في الأسبوع الماضي صرّح أوباما الرئيس الأمريكي عن خطة إدارته بشأن تمديد مهلة بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان. وهي أن أمريكا تُبقي 9800 جندي في أفغانستان إلى نهاية عام 2016م، ليتقلص العدد بعده إلى 5500 جندي.
وفي الجانب الأفغاني أثار هذا القرار الحكومي الأمريكي ترحيبا من جهة وردود فعل شديدة من جهة. فقد رحّبت بالقرار “حكومة الوحدة الوطنية”، فيما نددت به حركة طالبان ومعها مجموعات أخرى واعتبرتها تمديدا للحرب.
هنا نلقي نظرة على المراحل التي مرت بها خطة القوات الأمريكية في أفغانستان وخاصة ملف انسحاب هذه القوات من البلد، وعلى عوامل القرار الأخير. كما وندرس موقع أفغانستان في السياسة الخارجية لدى أمريكا، وآثار تمديد مهلة بقاء القوات الأمريكية على السلام والأمن وعلى الوضع الأفغاني الحالي.
خطة أمريكا العسكرية المذبذبة في أفغانستان
بدأت الهجمة الأمريكية على أفغانستان في 7 من أكتوبر 2001م، وبلغ عدد القوات الأمريكية المتواجدة في أفغانستان في شهر نوفمبر 1300 جندي أمريكي، ليصل لاحقا في إبريل 2004م، 20300 جندي. ثم دخلت أمريكا في حرب العراق وتوجهت إليها بكل اهتمامها، وقد بلغ عدد جنودها في أفغانستان إلى نهاية عام 2007م، 25000 جندي.
تجاوز عدد القوات الأمريكية إلى عام 2008م، و2009م، 60000 جندي. وعندما فاز أوباما بالرئاسة الأمريكية عام 2008م، بشعار “التغيير”، و”إنهاء الحربَيْن”، ظهرت أفغانستان على قائمة الأهمية في الخطة الأمريكية من جديد. وسحب أوباما قواته من العراق وقرر نهاية عام 2009م، إرسال 33000 جندي جديد إلى أفغانستان، وأعلن مع ذلك قرار الانسحاب بعد منتصف عام 2011م. ووصل عدد جنود أمريكا في أغسطس 2010م، قرابة 100 ألف جندي.
في 23 من يونيو 2011م، أعلن الرئيس الأمريكي أن 33 ألف من جنود أمريكا تم إرسالهم إلى أفغانستان عام 2009م، سيعودون إلى أمريكا.
وفي مؤتمر شيكاغو عام 2012م، تم أخذ قرار بأن غالبية القوات الأجنبية ستترك أفغانستان إلى نهاية 2014م، وتنتهي مهلة الناتو القتالية وتتولى القوات الأفغانية مسؤولية أمن البلد.
وفي 2013م، وإثر عدم توقيع الاتفاقية الأمنية من قبل حامد كرزاي، تم استغلال ملف الانسحاب كورقة ضغط سياسية، واستمرت سلسلة الانسحاب شيئا فشيئا.
في 2014م، أعلن الرئيس الأمريكي رسميا نهاية مهلة القوات الأمريكية القتالية في أفغانستان، وأعلن أن عددا من القوات الأمريكية ستبقى في أفغانستان بطلب من المسؤولين الأفغان وبهدفَيْن. أولا لإعطاء المشورة للجنود الأفغان، وتدريبهم ودعمهم. ثانيا ولتنفيذ عمليات ضد بقايا تنظيم القاعدة.
الاستراتيجة الجديدة لسحب الجنود
منذ فوز أوباما بالرئاسة الأمريكية عام 2008م، كانت خطته إلى بدايات عام 2015م، ترمي إلى سحب القوات الأمريكية تماما من أفغانستان حتى نهاية 2016م، وأن يكون هو رئيسا أنهى حربَيْن في تاريخ بلده.
وبالنظر إلى الأوضاع الإقليمية والأمريكية منذ بضعة أشهر أحدث أوباما خلال 2015 فقط تغييرا لمرتَيْن في استراتيجة سحب القوات. ففي شهر مارس وخلال لقائه مع أشرف غني الرئيس الأفغاني قرر إبطاء عملية سحب القوات الأمريكية من أفغانستان. وبناءً على الخطة الأمريكية السابقة لسحب القوات كان من المقرر أن يبقى 5500 جندي من مجموع 9800 جندي أمريكي في أفغانستان إلى نهاية 2015م. حينها أعلن أوباما لقلقه واستجابة لطب أشرف عني أنه يُبقي 9800 جندي في أفغانستان إلى نهاية 2015م، وينفذ عملية الانسحاب في 2017م.
