عُقد مؤتمر جمع مندوبي طالبان وعدداً من المسؤولين الحكوميين الأفغان وسياسيين وناشطين مدنيين في يومي 7 و 8 يوليو/2019، للتباحث حول إنهاء الحرب بأفغانستان.
الوفد الأفغاني ضم 53 شخصا منهم عدد من النساء، كما حضر من جانب طالبان 17 شخصا. وقد تم رعاية المؤتمر من قِبل دولتي قطر وألمانيا، كما تم الاتفاق على أن يحضر المدعوون من الوفد الأفغاني حيث يُمثل كل منهم نفسَه وحسب.
وقد لاقى المؤتمر الذي جمع الأطراف الأفغانية ترحيبا حارا من قِبل الحكومة الأفغانية وطالبان والولايات المتحدة الأمريكية وقطر وألمانيا والمجتمع الدولي.
سنسعى في هذا المقال إلى توضيح سابقة المفاوضات الأفغانية حيال السلام، ونتائج المؤتمر وما أثاره من ردود أفعال، كما سنقيّم مدى فتْح المؤتمرِ الطريقَ للمفاوضات المستقبلية بين الحكومة الأفغانية وطالبان.
مفاوضات السلام بين الأطراف الأفغانية
هناك محاولات منذ عقد من الزمن تسعى عبر المفاوضات بين الأفغان أن تُمهد السبل لإحلال السلام، وقد عُقدت مؤتمرات السلام في كل من تركيا وألمانيا والنرويج، كما جمعت مؤتمرات باجواش العلمية عددا من سياسيي أفغانستان ومندوبي طالبان، وقد تسارعت هذه المساعي بقدوم حكومة الوحدة الوطنية.
قبل عدة أشهر (في يومي ۶ و ۷ من ینایر – ۲۰۱۹) عُقد مؤتمر فريد من نوعه حيال السلام الأفغاني في موسكو عاصمة روسيا وقد ضم لأول مرة مندوبي طالبان وعدداً من ساسة أفغانستان والمسؤولين الحكوميين وقادة الجهاد الأفغاني وعدداً من المسؤلوين في الحكومة السابقة بما فيهم الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي وقد أصدر المشاركون بيانا مشتركا في ختام المؤتمر.
مع أن الحكومة الأفغانية لم ترحب بمؤتمر موسكو الذي لم يضم أي مشاركين يمثلونها، بل وأبدت ردة فعل حادة تجاه المؤتمر، إلا أن المؤتمر خلق آمالا عريضة بين الأفغان بانفتاح السبل أمام المفاوضات بين الأطراف المتنازعة بأفغانستان.
وبناء على القرارات المتخذة في مؤتمر موسكو واستمرارا لفعالياتها تم التخطيط لمؤتمر قطر كما بذلت عدة أطراف – منها الولايات المتحدة الأمريكية- جهودا لحث الحكومة الأفغانية على المشاركة في مفاوضات السلام.
وقد استعدت الحكومة الأفغانية لإيفاد مندوبيها للمشاركة في المفاوضات وشكل ذلك فرصة جيدة لإكمال نتائج مؤتمر موسكو، إلا أن عوامل مختلفة تسببت في تأجيل المؤتمر.
وفي الصدد ذاته استضافت موسكو مؤتمرا للاحتفال بمرور قرن على العلاقات الثنائية بين روسيا وأفغانستان في يومي 28 و 29 مايو/2019 وقد حضره مندوبو طالبان برئاسة ملا برادر وعدد من السياسيين الأفغان والقادة الجهاديين ومسؤولون من الحكومة الأفغانية السابقة – مثل حامد كرزاي – وبجانب حفل مرور قرن على العلاقات الروسية الأفغانية، عُقد المؤتمر الثاني الذي يجمع سياسيي أفغانستان ومندوبي طالبان.
وقد تضمن المؤتمر مباحثات حيال موضوعات هامة مثل: الحفاظ على أرواح المدنيين، وقضايا تتعلق بالسجناء، وانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان ومنع الجهات الأجنبية من التدخل في الشؤون الأفغانية، والتأكيد على نظام الحكم الإسلامي، والسيادة الوطنية واستقلالية أراضي البلد والحفاظ على الوحدة الوطنية والحفاظ على حقوق المرأة وغير ذلك من الموضوعات.
