تُعتبر أفغانستان إحدى ثلاث دول تنتشر فيها الأمية بشكل كبير. حتى الآن تحتل أفغانستان المنصب الثالث من حيث تدني مستوى الأمية بعد دولتين أفريقيتين، ويقدر 30% فقط من الأفغان على القراءة والكتابة.
حسب تصريحات “بتريشيا مك فيليبس” مندوبة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة UNESCO في أفغانستان، من جملة المجالات التي نالها قدر كبير من الإغفال في أفغانستان خلال العقد والنصف الماضي محوُ الأمية لدى الراشدين وكبار السن.
طوال السنين الخمس عشرة الماضية، على الرغم من دعم المجتمع الدولي لأفغانستان بمليارات الدولارات، نجد أن التطور في بعض المجالات يسيرٌ جداً ومن هذه المجالات برنامج محو الأمية التابع لوزارة التعليم. خلال عقدٍ من الزمن سُمعت انتقادات تحكي أن البرنامج له نمط تظاهري، أما في ميدان الواقع تشهد الإحصائيات أنه لم يُنجز عمل واسع ومؤثر في هذا الصدد.
يتناول هذا المقال أسباب عدم نجاح برنامج محو الأمية في أفغانستان عبر إلقاء نظرة عامة على البرنامج والتناقض في الإحصائيات التي صرحت بها الحكومة في هذا المجال.
معرفة القراءة والكتابة ومعدلها في أفغانستان
تعرّف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة معرفةَ القراءة والكتابة بأنها «القدرة على معرفة وتفسير وإنشاء التواصل والحساب عند استخدام المواد المطبوعة والمكتوبة المتعلقة بشتى المجالات. تمنح معرفة القراءةِ والكتابةِ الشخصَ الآلة التعليمية التي تمكنه من الوصول إلى أهدافه وتوسيع مدارك علمه وقوته ومشاركته الفاعلة في المجتمع». إذا أردنا أن نعرّف الأمي فيمكننا القول ببساطة بأنه من لا يستطيع القراءة والكتابة.
تُعد أفغانستان إحدى الدول التي ينخفض فيها معدل معرفة الأفراد بالقراءة والكتابة إلى حدٍ كبير. وفق إحصائيات اليونسكو فإن معدل الأمية في أفغانستان يبلغ نحو 70% مما يُشكل تحدياً خطيراً. في المتوسط يعرف 31% من السكان الذين يربو عمرهم عن 15 سنةً القراءةَ والكتابة. معدل القراءة والكتابة بين النساء في المتوسط يبلغ 17%، وتوجد أعلى نسبة لمعرفة القراءة والكتابة بين النساء في كابل حيث تبلغ 35% وتوجد أقل نسبة في الولايات الجنوبية حيث تكون أقل من 2%. في المتوسط يبلغ معدل معرفة القراءة والكتابة عند الرجال 45%، وأعلى نسبة لذلك في كابل حيث تبلغ النسبة 68% وتوجد أدنى نسبة في هلمند حيث تبلغ 41%[1].
برنامج محو الأمية
أُسس برنامج محو الأمية بأفغانستان في فترة حكم أمان الله خان، وبعد سقوط نظام طالبان وبدء الدعم من قبل المجتمع الدولي في مجال التعليم، بدأ برنامج محو الأمية للراشدين وكبار السن، ومنذ عام 2008 دعمت منظمة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN Habitat) ومنظمة اليونسكو الإدارات الحكومية المختلفة ومن ضمنها وزارة التعليم حيث تم دعمها من أجل زيادة معدل معرفة السكان بالقراءة والكتابة، وقد أُجريت المرحلة الأولى لبرنامج محو الأمية في عام 2008 بتمويلٍ من اليابان قدره 38 مليون دولار وما زال البرنامج مستمراً، ومع ذلك فإن معدل الأمية باقٍ على مستوى كبير.
وفق الإحصائيات الحكومية منذ عام 2009م إلى 2015 التحق ببرنامج محو الأمية عدد 3514535 شخص. (لمزيد من التفاصيل يرجى الرجوع للجدول-1). ولكن مثل بقية الإحصائيات الرسمية، فإن إحصائيات الأمية تثير استفهامات وليست قابلة للتصديق حسب رؤية خبراء التعليم. لأن هذا العدد يفيد تطورات كبيرة في هذا المجال، إلا أن تطوراً كهذا في مجال محو الأمية لا حقيقة له.
من إشكالات الإحصائيات الرسمية أنها تعتبر جميع الملتحقين ببرنامج محو الأمية قادرين على القراءة والكتابة، في حين أنه لا توجد أي إحصائية دقيقة تم رصدها بعد امتحان الملتحقين الذين تم تقديم البرنامج لهم.
الجدول 1: إحصائيات برنامج محو الأمية (1388-1394 الهجري الشمسي)
المصدر: إدارة إحصائية أفغانستان المركزية
إحصائيات متضاربة وغير دقيقة
بالنظر في الإحصائيات التي تم نشرها خلال عقدٍ من الزمن من قِبل مسؤولي وزارة التعليم نلاحظ أنها في كل سنة متضاربة وغير دقيقة وبها فروق كثيرة.
