العلاقات بين كابل وإسلامآباد في الفترة الراهنة مشحونة بالتوتر أكثر من أي وقت مضى خلال العامين المنصرمين من عمر حكومة الوحدة الوطنية، تحت وطأة جوٍ من عدم الثقة بين الدولتين. ومع اقتراب اكتمال إنشاء البوابات الحدودية الباكستانية يصرح المسؤولون الأفغان بأن إنشاءها يخالف الاتفاقيات الثنائية بين الدولتين. علاوة على ذلك فإن حالة المهاجرين الأفغان بباكستان تسوء يوماً بيوم، وحسب وزارة المهاجرين وعودتهم فإن أكثر من 30 ألف مهاجر تم إرجاعهم خلال الأسبوع الماضي. هذا وقد أعطت حكومة إقليم خيبر بختونخواه إنذاراً نهائياً للاجئين الأفغان الأسبوع الماضي بأن يعودوا إلى وطنهم خلال أسبوع.
من جانبٍ آخر أصدرت حكومة باكستان بياناتٍ حول عملية السلام الأفغانية خلال الأسبوعين الماضيين، وقد صرح مستشار القضايا الخارجية الباكستاني سرتاج عزيز أن محادثات الصلح بين حكومة أفغانستان وطالبان ستبدأ قريباً. في الوقت ذاته تحدث قبل أيام قائد القوات الأمريكية وقوات الناتو بأفغانستان الجنرال نيكولسن في لقائه مع قائد الجيش الباكستاني راحِل شريف في زيارته لباكستان عن استئناف عملية الصلح الأفغانية، يُضاف إلى ذلك أن وفداً من المكتب السياسي لطالبان بقطر سافر إلى الصين، ويُترقب سفر قائد الجيش الباكستاني في زيارة رسمية إلى الصين خلال هذا الأسبوع أيضاً.
في قمة الارتياب بين الدولتين، ومن أجل استئناف محادثات الصلح فإنه من الضروري بناء جسور الثقة بين الدولتين أولاً. والسؤال هو لماذا تضخمت شكوك كابل نحو إسلام آباد؟ إلى أي حدٍ لعب اشتباكات طورخم دوراً في خلق هذا التوتر؟ ما هي المشاكل الرئيسية في العلاقات الأفغانية- الباكستانية؟ وإلى أي اتجاهٍ تسير العلاقات بين كابل وإسلام آباد؟
اشتباكات طورخم والارتياب العميق
الاشتباكات الحديثة بين القوات الأفغانية والباكستانية بطورخم والتي استمرت لعدة أيام كانت الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الأفغانية – الباكستانية. لم تفسد هذه الاشتباكات العلاقات بين الحكومتين وحسب، بل أوجدت كراهيةً بين الشعبين، وكانت لهذه الحالة تأثيرات عميقة على التجارة والنقل والقطاع الصحي والقوة الناعمة.
بعد الحادثة بدأت حركة التجارة بين الدولتين في النزول، وتضررت حركة استيراد القمح إلى أفغانستان؛ وقل عدد المرضى الأفغانيين بباكستان؛ وحول التجار الأفغان حركة النقل إلى إيران بدلاً عن باكستان وتصاعد جو الكره بين الشعبين مما أدى إلى تقليل عدد العمال الباكستانيين بأفغانستان والترحيل التدريجي للاجئين الأفغانيين من باكستان.
أودت الاشتباكات الحدودية إلى نشوء جو من عدم الثقة في العلاقات بين الدولتين على نحوٍ يصعب علاجه في مدة وجيزة. هذا التوتر كان واضحاً في مقابلة الرئيس الأفغاني مع سليم صافي وأيضاً في لقاء للسفير الباكستاني بأفغانستان سيد أبرار حسين.
تغير سياسة كابل تجاه إسلام آباد
بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية اتخذ الرئيس الأفغاني أشرف غني سياسة خطرة تجاه باكستان ومنح باكستان امتيازات غير مسبوقة، حيث تم إرسال بعض ضباط قوات الأمن الأفغاني إلى باكستان للتدريب، وتم عقد اتفاقية ثنائية بين الاستخبارات الباكستانية ISI والأمن الوطني الأفغاني؛ اجتنبت الحكومة الأفغانية التقارب مع الهند ولم يسافر الرئيس الأفغاني إلى الهند إلى سبعة أشهر من تشكيل حكومة الوحدة الوطنية؛ تم توقيف طلب الأسلحة الثقيلة من الهند؛ تم تسليم قائد حركة طالبان الباكستانية “لطيف الله محسود” لباكستان (رغم أن الأمريكان هم من اعتقلوا محسود، إلا أن قرار تسليمه لباكستان صدر من حكومة أفغانستان)، واشتركت حكومة أفغانستان أخيراً في محادثات الصلح الرباعية بمشورة ومبادرة باكستان.
