حاول الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني في زيارته إلى أمريكا بأن يتمكن من تحسين العلاقة الأفغانية الأمريكية المتدهورة منذ خمس سنوات من جهة، وأن يجلب المساعدة الفورية الأمريكية لصالح الحكومة الأفغانية من جهة أخرى.
وتأتي هذه الزيارة في وقت تتمحور الرؤية الخارجية الأمريكية حول قضايا شرق أوروبّا (أوكرانيا)، والشرق الأوسط (تنظيم داعش، وسيطرة الحوثيين على اليمن، والملف السوري)، والمحادثات مع الجانب الإيراني حول المف النووي الإيراني، إضافة إلى ذلك ومع بدء فصل الربيع تنشط المعارضة المسلحة في أفغانستان وسيواجه أشرف غني المعركة الدامية مع طالبان لأول مرة كرئيس البلد.
خلفية العلاقة
تشكلت العلاقات الأمريكية الأفغانية عندما وصل هتلر إلى السلطة في ألمانيا واعتبره رئيس الوزراء البريطاني تهديدا كبيرا، وفي تلك الفترة كانت أفغانستان بوابة على وجه الهند البريطانية.
بعد الحرب العالمية الثانية شهد العالم حربا باردة أثرت عليه كثيرا. وأثناء هذه الحرب كانت العلاقة الأمريكية الأفغانية متدهورة بسبب التنازع على بختونستان، إلا أن أمريكا كانت تقدم أكبر حجم من المساعدات لأفغانستان بعد روسيا.
إبان الغزو السوفيتي على أفغانستان دعمت أمريكا هذا البلد من أجل مصالح مشتركة، وهو دعم انقطع فور انسحاب الروس من أفغانستان، ليمر الأمر بوضع تعزيرات على أفغانستان في أيام طالبان وصولا بالغزو العسكري على هذا البلد بعد أحداث 11 سبتمبر.
عندما هاجمت أمريكا على أفغانستان عام 2001م، ووصل حامد كرزاي إلى سدة الحكم، كانت العلاقة الأمريكية الأفغانية على ذروتها، ولكن هذه العلاقة تدهورت بعد فوز أوباما بالرئاسة الأمريكية عام 2008م، وبعد نجاح كرزاي للبقاء رئيسا لأفغانستان عام 2009م. كان أحد أسباب الأمر تقرب كرزاي من الجمهوريين أكثر من ديمقراطيين. وسببه الآخر كما وصفه “كأي أيدي”، في كتابه كانت العلاقة الشخصية بين كرزاي وأوباما وانعدام الثقة بين الاثنين. ويأتي في قائمة الأسباب الفساد الموجود في أفغانستان، والتزوير الذي حدث في انتخابات عام 2009م، وعدم مراعاة السيادة الوطنية الأفغانية، وتعذيب المدنيين وقتلهم وقصف المناطق السكنية.
تغيير في السياسة الخارجية الأفغانية
وفي العام الأخير من حكم كرزاي، تدهورت علاقته مع أمريكا وباكستان بشكل كبير، وفي كلمته الأخيرة نصح كرزاي خلفه بأن يحذر كثيرا من أمريكا وباكستان.
وتصل جذور هذه الخلافات إلى عام 2008م، عندما فاز أوباما بالرئاسة الأمريكية وبدأ ينتقد حكومة كرزاي. وتصاعدت وتيرة نقد أوباما خاصة بعد أن اختلف عبدالله عبدالله مع كرزاي بسبب التزوير الذي حدث في الانتخابات الرئاسية الأفغانية عام 2009م، وبعد أن أراد مندوب أمريكا الخاص في أفغانستان وباكستان هالبروك التدخل في الانتخابات الأفغانية. كتب كاي آيدي في كتابه بأن هالبروك كان يريد تشكيل حكومة مشتركة بين كرزاي وعبدالله عبدالله[1].
وجاءت على أعقاب ذلك تغيير في الخارجية الأفغانية وازداد اهتمام كابول نحو الهند، وروسيا، والصين. وقام كرزاي بزيارات عدة إلى الصين في أعوام 2010م، و2012م، و2013م، و2014م، كما وزار موسكو عام 2011م. وفي عام 2013م، امتنع كرزاي عن توقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا ورهن توقيعها بإحلال السلام في أفغانستان.
وفي آخير 2014م، عندما أصبح أشرف غني رئيسا لأفغانستان، وقع هذه الاتفاقية خلال 24 ساعة مع أمريكا، ومنح إلى جانب ذلك تنازلات كثيرة للجانب الباكستاني، وبذلك تغيّرت الخارجية الأفغانية مرة أخرى بشكل جذري.
وفي الزيارة الحالية حاول أشرف غني كثيرا أن يحسن العلاقة المتدهورة مع أمريكا، وقد نجح إلى حد ما في ذلك، وبشكل عام تقف كابول حاليا على عتبة علاقات جيدة مع أمريكا وباكستان.
آمال معقودة بزيارة أمريكا
وكان الرئيس الأفغاني بزيارته إلى أمريكا يهدف إلى أمرَيْن. أولا أن يجلب دعما أمريكيا لميزانية أفغانستان، وثانيا أن يتقوى ضد عمليات طالبان الصيفية. وطلب أشرف غني من أمريكا خلال هذه الزيارة أن تُبقي أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي في أفغانستان إلى نهاية عام 2015م، وأن تبطيء عملية سحب قواتها.