مؤتمر الدوحة للمفاوضات بين الأفغان
كان من المقرر انعقاد جلسة مفاوضات بين الأفغان في الدوحة عاصمة قطر بتاريخ 20/مارس/2019 إلا أن الخلافات بين من تم تعيينهم للمشاركة في المؤتمر أدت إلى تأجيل الجلسة.
وبعد انقطاع طويل تم انعقاد الجلسة في السابع والثامن من يوليو /2019م، باستضافة كل من دولة قطر وألمانيا وحضرها مندوبو طالبان وعدد من المسؤولين بالحكومة الأفغانية والساسة والناشطين المدنيين، وقد زامن ذلك الدورة السابعة من المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، ونظرا لأهمية الحوارات بين الأفغان تم إيقاف المفاوضات بين طالبان والأمريكا لمدة يومين.
رحّب المسؤولون القطريون بالمبادرة الأفغانية وأكدوا أن العالم أجمع يشاهد المفاوضات. كما صرح المبعوث الألماني الخاص لأفغانستان وباكستان مركس بوتزيل بأن مؤتمر المفاوضات الأفغانية فرصة جيدة للمباحثة حول مستقبل البلد.
وقد أبرز المشاركون في المؤتمر عن آمالهم حيال السلام مضيفين أن المؤتمر مُتسم بالإيجابية والتفاهم بنحو أكبر مما كان عليه مؤتمر موسكو، وقد تبادل الطرفان الآراء حيال وضع حدٍ لمأساة الشعب الأفغاني ووُجد اقتراب في الرؤية بين الطرفين في العديد من الموضوعات.
شارك في هذا المؤتمر ثلاثة أشخاص يعملون في الحكومة الأفغانية وهم متين بيك، و نادر نادري، و السيدة شهرزاد أكبر، إلا أنهم لم يُمثلوا الحكومة الأفغانية.
كما شارك في المؤتمر نائب المجلس الاستشاري الأعلى للسلام الأفغاني حاجي دين محمد، ونائب رئيس المكتب التنفيذي للمجلس م. فرهاد الله فرهاد، ممثلين لأنفسهم وحسب.
وقد اختُتم المجلس بتاريخ 8 يوليو وقت العِشاء بالإعلان عن بيان اختتامي مُشترك.
ردود الأفعال حيال مؤتمر الدوحة
قال المبعوث الأمريكي الخاص للسلام الأفغاني زلمي خليلزاد أن الأفغان في مفاوضات قطر يُبشرون بعضهم بقرب انتهاء الحرب التي استمرت لأربعِ عقود في أفغانستان.
وقد أبرز تصريحاته المذكورة بعد انتهاء المفاوضات التي استمرت ليومين . كما قال في تغريدة له: “حاليا نحن في منتصف الليل، وقد انتهى مؤتمر السلام الأفغاني في جو إيجابي، وأبارك لجميع المشاركين، ومندوبي جميع أجيال الشعب الأفغاني، ومسؤولي الحكومة الأفغانية وطالبان وصولهم إلى تفاهم مشترك. كما أقدم شكري لقطر وألمانيا على عقد هذا المؤتمر.”
كما رحبت الحكومة الأفغانية بالبيان المشترك الختامي الصادر عن المؤتمر، وصرح القصر الرئاسي الأفغاني أن نتيجة المؤتمر نتيجة إيجابية وأنه يُرجى بدء المحادثات الرسمية بين طالبان والحكومة الأفغانية قبل حلول شهر سبتمبر.
بالنظر إلى نتيجة مؤتمر قطر للمفاوضات بين الأفغان، يُلاحظ أن المسؤولين الأفغان يرجون بدء المحادثات الرسمية بين الطرفين خلال شهر ونصف.
صرح صدّيق صدّيقي المتحدث الرسمي باسم الرئيس الأفغاني غني أن الحكومة الأفغانية لديها اطلاع كامل على نتائج محادثات السلام، كما أضاف أن محادثات السلام الجارية واعدةٌ أكثر من أي وقتٍ مضى.
