تبدو مُشتتة في عدة فرق انتخابية إلا أن الرئيس التنفيذي لهذا الحزب – صلاح الدين رباني – أعلن عن ترشيح مرشح واحد من طرف الجمعية الإسلامية وهو عبدالله عبدالله. في حال عزم كل المنتمين لهذا الحزب على تشجيع المرشح المذكور فستكون المنافسة شديدة بينه وبين أشرف غني. من العوامل التي تساعد فريق عبدالله عبدالله في المنافسات الانتخابية وجوده في هيكل الحكومة الحالية.
فريق المرشح محمد حنيف أتمر: بين المرشحين البالغ عددهم 18 مرشحا، يظهر فريق حنيف أتمر متمعا بقوة أكبر من الفرق الأخرى في تشكيلته. أطلق هذا الفريق شعار “السلام والاعتدال”، وانضم إليه محمد يونس قانوني كنائبٍ أول، وهو إحدى الشخصيات الهامة المنتمية لحزب الجمعية الإسلامية، كما تم تعيين محمد محقق نائبا ثانيا وهو شخص يتمتع بشعبية ونفوذ واسعين بين عرقية الهزارة. كما نجد في فريق السلام والاعتدال كلا من عطاء محمد نور، وإسماعيل خان، ووحيد الله سباوون، وحضرت عمر زاخيلوال، وسيد حامد جيلاني، وبعض الشخصيات السياسية البارزة الأخرى، مما أدى إلى تزايد ثقل هذا الفريق.
إلا أن هناك اختلافات حادة وقعت مؤخرا بين عطا محمد نور و يونس قانوني من جهة وحنيف أتمر من جهةٍ أخرى، ويُخمن انفصال عطا محمد نور ويونس قانوني عن فريق السلام والاعتدال، مما يعني أن هناك احتمالية لوقوع الانقسام في الفريق.
فريق المرشح جلبدين حكمتيار: قام رئيس الحزب الإسلامي جلبدين حكمتيار الذي أوقف حروبه مع الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية عام 2018 بترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية بأفغانستان. يُعد حكمتيار أحد الزعماء الجهاديين والسياسيين، ولديه شعبية متوسطة بين فئات الشعب الأفغاني، لذا لعل ترشحه يتسبب في الحصول على أصوات الإسلاميين في البلد، إلا أن احتمالية فوزه تبدو ضئيلة.
تأتي فترة الانتخابات الرئاسية في وقتٍ تجري فيه المفاوضات بين طالبان والحكومة الأمريكية على قدمٍ وساق. صرح الرئيس السابق حامد كرزاي في الأسبوع الماضي قائلا: لن أؤيد أي فريق انتخابي، والسلام عندي أهم الأولويات، ينبغي أن يُحسم السلام أولا، وأطالب جميع الفرق الانتخابية بالتركيز على السلام.
الكثير من الساسة الأفغان يؤكدون كذلك على قضية السلام ويرون أنها تأتي على رأس الأولويات. الفرق المنبثقة من الحكومة الحالية فقط هي التي تؤكد على إجراء الانتخابات وتصرح بأن السلام يُشكل رأس أولوياتها وأنه مرتبط بعمل الحكومة المقبلة. العوامل المذكورة أعلاه هي التي ألقت بظلالها على الحملات الانتخابية التي بدأت مؤخرا.
التحديات في طريق الانتخابات، والأوضاع المتدهورة
۱- تحديات انتخابية
a- مفوضية الانتخابات
أحد المواضيع المثيرة للجدل بعد انتخابات عام 2014 وقدوم حكومة الوحدة الوطنية كان تعيين هيئة إدارية جديدة ترأس مفوضية الانتخابات. وقد أجرت المفوضيةُ الانتخاباتِ البرلمانية العام الماضي بشكل سيئ جدا. وقد أدى سوء إدارة الانتخابات وما خالطها من تزوير واسع إلى تأخير إعلان نتائجها لخمسة أشهر، وقد أظهر ذلك للجميع ضعف عمل المفوضية. لذا أصدر الرئيس الأفغاني مرسوما بتغيير هيكلة المفوضية وتم تعيين أشخاص جدد على رأس المفوضية ويبدو أن من تم تعيينهم تابعون للفرق المنبثقة من الحكومة الحالية – فريق أشرف غني وفريق عبدالله عبدالله -، وبالنظر في الوضع الحالي يظهر أن المفوضية نفسها تُشكل إحدى التحديات التي تعترض طريق الانتخابات المقبلة.
