منذ تشكيل دولة باكستان بجنب أفغانستان، لم يشهد الطرفان علاقات جيدة في أغلب الفترات، ولم تستطع شراكتهما في الدين واللغة والثقافة من تحسين تلك العلاقات أيضا.
منذ 2001م، ومجيء مرحلة جديدة في تاريخ أفغانستان، جاء فيها نظام جديد ورئيس جديد، حاول هذا الرئيس وهو كرزاي بأن يحسن هذه العلاقات، وقام في فترة حكمه بـ21 زيارة إلى باكستان، إلا أنه اعترف في آخر أيامه رئيسا للبلد بأن باكستان لم تتعاون معه، واعتبر أن مفتاح السلام الأفغاني قد وقع في يد باكستان وأمريكا[1]، وظهر بعد نهاية رئاسته كزعيم سياسي مخالف لباكستان وداعم للهند.
لكن ومع تشكيل “حكومة الوحدة الوطنية”، في سبتمبر 2014م، جرت محاولات عدة لتحسين العلاقة مع الجانب الباكستاني. وأوضحّ أشرف غني الرئيس الأفغاني خارجيته في خمس حلقات، وضع باكستان في الأولى منها[2]، وسار خلافا لخلفه كرزاي في طريق التفاهم مع باكستان، ومشى بمحور العلاقة من المجال الأمني إلى الاقتصادي. ويحاول الرجل عبر محاولاته لإحداث اندماج اقتصادي في المنطقة بأن يبني صداقة تاريخية مع باكستان.
ضرورة باكستان
وبما أن الرئيس أشرف غني عمل أخصائيا في المجال الاقتصادي لفترة طويلة، بدأ عمله في التعامل مع الجانب الباكستاني من المجال الاقتصادي أيضا، هذا رغم عدم إظهار باكستان أي دعم اقتصادي يُذكر أو حتى أي مرونة اقتصادية. وقبلت أفغانستان طلب باكستان بأن تلحق طاجكستان باتفاقية “أبتا”، لكن باكستان لم تقبل طلب أفغانستان بإلحاق الهند إلى هذه الاتفاقية من دون تحسين الهند علاقتها مع باكستان. شرط لم يتحقق في نصف قرن مضى.
ويحاول أشرف غني أن يحصل على دعم باكستاني لبلده في مجال السلام والاقتصاد. ويرأى مثل خلفه بأن مفتاح السلام الأفغاني واقع لامحالة بيد باكستان، ويمكن لها أن تحمل طالبان على الجلوس خلف طاولة الحوار. ومن هنا ألغى اتفاقية شراء الأسلحة من الهند، وبعث إلى باكستان جنودا أفغان ليتم تدريبهم هناك، قبل بحق النقل القليل لمرور أمتعة باكستان التجارية إلى طاجكستان، وقّع اتفاقية تعاون استخباري مثير للجدل، ورفع خطوات لم تثمر مع الجانب الباكستاني بعد.
ترى حكومة أشرف غني إلى العلاقات الثنائية بين البلدين بنظرة استراتيجية وهدف بدلا من النظر الآني، لذلك تهمل عدم رضا باكستان القليل وتمضي نحو هدفها. واضطر أشرف غني خلال تسعة أشهر من حكومته بأن يتحدث عن عدم تنفيذ باكستان لوعودها، واعتبر “صمته” استراتيجيا أيضا. وقد لعب امتناع باكستان من تنفيذ وعودها دورا كبيرا في عزلة الرئيس الأفغاني الداخلية وفي إثارة مخالفة داخلية واسعة في المجال السياسي أيضا.
في الجانب المقابل استغلت باكستان وجود أشرف غني إلى حد كبير. فمنذ 14 سنة مضت، استطاعت باكستان أخيرا أن تضع حدا أمام النفوذ الهندي المتزايد في أفغانستان وأن تحصل على تنازلات عدة من الجانب الأفغاني.
من التعاون الاستخباري إلى تبادل التــُهَم
كما أشرنا بأن باكستان لم ترفع أي خطوة ذات أهمية لصالح أفغانستان رغم التنازلات الكبيرة التي حصلت عليها من حكومة أشرف غني، إلا أن الرئيس الأفغاني لا يزال ينتظر وقد فضّل “صمتا استراتيجا”.
آخر مرة انتقدت الحكومة الأفغانية الجانب الباكستاني كانت في 21 من يونيو حيث نفّذت عناصر تابعة لطالبان هجوما على مبنى البرلمان الأفغاني. تبنت الحركة مسؤولية الهجوم لتحمّل بعدها إدارة الأمن الأفغاني باكستان مسؤولية الهجوم وأعلنت أن شخصا باسم “بلال” من عناصر المخابرات الباكستانية كانت مسؤولا لوجيستيا للهجوم.