وفق إحصائيات اليونسكو يبلغ عدد الأشخاص الذين لا يقدرون على القراءة والكتابة والحساب في أفغانستان أكثر من 11 مليون في كل أنحاء أفغانستان، وهؤلاء أعمارهم فوق الخامسة عشرة. تفيد إحصائيات اليونسكو أن نسبة الأميين في القرى تصل إلى 90% بين النساء و 63% بين الرجال.[2] في حين أن الإحصائية المأخوذة قبل سبع أو ثماني سنين لا تختلف عن هذه الإحصائية. أعلنت وزارة التعليم في عام 2009 أن عدد الأميين في البلد 11 مليون، وتُظهر إحصائية الأمم المتحدة في هذه السنة أيضاً أن 90% من نساء القرى أميات، وأن 63% من سكان القرى الذكور أميون.[3]
من جانبٍ آخر تذكر وزارة التعليم أن هناك حالياً نحو 15 ألف مركز لمحو الأمية في كل البلد وأن نحو 500 ألف شخص يدرسون في مراكز محو الأمية، وتُخرّج هذه المراكز كل عام بين 300000 إلى 350000 شخص.[4] في حين أن وزارة التعليم ذكرت قبل سبع سنوات أنها تعلّم القراءة والكتابة سنوياً لأكثر من 500 ألف شخص وأنها ستخفض معدل الأمية إلى أقل حدٍ بحلول عام 2010، إلا أن عدد الأميين مازال كبيراً والرقم باقٍ على حاله.
في 2012 أعلن مسؤولو وزارة التعليم أن عدد الأميين في البلد 10 ملايين شخص. في عام 2014 تكلم وزير التعليم عن تعلّم خمسة ملايين شخص للقراءة والكتابة، وأضاف بأنه يوجد الآن 7 ملايين أمي في البلد، وأنه في كل سنة يتعلم نصف مليون مواطن أمي القراءة والكتابة، والمفترض بهذا المنوال أن عدد الأميين ينزل هذا العام إلى ستة ملايين.[5] إلا أن هذه الوزارة أعلنت في عام 2015 أن عدد الأميين يبلغ 10 ملايين، والآن في 2016 أعلنت أن عدد الأميين 11 مليون في أفغانستان.[6]
فيما يتعلق بمراكز محو الأمية فإن المسؤولين بوزارة التعليم في عام 2013 ذكروا أن عدد المراكز 30 ألف مركز، وإجمالً يدرس 770000 شخص في برنامج محو الأمية [7]، إلا أن وزير التعليم يقول حاليا بأن 500000 شخص في 15000 مركزاً يدرسون في برنامج محو الأمية، في حين أن إحصائيات الإدارة المركزية للإحصائية تختلف كثيراً عن هذا الرقم ومن جانبٍ آخر فإن عدد الأميين في ازدياد كل عام.
أسباب عدم نجاح برنامج محو الأمية
المنهج الغير معياري: كوْن المنهج التعليم غير معياريٍ أمرٌ طالما انتقده خبراء التعليم، ولكن مع ذلك قلّما بُذل الاهتمام بالمناهج، والآن رئيس برنامج محو الأمية بوزارة التعليم سردار محمد رحيمي يُقر بأن كتب محو الأمية الحالية ليست مناسبة لاحتياجات الطلبة الأميين.
ضعف الإدارة والتهاون: إدارة محو الأمية لا تذكر إنجازات البرنامج وصعوباته إلا في يوم الاحتفال بالقراءة والكتابة العالمي في المؤتمرات الصحفية، ولكن حتى الآن ليس للبرنامج ولا صفحة ويب إلا واجهة تُعرّف برئيس البرنامج ولا يوجد بها أي إحصائيات متعلقة بالبرنامج. مع أن هذه الإدارة تصرف سنوياً عشرين مليون دولار، لم يكن لها في السنوات الماضية إنجازات ملموسة بسبب الضعف الحاصل فيها.
الفساد الإداري: تفيد الدراسات والتقارير أن وزارة التعليم لم تُحسن استخدام الدعم الدولي الذي وردها، وأن أكثر هذه المبالغ نُهبت من قبل بعض الأفراد. حصل مركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية العام الماضي على أدلة تفيد أن معلمي وموظفي وزارة التعليم في بعض المناطق الخطرة يحصلون على رواتب ولكن لا وجود لمراكزهم التعليمية. عدم تطور برنامج محو الأمية يدل على أن المبالغ المدعومة لهذا المجال وخصوصاً بعد عام 2008 تم نهبها في الغالب ولم يُنجز بها أعمال أساسية ومؤثرة.
قلة الميزانية: بلغ مجموع ميزانية الحكومة الاعتيادية والتطويرية للتعليم في عام 1394هـ ش 47657120000 أفغاني، ومن كل هذه الميزانية خُصصت نسبة 1 إلى 1.5 في المئة لبرنامج محو الأمية مما يدل على قلة اهتمام الحكومة بهذا المجال وأنه لا يقع ضمن أولوياتها.
التدهور الأمني: التدهور الأمني أيضاً تسبب في أن يُطبق برنامج محو الأمية في المدن بنمط شكلي، في حين أن أكبر معدلات الأمية توجد في الأماكن النائية.
النهاية
[1]لمزيد من التفاصيل راجع الرابط التالي:
www.unesco.org/new/en/kabul/education/enhancement-of-literacy-in-afghanistan-ela-program/
[2] لمزيد من التفاصيل، «اليونسكو: 11 مليون أفغاني فوق الخامسة عشرة من العمر أميون»، منشور في 2016:
http://madanyatonline.com/reports/over-news/4026
[3] وكالة أنباء آوا، «أفغانستان إحدى الدول الخمس التي ينخفض فيها معدل القدرة على القراءة والكتابة»:
http://www.avapress.com/vdchiznz.23niidftt2.html
[4] بي بي سي، خطة الدولة الجديدة لمحو الأمية:
http://www.bbc.com/persian/afghanistan-38043984
[5] مزيد من التفاصيل على موقع إذاعة “آزادي”:
http://da.azadiradio.com/a/26572133.html
[6] لمزيد من التفاصيل يرجى الاطلاع على موقع إذاعة “آزادي”
http://da.azadiradio.com/a/27966324.html
[7] لمزيد من التفاصيل:
http://da.azadiradio.com/a/25099285.html