b- نظام الانتخابات
تم استخدام أجهزة تعيين الهوية في الانتخابات الماضية إلا أن المفوضية لم تقدر على إدارة نظام الانتخابات على الوجه المطلوب، وترجع أسباب ذلك إلى مشاكل تقنية في الأجهزة وعدم وعي الشعب بطريقة استخدامها، وتقف هذه المشكلة على طريق الانتخابات المقبلة أيضا. وإذا لم تقدر المفوضية على إدارة نظام الانتخابات فلن يقل تدهور الانتخابات الرئاسية عن التدهور الذي حصل في مراحل الانتخابات البرلمانية السابقة.
في الانتخابات البرلمانية السابقة تم اعتبار بطاقة الهوية أصلا لمنح الصلاحية للتصويت، وقد مهّد ذلك الطرق للتزوير والاحتيال على مدى واسع حيث تم تزوير الآلاف من بطاقات الهويات. الحل الوحيد لهذه المشكلة يكمن في إصدار البطاقات الإلكترونية، إلا أن أقل القليل هم من يملكون البطاقات الإلكترونية حيث تم توزيعها بشكل محدود، لذا فإن الانتخابات المقبلة ستواجه هذا التحدي.
۲- الأوضاع المخيمة على البلد
a- المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية
منذ عدة أشهر بدأت المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة بهدف إنهاء الحرب الجارية في أفغانستان. تم عقد سبع جلسات بين الطرفين حتى الآن ويزعم كلا الطرفين أن هناك تقدما ونقاطا كثيرة تم الاتفاق عليها، وقد أظهرا أملا بالوصول إلى نتائج نسبية في أوائل شهر سبتمبر المقبل. وإذا تم الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان حيال قضية السلام فمن المحتمل أن لا تنعقد الانتخابات الرئاسية. طالبان ردت مزاعم الحكومة الأفغانية وأعلنت في بيانٍ لها الأسبوع الماضي أنها بعد تفاوضها مع الولايات المتحدة لن تفاوض الحكومة الأفغانية باعتبارها دولة وإنما ستفاوضها باعتبارها طرفا.
صرح وزير الخارجية الأمريكية في هذا الصدد بتاريخ 30/يوليو/2019 أن الرئيس الأمريكي ترامب وجّهه بتقليل عدد الجنود الأمريكيين المتواجدين في أفغانستان قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2020م، وأضاف قائلا: “ليس لدى ترامب أي شك حيال ذلك، وقد أمر بإنهاء الحرب”. عندما أعلن ترامب عن إستراتيجيته تجاه أفغانستان قال: “هذه الإستراتيجية متوقفة على الأوضاع لا على جدولٍ زمني محدد”. أما اليوم فنجده يأمر وزير خارجيته بإخراج الجنود الأمريكيين من أفغانستان، ويظهر من هذا أن القصر الرئاسي الأمريكي وضع السلام على رأس أولوياته لا الانتخابات الرئاسية بأفغانستان، ولذا فإن هناك احتمالاً قوياً بأن لا تنعقد الانتخابات.
b- الوضع الأمني المتدهور: تدهور الوضع الأمني يُشكل عائقا كبيرا أمام الانتخابات الرئاسية المقبلة. وفق تقرير منظمة CIGAR الأمريكية فإن حوالي 45% من أرض أفغانستان خارجة عن سيطرة الحكومة. كما أن المساحة القابعة تحت سيطرة الحكومة لا تتمتع بالأمن الكامل، وهذا يضع علامات استفهام على نزاهة الانتخابات وشمولها لجميع مناطق البلد.
