مضت قرابة أربع سنوات على تأسيس حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها أشرف غني؛ ولم تخلُ هذه المدة من تدهورات أمنية وسياسية وتحديات اقتصادية واجهتها البلاد. وقد شهد جانب السياسة الخارجية لأفغانستان في هذه المدة إنجازات وأخفاقات ملحوظة.
بشكل عام، كانت سياسة أفغانستان الخارجية ازدواجية في معظم الحالات ومعتمدة على الوضع الأمني الداخلي. كما أن السياسة الخارجية افتقدت للثبات والتوازن في بعض المجالات.
نناقش في هذا المقال السياسة الخارجية لحكومة الوحدة الوطنية وإنجازاتها وإخفاقاتها في سنواتها الأربع الماضية.
سياسة الرئيس غني الخارجية
منذ عام 2001 وحتى نهاية الفترة الرئاسية الثانية للرئيس السابق حامد كرزاي انتُقدت السياسة الخارجية الأفغانية على أنها تتسم بالازدواجية. كما أن تدهور العلاقات مع الدول المجاورة وعدم توازن السياسات تجاه الدول الأخرى في السنين الثلاثة عشر الماضية وضعَ السياسة الخارجية للبلد في محط الانتقاد.
بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية صرح الرئيس غني في خطاب افتتاحية فترته الرئاسية أن مشكلة أفغانستان لها أبعاد خارجية وأن السياسة الخارجية لبلده هامة للغاية. قسّم الرئيس غني دوائر العلاقات الدولية إلى الأقسام الخمس التالية:
الدائرة الأولى: الدول المجاورة؛
الدائرة الثانية: دول العالم الإسلامي؛
الدائرة الثالثة: الولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا، اليابان وكندا؛
الدائرة الرابعة: الدول الآسيوية؛
الدائرة الخامسة: المنظمات الدولية.
بشكل عام، كان اهتمام السياسة الخارجية الأفغانية في هذه الفترة منصبا على عملية المصالحة والتكامل الاقتصادي واستقطاب الدعم الدولي. في شأن المصالحة تم التركيز على الدول المجاورة ودول العالم الإسلامي لكونها ذات علاقة بالشأن الأفغاني منذ أربعة عقود. وبما أن أفغانستان حاليا تعتمد على الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا و كندا واليابان وبعض المنظمات الدولية الأخرى، لذا تم الاهتمام بالعلاقات المتبادلة مع هذه الدول في السياسة الخارجية التي اتبعها الرئيس غني. بالإضافة إلى الجهود المثمرة والإنجازات التي حصلت عليها حكومة الوحدة الوطنية في سياستها الخارجية، إلا أن هذه السياسة اتسمت بعدة عيوب ومشكلات.
إنجازات السياسة الخارجية
في فترة الرئيس غني، نجحت السياسة الخارجية لحكومة الوحدة الوطنية في المجالات التالية:
- استقطاب الدعم الخارجي: بفضل سياسته الخارجية، استطاع الرئيس غني بعد خروج جزء كبير من القوات الأجنبية من أفغانستان أن يستقطب دعم الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية لأجل دعم القوات الأمنية وإعادة إعمار البلد في مؤتمريْ وارسو و بروكسل عام 2016. قرر قادة حلف الناتو في مؤتمر وارسو بأن يُبقوا قواتهم حتى نهاية عام 2017 وأنهم سيقدمون مساعدة قدرها 4.5 مليار دولار أمريكي لدعم القوات الأمنية الأفغانية. من جانبٍ آخر، وُعدت أفغانستان بمساعدة قدرها 15.2 مليار في مؤتمر بروكسل من أجل إعادة إنشاء أفغانستان.
- مشاريع نقل الطاقة على مستوى الإقليم: خلال فترة حكومة الوحدة الوطنية استطاع الرئيس غني أن يُبادر بالعمل في بعض المشاريع الإقليمية مثل مشروع KASA-1000 المختص بالكهرباء ومشروع TAPI لنقل الغاز عبر أفغانستان.
- التجارة والعبور: الرئيس غني أحرز إنجازات كذلك في إيجاد طرق عبور تجارية بديلة مما أخرج أفغانستان عن حالة عُزلتها التجارية.