وقد نجح أشرف غني في الهدفين إلى حد ما، لأن أوباما أعلن إبطاء عملية سحب قواتها من أفغانستان، وبأنه يُبقي أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي في أفغانستان إلى نهاية عام 2015م، وكان القرار الأمريكي السابق يقضي بقاء 5 آلاف جندي فقط إلى نهاية عام 2015م.
إلى جانب ذلك تعهد المسؤولون الأمريكيون بأنهم يطلبون من الكونغرس منح مساعدة بالغة 4 مليارات دولار لـ352 ألف جندي من الجيش الأفغاني. وتعهد جون كيري وزير الخارجية الأمريكي مع أشرف غني وعبدالله عبدالله بأن يتم دعم أفغانستان من أجل مكافحة الفساد الإداري سنويا 800 مليون دولار.
سياسة ثلاثية حول السلام والحرب
لو نمعن النظر في 14 سنة مضت، ندرك أن حركة طالبان تشد عملياتها في فصل الصيف وسيكون هذه المرة أول عهد أشرف غني مع هذه العمليات رئيسا للبلد، لذلك إن موقف كابول من السلام والحرب مع طالبان تنقسم إلى ثلاثة محاور:
- الخطوة الأولى هي فتح الطريق على وجه محادثات مع حركة طالبان.
- الخطوة الثانية التأكيد على الهيمنة العسكرية وتعزيز الجبهات ضد المعارضة في ولاية هلمند وبعض المناطق الأخرى وذلك من أجل كسر شوكة العمليات الصيفية للمعارضة.
- الخطوة الثالثة وضع الضغوط على طالبان عبر دول المنطقة، ووضع الغضوط حتى على باكستان لتحمل الأخيرة حركة طالبان إلى الجلوس خلف طاولة الحوار.
أثر الزيارة الأخيرة على الحرب والسلام
إن إحلال السلام يحتل الصدارة في قائمة الأولويات الأفغانية، وهي حقيقة واضحة بأن السلام لا يأتي باستغلال القوة ضد المعارضة المسلحة ولا بترسيخ عوامل الحرب.
إن هذه الزيارة الأخيرة إن وفّرت من الجهة الأمنية أسباب الإرتياح لدى الرئيس الأفغاني أشرف غني، فإنها عززت العراقيل الموجودة أمام عملية السلام والمحادثات مع حركة طالبان أيضا. إن المعارضة المسلحة لم تهزمها أعتى آلة عسكرية في العالم طيلة 14 سنة مضت وهو أمر مستحيل الآن أيضا وعلى أقل التقدير ستظل تحكم مناطق كثيرة في البلد.
إن العلاقة الجيدة مع أمريكا وجلب المساعدة الأمريكية مطلب أساسي في الخارجية الأفغانية، ولكن المعطيات الأرضية تشير إلى أن الحكومة الائتلافية الأفغانية تكثر من العراقيل أمام إحلال السلام في البلد.
ورغم الوعود الكثيرة التي قطعها زعماء هذه الحكومة، إلا أنه وبعد ستة شهور من عملها لم تنطلق محادثات السلام، ولم تستعد حركة طالبان للجلوس خلف طاولة الحوار مع الحكومة الأفغانية. ويمكن لنا أن نلخص عوامل هذا الفشل في الآتي:
- توقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا فور تسلم أشرف غني الرئاسة الأفغانية،
- في الزيارة الأخيرة طلب الجانب الأفغاني بقاء القوات الأمريكية إلى أمد بعيد في أفغانستان،
- التركيز على أنشطة عسكرية ضد المعارضة المسلحة بدلا من إجراء محاولات جادة من أجل التفاوض.
وخلال تعبيره عن الشكر للجانب الأمريكي، نسي الرئيس الأفغاني تضحيات شعبه، وأظهر أن توقيع الاتفاقية كان منة كبيرة من أمريكا على أفغانستان وهي اتفاقية لا تلزم أمريكا بأي تعهد تجاه الأفغان. والحال أن هذه الاتفافية وطريقة توقيعها هي من أكبر عوامل استمرار الحرب في البلد.
وقام الرئيس الأفغاني بزيارات كثيرة إلى دول المنطقة بحثا عن السلام، وهي محاولة تبدو فاشلة أيضا، لأن الصين وباكستان لم يتمكنا من إقناع حركة طالبان بجدوى المفاوضات. تعهدُ رئيس أركان الجيش الباكستاني هو الآخر في طريقه نحو زوال، وكان قد صرّح بأن حركة طالبان سوف تستعد في منتصف شهر مارس للحوار. وفي ثنايا المحاولات مع دول المنطقة وخاصة ما يتعلق بالصين صرّحت حركة طالبان أن حواره مع الصين كان أجل توصيل رؤيتها إلى الجانب الصيني فقط.
النهاية
[1] تفاصيلها في كتاب رابرت غيتس‘Duty: Memoirs of a Secretary at War’ وفي كتاب كأي أيدي.