من المقرر أن تنتقل السلطة بالطريقة السلمية من رئيس إلى رئيس في أفغانستان، وذلك بعد 12 سنة من مجيء القوات الدولية إلى البلد وإسقاط حكم طالبان. أجريت الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الأفغانية في 5 من نيسان/أبريل 2014م، مع كثير من الاضطرابات ومستوى عال من التزوير. ولكن بعد إجراء الجولة الثانية من الانتخابات في 14 من يونيو/حزيران يبدو أن عراقيل كثيرة تواجه فوز هذه العملية.
بالنظر إلى الانتخابات الأفغانية في مراتها السابقة وبالنظر إلى “اللجنة المستقلة للانتخابات” وإلى “لجنة استماع الشكوى” كيف يمكن تقييم مستوى النزاهة في الجولة الثانية من الانتخابات؟ ما هي عوامل تفاقم المشاكل في هذه العملية؟ وما هي أسباب ضعفها؟ وأخيرا إلى أين تتجه نتائج الانتخابات؟
اللجنان الانتخابية وتجارب سابقة
أسست “اللجنة المستقلة للانتخابات” في 2006م، وحسب الدستور الأفغاني تكون هذه اللجنة هي المؤسسة المسؤولة عن إدارة وإشراف أي نوع من الانتخابات. لقد أجرت هذه اللجنة في 2009م، الانتخابات الأفغانية للرئاسة وللمجالس المحلية والتي أسفرت عن فوز حامد كرزاي رئيسا للبلد. ثم في 2010م، أجرت اللجنة الانتخابات البرلمانية، وتجري هذه اللجنة الآن في 2014م، انتخابات رئاسية أخرى.
بعد إسقاط حكم طالبان وقبل تأسيس هذه اللجنة أجريت للمرة الأولى في 2004م، انتخابات رئاسية، وفي 2005م، انتخابات برلمانية وقد تولت مفوضية الأمم المتحدة في أفغانستان مع “مكتب الانتخابات المشترك” مسؤولية إجراء تلك الانتخابات. حينها أيضا واجهت العملية الانتخابية مشاكل كثيرة تصدر التزوير قائمتها. ولكن مستوى المشاكل ارتفع كثيرا في الانتخابات الثلاث الماضية، وكان الأمن، والتدخل والتزوير على صدر قائمة هذه المشاكل.
في 2009م، عندما انسحب عبدالله عبدالله مرشح رئاسي عن خوض الجولة الثانية من الانتخابات واتهم “اللجنة المستقلة للانتخابات” بالتزوير قل اعتماد الأفغان على العملية الانتخابية برمتها. ارتفع مستوى هذه المشكلة في الانتخابات البرلمانية عام 2010م، أكثر، وزادت شكاوى التزوير إلى أن تم تشكيل محكمة خاصة لتقصي الأمور، وقد أثرت هذه المشكلة سلبا على مشروعية البرلمان وسمعته.
وتواجه اللجنة في الانتخابات الحالية “2014م” مشاكل كثيرة. مع أن الأنباء كانت تفيد بوقوع التزوير على نطاق واسع في الجولة الأولى من الانتخابات، ولكن في الجولة الثانية من الانتخابات أعلنت “اللجنة المستقلة للانتخابات” ومؤسسات دولية معنية، بأن مستوى التزوير في الجولة الثانية كان منخفضا بالنسبة للجولة الأولى، رغم ذلك اتهم المرشح الرئاسي عبدالله عبدالله اللجنة بالتزوير واتهم منافسه أشرف غني أحمدزي بالتقدم عبر أصوات مزورة.
في 2009م، أسست “لجنة الشكاوى الانتخابية” إلى جانب “اللجنة المستقلة للانتخابات” وكان من بين أعضاءها الخمسة عضوان دوليان. في عام 2010م، وأثناء الانتخابات البرلمانية حاولت الحكومة الأفغانية على أن تقلص دور الأجانب في “لجنة الشكاوى الانتخابية” وذلك لتسد التدخل الأجنبي في الانتخابات، ومن بعد ذلك إلى الآن لا يوجد في اللجنة عضو أجنبي.
انتخابات 2014م
نظرا لكثرة المرشحين في الجولة الأولى وانتشار أصوات الناخبين، ذهبت الانتخابات الأفغانية إلى جولة ثانية، وقد حاول المرشحان الرئاسيان ومعهما فريقاهما على التوصل إلى جهات مختلفة وزاد التخوف من “القومجية” في الجولة الثانية.
إنه أمر طبيعي أن كلا الفريقين دخلا خضم المعركة الانتخابية بإرادة الفوز، ولكن يبدو أن كلا الفريقين بعد الاستجابة لمطالب الجهات التي انضمت معهما -حرصا من هذه الجهات على مصالح ذاتية- اعتبرا نفسيها فائزين لا محالة، ونظرا للمشاكل الموجودة أمام الديمقراطية في البلد، لا تبدو هناك ثقافة تحكم بأن يقبل الجانب الخاسر فوز منافسه وأن يمهد الطريق لانتقال السلطة بالطريقة السلمية، وهي عملية سببت خسائر كثيرة في الأرواح والأموال.