وعندما سيطرت حركة طالبان نهاية شهر سبتمبر على مدينة قندوز، وبقيت فيها لمدة أسبوعين، أحدثت أمريكا تغييرا في خطتها وأعلن أوباما إبقاء 9800 جندي أمريكي إلى نهاية 2016م، وأن يبقى بعد 2016م، 5500 جندي أمريكي في أفغانستان.
لماذا غيّر أوباما استراتيجة الانسحاب؟
تكمن عوامل تغيير أوباما خطة انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وإحداثه تغييرا للمرتين خلال عام واحد في الأمور الآتية:
- أوضاع أفغانستان: إن الأوضاع الداخلية في أفغانستان من أبرز ما يعتبره أوباما وإدارته رسميا من عوامل تغيير استراتيجة الخروج من أفغانستان. وقد جائت الخطة الأمريكية الجديدة بعد سقوط مدينة قندوز وسيطرة حركة طالبان على عشرات من المديريات الأفغانية. لكن السؤال الأهم يكمن في أن أمريكا ومع 100 ألف من قواتها لم تستطع أن تضعّف المخالفين المسلحين، وأن تحل الأمن، فماذا عساها أن تفعل بـ5500 جندي؟
- الأوضاع الإقليمية: الأوضاع الإقليمية عامل آخر يُجبر الأمريكان للبقاء في أفغانستان. تريد أمريكا بالتواجد في المنطقة أن تعوّض إلى حد ما خسارة اللعبة في أوكرانيا وسوريا. لكن روسيا قد عززت علاقاتها مع الدول الأخرى من المنطقة. فقد تحسنت علاقاتها مع باكستان كثيرا مقارنة مع بضعة عقود الماضية. ومن هنا أشار عبدالكريم خُرّم رئيس مكتب حامد كرزاي الرئيس الأفغاني السابق إلى هذا واعتبر سقوط مدينة قنوز مسرحية من أجل بقاء القوات الأمريكية.
- انتخابات أمريكا القادمة: ويرى الجناح الديمقراطي الأمريكي أهمية كبيرة في هذه الخطة العسكرية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. مع أن قرار أوباما سيضر السياسة الخارجية للمرشح المحتمل من الجناح الديمقراطي جو بايدن لشهرة موقفه من سحب القوات، لكن موقف مرشح محتمل آخر وهو السيدة هيلاري كلينتون من الجناج نفسه سيعزز السياسة الخارجية.
أفغانستان في السياسة الخارجية الأمريكية
بعد نشأة تنظيم “الدولة الإسلامية”، في العراق وأزمة أوكرانيا في 2014م، و2015م، تقلصت أهمية أفغانستان في الخارجية الأمريكية، ولكن بعد أن تعزز الموقف الروسي يوما بعد يوم في سوريا وأوكرانيا، وخاصة أن أمريكا تتجنب المواجهة العسكرية المباشرة في العراق، ربما يُظهر قرار أوباما الأخير إهتماما أمريكيا جديا بأفغانستان.
أثر استمرار الحضور الأمريكي العسكري
يملك استمرار الحضور الأمريكي العسكري في أفغانستان آثارا متعددة الجوانب، لكن أثره الأساسي يكمن في توفير دافع أكبر للمخالفين المسلحين لاستمرارهم في القتال، وأن الحرب سوف تستمر ولا يحل الأمن والسلام لثلاث سنوات أخرى. ومن هنا وفي بيان لها بمناسبة تمديد مهلة بقاء القوات الأمريكية، وجهّت حركة طالبان رسالة إلى مقاتليها بأن يرفعوا مستوى القتال. وقد يسبب انعدام الأمن والسلام كارثة اقتصادية للبلد مقارنة بنصف عقد مما مضى، وبناءً على تقرير استقصائي حديث تواجه أفغانستان سنويا خسارة تبلغ 9 مليار دولار وذلك بسبب الحرب الدائرة فيها.
إضافة إلى ذلك وباستمرار التواجد الأمريكي العسكري يُحتمل قويا بأن تصبح أفغانستان ميدانا للمنافسة الإقليمية، وذلك في مرحلة تشتد المنافسة يوما بعد يوم بين أمريكا وروسيا، وقالت الصين في بيان لها كردة فعل لتمديد مهلة بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان، إنه يجب احترام سيادة أفغانستان واستقلالها.
النهاية