اتهام رفضه متحدث في الخارجية الباكستانية. وتــُتهم المخابرات الباكستانية من قِبل نظيرتها الأفغانية بالوقوف خلف هجوم على البرلمان الأفغاني في حال تم توقيع مذكرة تفاهم استخباري بين البلدين. وتنص مادة لهذه المذكرة، التي نشرتها صحيفة “ويسا”[3] في الأسبوع الماض، على توافق لتبادل المعلومات الاستخبارية. وسبب نشر نص الاتفاقية ضغوطا على حكومة أشرف غني أيضا.
وكانت فترة حسن العلاقة بين “حكومة الوحدة الوطنية” وباكستان قصيرة جدا. فعندما يُتهم طرف بمثل هذه المؤامرة رغم تواجد اتفاق استخباري فإنه إن دل على شيء فإنما يدل على عدم جدوى تلك الاتفاقية. وظهر شيئا فشيئا في مجال السلام أيضا بأن باكستان عقدت جلسة أورومتشي لتحصل على تنازلات أكثر من أفغانستان.
لوبي أم انعدام الثقة؟
في أفغانستان هناك حالة من انعدام الثقة تجاه باكستان، ولا يمكن اجتيازها عبر الكلام وليس دوما ورائها اللوبي المخالف لباكستان في كابول. مسؤولية تدهور العلاقات الثنائية بين البلدين يتحملها الطرفان معا، لأن باكستان لم يحق لها أن تعد الجانب الأفغان ما لم يكن بوسعها عمله. من جهة أخرى لم يدرك المسؤولون الأفغان حركة طالبان ولم يدركوا طريقهم الأصوب نحو السلام بل استمروا في مجال السلام على خطى كرزاي. ويرى أشرف غني أيضا بأن مفتاح السلام الأفغاني بيد باكستان، ومن أجل ذلك يحاول تحسين علاقاته مع باكستان، ويمنح تنازلات ويطلب من باكستان أن تجلب سلاما لبلده.
لقد أثبتت الاضطربات الأمنية الأخيرة في أفغانستان ومعها جلسة أورومتشي المزوّرة بأن باكستان يمكن أن تكون عنصرا إقليميا في عملية السلام الأفغانية، لكنها لن تكون الجهة الوحيدة لهذه المهمة.
الآن وبعد أن ثارت انتقادات واسعة ضد إسلام آباد في أفغانستان، يُرجع الباكستانيون الأمر إلى أثر اللوبي الهندي. إلا أن هذه المرة وبسبب تدهور الوضع ينبغي وضع اللوم على حكومتَيْ البلدين. كان على الجانب الأفغاني أن يُطلق محادثات مباشرة مع طالبان وكان على باكستان أن تلعب دورا إقليميا في العملية، إلا أن الحكومة الأفغانية سارت في طريق استفزت بسياستها حركة طالبان.
وفي حال فشل أشرف غني في عملية السلام بورقة باكستان- كما يبدو فاشلا الآن-، يكون عليه إما أن يجري محادثات مباشرة مع طالبان أو يطلق عنان آلته العسكرية. وفي حال اختيار السلاح خيارا للحل، سوف تحكم الاضطرابات الأمنية كل البلد، وسوف تذهب خطط أشرف غني الأخرى في ظل انعدام الأمن والاستقرار أدراج الرياح.
أخيرا
منحت الحكومة الأفغانية للجانب الباكستاني على عجلة من أمرها تنازلات عدة، من قبل أن تدرس إمكانيات باكستان لتوفير أي دعم من عدمه. وحاول أشرف غني من جانبه أن يبني ثقة و يحسّن العلاقة مع باكستان.
أولا، لم توفر باكستان ما توقعه أشرف غني. وظهر من جلسة أورومتشي بأن باكستان لا تستطيع أن تضع ضغوطا على قادة طالبان الأصليين والذين يقودون المعركة في أفغانستان، وأن تـُطلق محادثات السلام.
ثانيا، رغم إمكانيات باكستان لفعل أي شيء، إلا أنها ليست صادقة مع أفغانستان، وعلى سبيل المثال هي لا تريد من أجل بناء ثقة مع أفغانستان أن توافق على التحاق الهند باتفاقية “أبتا”، لأن ذلك ينفع الاقتصاد الأفغاني الهش، وأجرت أفغانستان محاولات منفردة لتحسين العلاقة لكن باكستان لم ترفع الخطوات اللازمة من جانبها، وبذلك تبدو نهاية شهر العسل بينهما قريبة.
النهاية
[1] لمزيد من التفاصيل راجع الرابط التالي:
http://pa.azadiradio.org/content/article/26601700.html
[2] لمزيد من التفاصيل راجع الرابط التالي: http://www.bbc.com/persian/afghanistan/2014/09/140929_ashraf_ghani_inauguration_final
[3] لمزيد من التفاصيل راجع الرابط التالي:
http://www.dailyweesa.com/?p=11064