اتفاقية جابهار للتجارة والعبور الموقعة بين أفغانستان وإيران والهند خلال فترة حكومة الوحدة الوطنية تتيح لأفغانستان التبادل التجاري مع العالم ومن جانب آخر تتيح للهند التبادل التجاري مع أفغانستان وآسيا الوسطى عبر منفذ جابهار الحدودي. من الإنجازات في مجال العبور كذلك: إنشاء سكة الحديد بين أفغانستان وتركمنستان، وبين ولاية هرات بأفغانستان ومدينة خواف الإيرانية، والتبادل التجاري الأفغاني الصيني عبر سكة الحديد، وإيجاد الممرات الجوية مع بعض الدول وتصدير البضائع الأفغانية إلى السوق الدولي.
- الجهود الإقليمية لتحقيق السلام: خلال فترة حكومة الوحدة الوطنية بذل غني مساعي لفتح أبواب التفاوض والحوار مع طالبان من خلال سياسته الخارجية. استطاعت حكومة الوحدة الوطنية جمع علماء الدين من شتى دول العالم ومناداة حرب طالبان الحالية في أفغانستان على أنها “محرمة” على لسان إمام المسجد الحرام. بالإضافة إلى ذلك فإن الضغط الأمريكي على باكستان كان هو الشيء الذي تهدف إليه أفغانستان منذ عقد ونصف.
- التصويت ضد القرار الأمريكي في قضية القدس: قبل قرابة عام صوّتت أفغانستان ضد القرار الأمريكي بجعل القدس عاصمة إسرائيل في الجلسة الاضطرارية المنعقدة في مقر الأمم المتحدة؛ ومن ثم تصرف الرئيس غني الذي يرأس حكومة الوحدة الوطنية ويعتلي كرسي قيادة بلد مسلم بمسؤولية، وخالف قرار فتح السفارة الأمريكية في القدس.
إخفاقات السياسة الخارجية
مع ما ذُكر من إنجازات حققتها حكومة الوحدة الوطنية في مجال سياستها الخارجية، إلا أن هناك إخفاقات عديدة في هذا الصعيد نوجزها على النحو التالي:
أولا؛ كانت السياسة الخارجية إلى حد كبير تتسم بالازدواجية ومن ثم فقدت توازنها في كثير من القضايا. على سبيل المثال، وطّدت حكومة الوحدة الوطنية علاقاتها بإسلام آباد لدرجة أنستها نيو-دلهي؛ ثم لم تلبث أن تزعزعت هذه الصلة الوطيدة بين أفغانستان وباكستان، ويممت كابل وجهها للهند، وقد أُغلقت الحدود في هذه الآونة بين أفغانستان وباكستان في بوابتي طورخم و جمن، ووقعت اشتباكات بين القوات الحدودية للبلدين، حتى أن أفغانستان رفضت الدعم الباكستاني البالغ قدره 500 مليون دولار في مؤتمر قلب آسيا.
هذا وقد تخلصت حكومة الوحدة الوطنية من حياديتها القديمة وأيدت موقف المملكة العربية السعودية في قضية حرب اليمن. في الوقت ذاته لم يقدر الرئيس غني على حفظ التوازن تجاه القوى الدولية ولم يقدر على الحفاظ على العلاقة باستقلالية مع عدة دول على مستوى الإقليم والعالم. وقد أدى ضعف الاتزان في فترة حكومة الوحدة الوطنية إلى بدء الحرب الباردة وتحديدا بين الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا، التي تزداد حدّتها عاما بعد عام.
ثانيا؛ في معظم الأوقات حُرمت أفغانستان من موقف واحد حاسم في سياستها الخارجية نظرا لهشاشة مواقفها السياسية وصراعاتها الداخلية. على سبيل المثال اتُّهمت إيران منذ سنوات وفق تقارير عديدة بأنها أرسلت محاربين أفغانيين في الحرب السورية. رغم أن الحكومة الأفغانية وعدت عدة مرات بمتابعة وتقصّي القضية واستنكر المجلسان البرلمانيان الحكومةَ الإيرانية وطالبتها بإيقاف فعلتها؛ إلا أن الحكومة الأفغانية اتخذت الصمت حيال القضية، بل تعدى الأمرُ ذلك ودافع محمد محقق النائب الثاني للرئيس التنفيذي فعلة إيران خلال حديثه على أرض إيران وأثنى على إيران لدعمها جماعة “الفاطميون” في حربها ضد داعش.
ثالثا؛ في الأيام الأولى لحكومة الوحدة الوطنية، سارع غني إلى توقيع الاتفاقية الثنائية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي تسببت في تمدد الحرب الجارية في أفغانستان وازدياد الضحايا الأهلية وأدت إلى تهجير مئات الآلاف من الأفغان من منازلهم بسبب الحروب والقصف.
النهاية