عوامل الاضطرابات الأمنية الأخيرة في أفغانستان والمؤامرة الدولية

 

إن إحلال السلام والاستقرار يحتلان الصدارة في الأولويات لدى أي حكومة، وذلك لتحافظ الحكومة على حياة أتباعها، ومالهم وعرضهم. إلا أن الحكومة في أفغانستان ومنذ عقد من الزمن قصّرت في هذا الواجب، وتزداد الاضطرابات الأمنية في البلد يوما بعد يوم.

تزامنا مع تشكيل الحكومة الجديدة وبدء فصل الربيع، تصاعدت وتيرة الأحداث الدامية في أرجاء البلد، وبدأت هذه الاضطرابات تتسع بعد المناطق الجنوبية والشرقية إلى مناطق في شمال أفغانستان، بشكل سريع وقوي.

يرى المحللون بأن عوامل هذه الاضطرابات تكمن في السياسة الداخلية والخارجية لدى “حكومة الوحدة الوطنية”، وفي حلقات استخبارية إقليمية ودولية، إلى جانب عوامل إقليمية أخرى.

 

السياسة الداخلية

مع تشكيل الحكومة الائتلافية تم أخذ قرارات أثّرت على المجال الأمني إلى جانب مجالات أخرى. منها توقيع الاتفاقية الأمنية، وتوسيع العمليات العسكرية، والفشل في تشكيل توزيع الحقب الوزارية.

 

  • الاتفاقية الأمنية

أثناء الحملات الانتخابية تعهد أشرف غني في لقاء مع شخصيات سياسية، أنه سيؤخر توقيع الاتفاقية الأمنية. وكان واحد من هؤلاء السياسيين قد التقى قبل بضعة أسابيع مع قياديين في مكتب حركة طالبان في قطر. أكّد هذا المصدر لمركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية بشرط عدم ذكر اسمه، أن أشرف غني تعهد بنفس الشيء لحركة طالبان في قطر. ولكن في مخالفة سريعة مع هذا التعهد وبعد ساعات من إعلان الحكومة الائتلافية تم توقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا وبذلك تم وضع عائق كبير في طريق السلام ورُفعت إشارة خضراء لحركة طالبان بأن تستمر في قتالها.

مع إعلان الحركة بدء عمليات فصل الربيع، تسميها الحركة “عمليات العزم”، وقعت ولايات شمالية خاصة كندز، وفارياب، وبدخشان أمام تهديد السقوط. وكانت الحركة قد صرّحت في بيانها بشأن عمليات العزم، أن هذه العمليات سوف تستهدف إلى جانب القوات الأجنبية والمراكز الاستخبارية والدبلوماسية، المسؤولين الأفغان والعاملين في المؤسسة العسكرية[1]، ورأت طالبان بأن الحرب الأمريكية في أفغانستان لم تنتهِ حسب الجدول الزمني الذي أعلنته أمريكا.

وجاء في بيان حركة طالبان: “مع أن المحتل قد أعلن نهاية مهلته القتالية في أفغانستان، إلا أنه وبالفعل وبحكم الاتفاقية الأمنية بقي المسيطر على الجو والأرض في أفغانستان، ويستمر الاحتلال مثل الماض في مجال السياسة، والإعلام، والثقافة، والتعليم وفي مجالات أخرى. حتى الآن يتم تنفيذ عمليات طائرات بلا طيّار على بيوت المدنيين، ويتم عمليات ليلية، ويسيطر المحتل على العتاد العسكري في النظام”[2].

وفي جلسة بكواش في قطر أيضا، اعتبرت حركة طالبان توقيع الاتفاقية الأمنية عائقا على طريق السلام. فقد جاء في بيانها: “للأسف كلما رفعت الإمارة الإسلامية خطوة نحو السلام، تمت عرقلة الطريق بعنوان الاتفاقية الأمنية و الاتفاقية الاستراتيجية”[3]. لأن حركة طالبان أعتبرت العامل الأبرز للاضطرابات الأمنية في أفغانستان، فإنها رأت إلى الاتفاقية الأمنية سببا لاستمرار القتال وليس طريقا إلى إنهائه.

 

  • العمليات العسكرية

قبل بدء حركة طالبان عملياتها العسكرية، نفّذت الحكومة الأفغانية عمليات عسكرية ضد الحركة في ولايات هلمند، وغزني، وميدان وردك، ولوكر إضافة إلى ولايات أخرى، أسفرت عن مقتل الكثيرين وإلقاء القبض على عدد كبير.

وأثّرت هذه العمليات على الاضطرابات الأمنية في البلد نوعين. فقد استفزت العمليات حركة طالبان من جهة وسببت اتساع نطاق الاضطربات الأمنية من الولايات الجنوبية إلى شمال أفغانستان. وفي باكستان نفّذت الآلة العسكرية عمليات واسعة ضد الأوزبك، والشيشان، ومقاتلين أجانب آخرين، توجه عدد كبير منهم نحو شمال أفغانستان.