c- صعوبات مالية: تم تقدير المصاريف الإجمالية للانتخابات بنحو 150 مليون دولار، وقد أمّلت الحكومة في الحصول على هذا المبلغ من الدعم الخارجي، إلا أن السفارة الأمريكية وهيئة الأمم المتحدة والبنك الدولي تكفلوا بـ 60 مليون دولار، وقد أرادت الحكومة إكمال الباقي (90 مليون دولار) من ميزانية المشاريع التنموية البالغ عددها 154 مشروعا والمحدد إنجازها في عام 2019. وقد رفض البرلمان المصادقة على هذه الخطوة وطالب وزارةَ المالية الأفغانية بإبداء توضيح حيالها. لذا قد تواجه الحكومة مشاكل مالية في إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة.
d – عدم وجود التنسيق عدم وجود التنسيق بين الحكومة والفرق الانتخابية والشعب قد يُشكل عائقا أمام الانتخابات. صرحت لجنة الشكاوي بمفوضية الانتخابات أن كلا من فريق محمد أشرف غني وفريق عبدالله عبدالله استغلا الإمكانيات المتاحة لهم بحكم عملهم في الحكومة ويُعد ذلك بحسب تصريح لجنة الشكاوي انتهاكا لأصول الانتخابات. وفي السياق ذاته أعلن مجلس شورى المرشحين المتشكل من 12 فريقا انتخابيا أنهم سيقاطعون الانتخابات في حال استمرار الفريقين المنبثقين من الحكومة في استغلال الموارد والإمكانيات الحكومية.
وفي لقائه بخليلزاد، ذكر رئيس البرلمان الأفغاني مير رحمن رحماني أن السلام هو أهم الأولويات للشعب الأفغاني، كما صرح بأن المفاوضات التي تجري من الجانب الأمريكي برئاسة خليلزاد مفاوضات واعدة، وأكد تأييد البرلمان لهذه المفاوضات.
بالنظر في مصير الانتخابات السابقة واشتداد الحرب في البلد، صار الشعب مؤملا في بدء مفاوضات السلام، ويرى الأكثرية أن السلام مقدم على الإنجازات الأخرى وعلى كافة الأطراف تسريع الخطى نحو السلام.
النتائج
الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان أظهرا رغبتهما في المفاوضات أكثر من أي وقتٍ مضى. الرئيس الأمريكي يرغب في إنهاء الحرب في أفغانستان والسبب هو الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستنعقد عام 2020م. مع أن طالبان بوقفهم لإطلاق النار في عيد الفطر الماضي لمدة ثلاثة أيام أظهروا أنهم هم العامل الأهم في معادلات الحرب في أفغانستان، إلا أن التغييرات الإقليمية سوّقت لتنظيم داعش ظهورا واسعا في أفغانستان، لذا يخشى تنظيم طالبان من خفوت صوته ودوره في أوضاع البلد. يأتي ذلك في حينٍ عينت فيه أمريكا بداية سبتمبر موعدا للوصول إلى اتفاق مع طالبان، وقد بدأت الحملات الانتخابية الرئاسية في أفغانستان وحصل ذلك باستعجال من الفريقين الحاكميْن على البلد وكلٌ منهما ملتزمان بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد ويربطان السلام بعمل الحكومة المقبلة.
كما لوحظ في هذه الفترة اشتداد الحرب في أفغانستان، وقد نشر مكتب مساعدة الأمم المتحدة لأفغانستان UNAMA أن عدد الضحايا – القتلى والجرحى – في صفوف المدنيين في أفغانستان خلال النصف الأول من العام الهجري الشمسي الجاري بلغ 3812 شخص. كما ذكر التقرير بأن عدد الأفراد المدنيين الذين سقطوا جراء هجمات طالبان في عام 2019 قلوا عن ضحايا هجماتهم في العام الماضي 2018 بنسبة 43%، إلا أن ضحايا هجمات القوات الأفغانية في هذا العام زادت بمعدل 31% بسبب الهجمات الجوية.
بالنظر في جميع ما ذُكر يتضح أن السلام هو أهم الأولويات في أفغانستان لا الانتخابات. ويُرجى أن يهتم الفريق القائم على رأس الحكومة بهذا الواقع وأن لا يستخدم الانتخابات كوسيلة للوصول إلى السلام.