الآن وفي الجولة الثانية، إذ اعترض مرشح رئاسي على الانتخابات وذلك بعد إنهاء التصويت، فإن هذا الأمر سيوسع نطاق المخاوف من الصراعات والنزاعات، وإن كان الرئيس الأفغاني أو الحكومة ينفيان بشدة إمكانية بروز مثل هذه الصراعات والنزاعات.
من جانب آخر فإن هناك عناصر داخل الحكومة الأفغانية وأخرى عناصر أجنبية ترى مصالحها في فوز مرشح دون مرشح، وإن هذه العناصر تحاول جادة أن تيسر الفوز لمرشحها المفضل، وذلك أمر يزيد خطر الانزلاق نحو مشاكل أخرى ويضع أمام مشروعية السلطة وعملية انتقالها بالطريقة السلمية عراقيل كثيرة.
نتائج الانتخابات
لقد أبدى المرشحان الرئاسيان رضاهما عن العملية الانتخابية في نهاية يوم التصويت، ووعدا على أن ينتظرا عملية فرز الأصوات ومدارسة الشكاوى من قبل المؤسسات المعنية وإعلان النتائج. كلاهما أبديا عن فرح للمشاركة الشعبية الواسعة، ولم يبدوا مستائَيْن أكثر من الجولة الأولى لوجود التزوير. من جانب آخر اعتبر المراقبون من الداخل والخارج الانتخابات نزيهة واعتبروا ومعهم “اللجنة المستقلة للانتخابات” بأن الجولة الثانية كانت أكثر نزاهة من الجولة الأولى.
لكن فور ظهور نتائج بدائية محتملة، اتهم مرشح رئاسي وهو عبدالله عبدالله، مسؤولا رفيع المستوى في “اللجنة المستقلة للانتخابات” بمحاولة التزوير وانتقد العملية كلها. ثم أخبر المرشح عبدالله عبدالله عن تعليق علاقات فريقه مع اللجان الانتخابية واعتبر موقفه هذا نتجية لعدم استجابة “اللجنة المستقلة للانتخابات” المناسبة لمطالبه. ولكن ونظرا لردود الأفعال الوطنية والدولية على موقفه، يبدو أن هذا الاعتراض لن يؤثر كثيرا على العملية الانتخابية.
ضرورة السلمية في انتقال السلطة
مع أن المعطيات الأرضية تشير إلى أن مرشحا رئاسيا متقدما حصل على أصوات قليلة في الجولة الثانية لا يقبل بنتائج الانتخابات، إلا أنه وبالنظر إلى إشادة المؤسسات الوطنية والمجتمع الدولي بالجولة الثانية واعتبارها ناحجة، وبالنظر إلى الحضور المؤثر للمجتمع الدولي في البلد، لا تبدو عوائق جادة من شأنها أن تعرقل عملية انتقال السلطة بالطريقة السلمية. هذا أمر طبيعي أن الانتخابات تسفر عن فوز مرشح وخسارة آخر، وأن المرشح الخاسر لحرمانه من السلطة وخصوصا في بلد كأفغانستان سيعترض على العملية ما وسعه ذلك.
من جانب آخر، فإن حدوث التزوير شيء طبيعي في الانتخابات حيث تكون، ولنفس السبب أسست في أفغانستان لجنة لاستماع الشكاوى الانتخابية ومدارستها، وعندما يشارك أي مرشح في انتخابات تديرها هذه اللجنان ثم لا يقبل بما تعلنها، فإن اعتراضه قد لا يؤثر كثيرا. ثم إن وجود التزوير في الانتخابات وهو أمر يوجد في كل مكان لا ينبغي في حال الحرمان من السلطلة أن يسبب ضياعا لتضحيات الشعب وأن تذهب هذه الجهود الشعبية سدى وبلاجدوى. إن على “لجنة استماع الشكاوى” أن تدرس كل شكاية بدقة متناهية، وعلى المرشحين أن يقدرا النتيجة كيفما كانت، لأن طرقا أخرى للوصول إلى السلطة قد لا يؤثر في الأوضاع الراهنة.
مشروعية الحكومة القادمة وإدارة صراعات محتملة
بعد أن اتهم عبدالله عبدالله، الشخصَ الأول في الحكومة والمؤسسات المعنية بإجراء الانتخابات بعدم مراعاة الحياد في عملهم، فإن المخاوف من ضعف الحكومة لإدراة صراعات محتملة ازداد اكثر.
من جانب آخر فإن اتهام “لجنة الانتخابات” ومعها المرشح أشرف غني أحمدزي على مؤسسات أمنية، بمحاولة التزوير، يهدد مستوى تأثير المؤسسات المعنية بإدراة الصراع، وهو تأثير كانت تحظى بها هذه المؤسسات دون وجود هذه التهم عليها.
إن المتحث باسم الأمم المتحدة اعتبر موقف المرشح عبدالله عبدالله مثيرا للأسف، وطلب استمرار عملية فرز الأصوات، وفي صعيد متصل أعبرت الحكومة، وأصدقاء أفغانستان الدولييون، والمجتمع الدولي جاهزيتها للتعاون مع الحكومة القادمة المشروعة. وعلى كل، فإن إمكانية حدوث صراعات ومستوى مشروعية الحكومة القادمة أمور تشكل من الآن لدى الشعب والنخب السياسية وجهات مختلفة هاجسا كبيرا ومخاوف كثيرة. النهاية