وقال المتحدث باسم مكتب طالبان السياسي سهيل شاهين في حديث له مع البي بي سي: إن المؤتمر المنعقد ليس مؤتمرا رسميا، وجميع المشاركين شاركوا بشكل انفرادي دون تمثيل لجهات رسمية، وقد أبرز كل أحد من المشاركين رأيه حيال الحالة المأساوية بأفغانستان وكيفية الخروج منها، وموقفنا الرسمي في أفغانستان هو المطالبة بإنهاء احتلال أفغانستان وإحلال السلام الدائم في البلد.
نظرة على البيان الاختتامي
يشتمل البيان الاختتامي على تسعة بنود ويتضمن التأكيد على أهمية استمرار المحادثات، في وقتٍ تستمر في المحادثات بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية. كما تم التأكيد في البيان على أن السبيل لإحلال السلام الدائم والشامل لجميع فئات الشعب الأفغاني هو المفاوضات.
بالإضافة إلى ذلك، هناك جوانب مهمة في هذا البيان ولم تحظ باهتمام في المفاوضات السابقة بين الأطراف الأفغانية، نشير إلى بعضها:
1– استخدام لغة لينة
مع أنه في السابق تم المطالبة من قِبل العديد من الجهات الناشطة في مجال السلام أن توقفُ الحكومة الأفغانية وحركة طالبان إلقاء التهم والشائعات ضد بعضهم وأن يستخدموا عوضا عن ذلك لغة متسامحة حتى يُمهد السبيل للمحادثات المباشرة بين الطرفين، إلا أن هذا الطلب لم يُلبى.
أما في البيان المذكور فقد حصل لأول مرة أن استخدم الطرفان لغة متسامحة تهدف إلى تمهيد السبيل للمفاوضات المباشرة بين أطراف النزاع الأفغاني.
2- التأكيد على تقليل العنف
في مدة 18 سنة الماضية وقعت مُعظم خسائر الحرب على التأسيسات العامة والشعب. يفيد تقرير الأمم المتحدة الصادر في 2017م أن عدد الوفيات الذين سقطوا جراء الحرب في أفغانستان منذ عام 2009م بلغ 70188 شخصا، كما أن أعداد القتلى في السنوات الأخيرة أكبر من أي وقتٍ مضى.
قبل انعقاد الجلسة، طالبت عدة جهات من الأطراف المتنازعة تجنب الإضرار بالتأسيسات العامة والأفراد المدنيين والممتلكات، مع الاهتمام بالمؤسسات وحالة السجناء.أما في المؤتمر المذكور فقد أكد سياسيو أفغانستان وطالبان لأول مرة على الإفراج غير المشروط عن السجناء الكبار والمعاقين والمرضى، وضمان الحفاظ على التأسيسات العامة مثل المراكز الدينية والمستشفيات والأسواق والسدود وأماكن العمل، كما وعدوا بالحفاظ على سلامة أرواح الشعب وممتلكاتهم وأعراضهم ومنازلهم، مع تقليل الخسائر في صفوف المدنين إلى حد الصفر.
3- تأمين حقوق الأقليات الدينية والمذهبية:
هناك أقليات تقطن أفغانستان. مع أن الحكومات السابقة وحكومة الوحدة الوطنية أبدت اهتماما خاصا بحقوق الأقليات الدينية ومنها أقلية السيك والهندوس حيث عُين لهم كرسي في البرلمان، إلا أن هذه الأقليات تضررت من الوضع الأمني المتدهور حاليا. كما أنه لم التعامل مع هذه الأقليات بصورة مناسبة في فترة حكم إمارة طالبان. لذلك توجد مخاوف لدى بعض هذه الأقليات عندما يتم الحديث عن السلام بين أطراف النزاع بأفغانستان.
وقد تم التأكيد في البيان الاختتامي للمؤتمر المذكور على حقوق الأقليات الدينية والمذهبية، ويُعد ذلك تقدما جيدا في باب الحفاظ على حقوق الأقليات.