على صعيد آخر، قام مسؤولون باكستانيون من الساسة وأعيان الجيش بزيارة أفغانستان وكلٌ منهم قدم وعوداً باستقرار الصلح بأفغانستان، إلا أن باكستان إلى حدٍ بالغٍ فشلت في تحقيق وعودها.
بعد الانفجارات الدامية بكابل وقع موقف الرئيس الأفغاني مع باكستان تحت طائلة الانتقاد الشديد من قِبل الصحافة وأعضاء البرلمان ومسؤولو الحكومة السابقة، مما أثر على موقف الحكومة الأفغانية تجاه باكستان وأدى إلى تغييرها تدريجياً.
جذور توتر العلاقات بين أفغانستان وباكسان
النقاط التالية هي السبب وراء تدهور العلاقات بين كابل وإسلام آباد في فترة حكومة الوحدة الوطنية:
أولاً: التظاهر أكثر من اللازم؛ بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية صرح كبار الساسة الباكستانيين ومنسوبو الجيش بوعود كثيرة لم يوفوا بها، أو باحتمالٍ آخر أعطوا وعوداً أكبر من القدر الذي يستطيعون الوفاء به. بغض النظر عن التساؤل عما إذا كان إخلاف الوعود من الجانب الباكستاني مقصوداً أم لا؛ إلا أن وعود الجانب الباكستاني أوجدت أملاً لدى الشعب الأفغاني، ثم ما لبث هذا الأمل أن يتحول إلى خيبة وعدم ثقة عندما لم تتحقق تلك الوعود.
ثانياً: الوضع الأمني بأفغانستان؛ تدهور الوضع الأمني كان العامل الرئيس وراء التوتر في العلاقات الثنائية بين الدولتين. العلاقات الثنائية مع باكستان متعلقة بشكل مباشر بالأمن في أفغانستان؛ حيث أنه مع زيادة تدهور الوضع الأمني يكبر التوتر بين الدولتين.
ثالثاً: طالبان الأفغانية وباكستان؛ حضور وتواجد طالبان بباكستان عاملٌ آخر وراء ارتياب كابل تجاه إسلام آباد.
رابعاً: خط ديورند وإدارة الحدود؛ خط ديورند أثر على العلاقات الثنائية أكثر من أي موضوعٍ آخر. تسبب برنامج إدارة الحدود من الجيش الباكستاني – والذي تراه حكومة أفغانستان إقراراً بخط ديورند – في ازدياد التوتر في العلاقات الثنائية، وهو السبب ذاته الذي جر قوات أمن الدولتين إلى الاشتباك المسلح.
خامساً: نفوذ الهند في أفغانستان؛ كان لنفوذ وتأثير الهند في أفغانستان أثر عميق على العلاقات الأفغانية الباكستانية، وهذا النفوذ عنصر مهم ضمن العناصر التي تصوغ سياسة باكستان نحو أفغانستان.
سادساً: تقلب سياسات باكستان؛ على الرغم من أن كبار المسؤولين بباكستان والسفير الباكستاني بأفغانستان سيد أبرار حسين ينتقدون على المسؤولين الأفغان موقفهم المتردد تجاه طالبان، وبحسب رؤيتهم فإن حكومة أفغانستان من جانبٍ تناشد الصلح مع طالبان ومن جانبٍ آخر تدعو باكستان إلى شن حملاتٍ عسكرية ضد طالبان؛ إلا أن التأمل في علاقات كابل-إسلام آباد ينتج القول بعدم ثبات موقف باكستان تجاه أفغانستان. تريد الحكومة الباكستانية والجيش حفظ التوازن بين حكومة أفغانستان وطالبان إلى الحد الذي جعلها تحتار في اختيار من تدعم من الطرفين (طالبان أو الحكومة الأفغانية). إذا أرادوا الضغط على طالبان عملاً بمطالبة الحكومة الأفغانية فإنهم في الجانب المقابل يخشون من ردة فعل حركة طالبان الأفغانية القاسية، ويقلقهم أن العداء مع طالبان سيؤدي على المدى القصير إلى ضعف نفوذهم على الحركة وعلى المدى الطويل سيؤدي ذلك إلى ضعف نفوذهم وتأثيرهم على الحكومة الأفغانية.
إلى أين تسير العلاقات بين أفغانستان وباكستان
حالياً يغلب جو من عدم الثقة ليس على صعيد الحكومتين فحسب بل على الصعيد الشعبي جانبيْ خط ديورند. بالنظر إلى تصريحات المسؤولين بالحكومة الأفغانية فإنه يبدو أن الحكومة لن تشارك في محادثات الصلح الرباعية ولن تسعى نحو تحسين العلاقات مع باكستان.
بإمكان العلاقات الثنائية أن تتحسن في حالة واحدة وهي مساعي دولة باكستان أو طرف ثالث آخر -مثل الصين-، حيث أن دور الصين يبدو مؤثراً حيال الموضوع وذلك لأن الصين تهتم بالاستقرار والأمن في أفغانستان، ليس ذلك وحسب، بل ترى الصين من صالحها تحسن العلاقات بين أفغانستان وباكستان.
انتهى