 

السياسة الخارجية

مع أن أشرف غني يحاول حتى الآن إحداث توازن في سياسته الخارجية، إلا أن التقارب إلى الجانب الباكستاني وخاصة عقد آمال عريضة على دور باكستان في عملية السلام الأفغانية، يمكن أن يكون سببا وراء الأوضاع الحالية. تحاول حركة طالبان منذ سنوات عدة، بأن تظهر نفسها ذات حرية واستقلال أمام باكستان. وفي نفس العصيد ألقت السلطات الباكستانية عام 2007م، القبض على مسؤول رفيع في الحركة الملا عبيد الله والذي قُتل عام 2010م، في باكستان. بعد ذلك تم إلقاء القبض على الملا برادر وعلى إخوة طيب آغا مسؤول مكتب الحركة في قطر، من قبل باكستان لوضع الضغوط على الحركة، وفي هذا السياق وبشكل عام قُتل 22 من قادة الحركة في سجون باكستانية.

لم ترض حركة طالبان من هذه السياسة الخارجية التي أجراها أشرف غني، لأنها ترى أن ذلك يعطي للشعب الأفغاني مفهوما بأن باكستان تسلّم طالبان لحكومة كابول وبذلك تنتهي الحرب. ومن أجل ذلك شرعت حركة طالبان في عمليات فصل الربيع بقوة عارمة، لتظهر أن زمام الأمر فيها ليس بيد باكستان.

 

عوامل دولية

إن للاضطرابات الأمنية الجارية في أفغانستان عوامل دولية أيضا، سببت اتساع رقعة الحرب إلى المناطق الشمالية. ولاتساع الحرب إلى الشمال وجهان، أوله تنفيذ الجيش الباكستاني عمليات عسكرية في وزيرستان، ثانيه ظهور تنظيم الدولة في أفغانستان.

 

  • عمليات وزيرستان

عندما نفّذت حركة طالبان الباكستانية مع حركة آذربايجان الإسلامية هجوما على مطار كراتشي في 8 من يونيو 2014م، قام الجيش الباكستاني كردة فعل بتنفيذ عمليات عسكرية سُميت بـ”ضرب عضب”، في 15 من يونيو 2014م، على المناطق القبلية في وزيرستان، وهي عمليات لا زالت مستمرة.

وعلى إثر هذه العمليات العسكرية اضطر كثير من المقاتلين الشيشان، والأزبك، والأيغور على أن ينتقلوا إلى المناطق الشمالية في أفغانستان.

 

  • تنظيم داعش

إن تواجد داعش الحقيقي في أفغانستان لا يزال لغزا، ومع ذلك صرّح مسؤولون في الحكومة الأفغانية على رأسهم رئيس البلد بتواجد داعش في أفغانستان.  يرى نواب البرلمان الأفغاني بأن تنظيم داعش مشروع أطلقته حلقات استخبارية إقليمية، بهدف خلخلة الأمن في آسيا الوسطى. وأبدى حنيف أتمر مستشار الأمن الوطني في كلمة أمام البرلمان الأفغاني موافقة مع هذا الرأي.

حتى الآن نعلم فقط أن تنظيم داعش اختار أميرا للمنطقة وسماها خراسان، وليس هناك ما يظهر أنشطته إلا بضعة فيديوهات. وفي حادث جلال آباد الدموي الذي أتهم تنظيم داعش، رفض مسؤوليته عنه.

مع ما يبدو بأن داعش ليست له أنشطة ظاهرة في أفغانستان، إلا أنه يُعتبر عاملا في الاضطرابات الأمنية الأخيرة. وفيما تدور رحى الحرب الأفغانية على عاتق حركة طالبان والحزب الإسلامي، يقوم المسؤولون الأفغان بنشر دعايات بشأن تنظيم داعش، وعن أسباب ذلك هناك آراء نسردها في الآتي:

أولا: جلب مساعدات دولية بعنوان مكافحة داعش، وتمديد مهلة بقاء القوات الأجنبية في أفغانستان،

ثانيا: استعمال داعش كورقة ضغط ضد حركة طالبان، لتستعد للسلام،

ويرى المحللون بشأن تواجد داعش الحقيقي في أفغانستان، بأن البلد يواجه مؤامرة دولية أخرى، تريد أمريكا من خلالها أن تضرب منافسيه في المنطقة.

إضافة إلى ذلك تظهر روسيا من حين لآخر قلقا حول تواجد داعش في أفغانستان، وبما أن مقاتلين شيشان وأزبك يتقربون من مناطقهم، يبدو أن ثأر أوكرانايا يتم أخذه من روسيا.

النهاية

[1]  بيان منشور للحركة عن عمليات فصل الربيع، في الرابط التالي:
http://alemara1.org/?p=8338

[2] المصدر الأول

[3]  النص الكامل لبيان الحركة، 3 من مايو 2015م:
http://alemara1.org/?p=10653

 

 

عوامل الاضطرابات الأمنية الأخيرة في أفغانستان والمؤامرة الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تمرير للأعلى