4- خارطة الطريق نحو السلام
في بداية تأسيس حكومة الوحدة الوطنية، وبعد مساعي حثيثة تم بدء سلسلة مؤتمرات تحت مسلمة (عملية كابل). العملية المذكورة ابتُكرت وتم قيادتها من قبل الحكومة. في الجلسة الثانية من هذه المؤتمرات أبرز الرئيس غني سبع نقاط وهي: وضع إطار سياسي وقانوني للسلام، والاعتراف الرسمي بدولة أفغانستان، واتخاذ التدابير الأمنية للمحافظة على جميع فئات الشعب الأفغاني بما فيها جماعات طالبان المنضمة لعملية السلام، وتفعيل مشاريع التنمية الاقتصادية، واستقطاب الدعم الدولي للسلام، ووضع إستراتيجية اضطرارية قصيرة المدى وطويلة المدى للخروج بأفغانستان من الأزمة الحالية، مع وضع آلية فعالة لتقييم النقاط المذكورة ومدى تقدمها، وتم طرح جميع ذلك كخارطة طريق للسلام.
إلا أنه لم يتم وضع خارطة طريق في المحادثات السابقة بين الحكومة وطالبان، ولأول مرة في ختام المؤتمر الأخير وضع طالبان وسياسيو أفغانستان أطروحةً تمثل خارطة طريق للسلام.
ومن أجل تمهيد السبل للمفاوضات بين الأطراف الأفغانية تم التأكيد في البيان الاختتامي على الاتفاق على الحكم في أفغانستان وفق شريعة الإسلام، والعمل وفق شروط السلام الشامل لجميع فئات الشعب، وتنفيذ ومراقبة بنود اتفاقية السلام، والحفاظ على المؤسسات الوطنية والمراكز الدفاعية التي تقع تحت ملك الشعب الأفغاني بعد توقيع اتفاقية السلام، والعمل على إعادة المهاجرين الذين لجؤوا للدول المجاورة، والتفاهم مع الدول الداعمة للمساهمة في إعادة تأهيل البلد، وتأييد المؤتمر الدولي لاتفاقية السلام الأفغاني مع ضماناتها الدولية، والتأكيد على عدم تدخل الدول المجاورة والدول الأخرى في الشؤون الأفغانية الخاصة.
كما تم تأييد ما ورد في البيان الصادر عن مؤتمر موسكو المنعقد قبل عدة أشهر بين طالبان وسياسيي أفغانستان.
وتم كذلك مطالبة تأييد كل من المؤتمر الإسلامي، وهيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي والدول المجاورة لبنود البيان الصادر عن مؤتمر مفاوضات الأفغان المنعقد في الدوحة.
النتائج
المفاوضات بين الأطراف الأفغانية أحرزت تقدما جيدا في وقتٍ وصلت فيه المفاوضات بين طالبان وأمريكا دورتها السابعة، وقد تم الترحيب بمؤتمر الدوحة الأخير بشكل واسع في الداخل والخارج، وجدد ذلك آمال الشعب باقتراب حلول السلام.
في الوقت ذاته بالنظر إلى ردود الأفعال الصادرة من الدول الأخرى، يُؤمل أن تفتح السبل للمفاوضات المباشرة بين طالبان والحكومة الأفغانية في المستقبل.
كما اتفق مندوبو طالبان وسياسيو أفغانستان في المؤتمر الأخير حيال عدد من النقاط التي وُجدت حيالها اختلافات في السابق ومنها الحفاظ على القيم الإسلامية وحقوق الإنسان، والتأكيد على استمرار مفاوضات السلام، وعدم استخدام لغة العنف بين الأطراف المتنازعة، واجتناب الهجوم على التأسيسات المدنية والأماكن العامة، وتقليل العنف بشكل عام.
جلسة المفاوضات الأولى بموسكو حيال السلام المنعقدة بين الأطراف الأفغانية، ومؤتمر الدوحة الأخير بين طالبان وسياسيي أفغانستان خلقا آمالا عريضة حيال السلام الأفغاني. ويتطلب ذلك التزام الطرفين بما تعهدا به مع إعداد خطط عملية لتنفيذ الأهداف المنشودة التي يُرام منها إرساء دعائم السلام الدائم بأفغانستان.
النهاية